الندم فيه شفاء

الندم فيه شفاءحسين خيرى

الرأى11-12-2021 | 09:40

سكان العالم الأول لم يتركوا ظاهرة تحدث بداخلنا أو حولنا إلا وأخضعوها للتجربة والبحث، واجتمع منذ وقت قريب باحثون لدراسة أمر قد لا يخطر علي بال الكثير، وهو الشعور بالندم عقب شرب الخمر، واكتشفوا أن الأستراليين يتصدرون قائمة الشعوب الأكثر إقبالا على شرب الكحوليات، ووصل بهم الحال إلى حد الإدمان، ولم يساورهم أدنى شعور بالندم بعد احتسائهم لها، ويليهم سكان الدنمارك وفنلندا، أما أهل أيرلندا وبولندا أكثر الناس شعورا بالندم عقب تعاطيهم الكحول.

ومع قليل من التفكير نجد أنها واقعة جديرة بالبحث، فالشعور بالندم يمثل ظاهرة صحية، ومن يفتقده يحتاج إلى علاج نفسي، والندم انعكاس لوخز الضمير، ويقر علماء النفس أن من لا يساوره الشعور بالندم إنسان بليد الإحساس، ولا يتألم لمعاناة الآخرين.

وارتفاع نسبة الحوادث فى الشارع العربي تجسيدا لغياب النخوة، ودليلا على تفشي فيروس أصاب ضمير عدد لا بأس به فى مجتمعنا، وسكت معه صوت الشعور بالندم، ومصابو الضمير لا يحركون ساكنا أمام مظاهر الاعتداء على مرافق الدولة وعلى الضعفاء.

وغياب الندم كان أحد أسباب تعدد جرائم البلطجة والتحرش فى الشارع العربي، فهناك أب لا يحس بالندم وهو يشاهد ابنته ترتدي ملابس ممزقة ويوجد جار يلوذ بالفرار وقت شدة جاره، ولذا أوصت الأبحاث الحديثة أن المرء يحتاج إلى قدر مناسب من الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير نحو أفعاله السلبية لئلا يكررها أو يتحول إلى شخص مسلوب المشاعر والإرادة تجاه الضرر الذى يقع على مجتمعه.

ويحث كذلك الباحثون على ضرورة شحذ الأفراد بأهمية الشعور بالندم عبر هيئات المجتمع المدني، وذلك حفاظا على العلاقات الإنسانية من الانهيار، ويحذرون من التفريط بمشاعر وخز الضمير، لأنها بمثابة أداة تصويب للأخطاء.

ويرى "سيجمون فرويد" أن الشعور بالذنب دلالة إيجابية على النضج، ويعتقد أنه خطوة أولى تحدد مسؤولية الفرد نحو سلوكه ومشاعره وصراعاته حول القرارات الصعبة.

وتقودنا تلك الآراء إلى الحديث عن الفرق بين الشعور بالذنب والإحساس بالندم، فالأول يعنى اعتراف الشخص بارتكاب الخطأ، والثاني إقرار منه بما فعله من سوء ورغبته فى تصحيحه، ويتأسف فى حوار مع ذاته على خطأه.

والإنسان الذي لا يشعر بالذنب، وفى نفس الوقت لا يساوره الشعور بالندم، وصفه علماء النفس بالشخص السيكوباتي، بمعنى أنه شخص مخادع، يفتقد الشعور بالخجل، وكاذب ويحمل بداخله نوازع الشر ضد مجتمعه.

وكان من الضرورى تحذير كل من يتراخى فى إيقاظ ضميره، ليتمكن من تصحيح أخطائه بصفة دورية، وحتى لا يتحول إلى شخص سيكوباتي، لا يعرف معنى الحب، وينتهك حقوق الغير، فلابد إذا من الشعور بالندم لأنه أفضل طرق الوقاية للمجتمعات والأفراد من التناحر والسقوط فى بئر الانحلال الخلقي.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2