إيهاب الملاح يكتب: لم يكن صهيونيا.. وحاشا له أن يكون!

إيهاب الملاح يكتب: لم يكن صهيونيا.. وحاشا له أن يكون!إيهاب الملاح يكتب: لم يكن صهيونيا.. وحاشا له أن يكون!

*سلايد رئيسى13-12-2017 | 18:27

(1)

على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، نشر موقع المدن اللبناني مقالًا بعنوان "هل سهَّل طه حسين اختراق الصهيونية لمصر؟"، بتوقيع صديقي الكاتب والروائي وجدي الكومي. وطبيعي أن يستفزني العنوان، مثلما استفز المئات من واقع مراجعة التعليقات على المقال! وأنا أعلم ولع صديقي، المحرر الثقافي المحترف، بالإثارة وتأجيج المشاعر، و"البحث عن خناقة"! وأيا ما كان الغرض من الصيغة الاستفهامية في العنوان؛ إنكارًا أم استنكارًا أم رفضًا فإن صديقي قد برر هذا الاستفزاز الذي اعترف بقصديته لإثارة المعركة مع أفكار بعينها وليس للاعتراف بصوابها.

في كل الأحوال، فقد نجح في استفزازي جديا وفعليا وجعلني أطالع المقال الطويل -جدًا- كي أعرف سر هذا العنوان وما وراءه! مع تحفظي تماما على صياغته بهذه الطريقة واختيار التوقيت لنشر المقال في هذا الظرف!

(2)

المقال ببساطة يعرض لكتاب صادر حديثًا عن دار العربي للنشر، بعنوان «المشروع الصهيوني ـ الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017»؛ (يقع في 288 صفحة من القطع الكبير)، وقد عرض صديقي وجدي الكتابَ عرضًا رائعًا وفصّل القول في أفكاره الرئيسة وموضوعاته التي عالجها، والرؤية التي تضمنها لصاحبة الكتاب، الأستاذة الدكتورة عواطف عبد الرحمن، وهي أشهر من نار على علم في تخصصها فهي أستاذة قديرة من أساتذة الإعلام والصحافة في مصر والعالم العربي.

ومع كل التقدير والاحترام للدكتورة عواطف؛ فإني وبعد قراءتي لما كتبت، ولم أعتمد فقط على العرض الذي قدمه الكومي، وجدتني إزاء نوعية من الدراسات المعروفة للأسف باتجاهها "التعميمي" اليقيني القائم على الاستدعاءات النصية "المبتسرة"، والتبسيط المخل للقضايا الكبرى، وترديد المقولات الشائعة والمساس بظاهر مضمون النصوص الصحفية، دون التوقف طويلا لتأملها أو مقارنتها بغيرها أو حتى مقابلتها على الآراء والأفكار المضادة في حوار مثمر وفعال.

ودون أن أعيد وأزيد في ما طرحته الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها -وهو متاح ميسور لمن أراد مطالعته- فهي ببساطة تقيم كتابها على خلط بيّن وفادح و"فاضح" بين مفهومي "يهودي" و"صهيوني"؛ وكل ما في الكتاب من فرضيات وطروحات ونتائج مبني على هذا التماهي بين المفهومين، ومن ثم صار أي تعامل أو اتصال مع "يهود" سواء كانوا مواطنين مصريين أو غيرهم، يعني ببساطة تعاملا مباشرا وتطبيعا مجرما مع الصهيونية والصهاينة، وسواء كان هذا قبل النكبة بشكل مباشر عام 1948 أو بعدها!

وبناء عليه، فقد رددت الدكتورة عواطف عبد الرحمن بحس زاعق كل ما سبق تكراره من اتهامات باطلة -أكرر باطلة- في حق صفوة من كبار المثقفين المصريين، وعلى رأسهم طه حسين (الذي لم يتجاوز ما أوردته عنه صفحة أو أقل، ومع ذلك فقد استلفت صديقي وجدي وجعلته هو عنوان الخناقة!

ببساطة مشكلتي مع مثل هذه الكتابات -في ما أتصور- في المنهج الخاطئ الذي يعتمده أصحابه، وهو منهج يعتبر كل يهودي "صهيونيا"، فضلا على اعتماد نظرية المؤامرة بشكل قاطع وحتمي، ومن ثم التعامل مع كل "يهودي" باعتباره "مجرما متآمرا عميلا إرهابيا"!! هذا المنطق نفسه -هو هو- الذي يعتبر كل مسلم "إرهابيا قاتلا دمويا" باعتبار أنهم كلهم "دواعش" أو "طالبان" أو "نُصرة" أو اللي يعجبك!! أليس هو المنطق ذاته؟! هذه واحدة!

والثانية.. أن اعتماد هذا النهج يؤدي منطقيا إلى إنكار ونكران أي نتاج علمي فني حضاري فكري قدمه "يهود" فقط لأنهم يهود! وهذا تناول عنصري وغير سليم؛ ولا يخدم أي قضية لا قومية ولا عربية، بالإضافة إلى أنه ينتهي إلى نتائج غير صحيحة بالمعنى العلمي المنهجي.

ليس معقولا ولا مقبولا أن يكون كل يهودي صهيونيا لمجرد أنه "يهودي"، كما أن الاقتصار على الهوية الدينية وحدها للشخص، أيا ما كان تخصصه لا يصلح لتفسير شامل وموضوعي في بحث الظواهر العلمية والإنسانية. ولا أجد فارقا بين من يختزل الصراع في جانبه الديني وحده وبين من يختزله في جانبه العنصري وحده!!

كلاهما -في ما أظن- على خطأ..

وأنا هنا أكرر ما ذكره أيمن الصياد بوضوح ودون لبس في تغريدة له على موقع "تويتر": "إلى المزورين الذين يبحثون في القرآن دفاعًا عن حق الإسرائيلين في فلسطين: «إسرائيل» النبي ليس إسرائيل الدولة. «واليهودية» الديانة ليست "الصهيونية" كعقيدة سياسية. مشكلتنا «سياسية» مع إسرائيل (الدولة المحتلة) لا مع إسرائيل/ يعقوب (النبي)، ومع الصهيونية لا مع اليهودية".

(3)

إن أبسط مراجعة لتراث كبار المثقفين المصريين المعتبرين، في النصف الأول من القرن العشرين، يؤكد أنهم كانوا ينطلقون من التفرقة الحاسمة بين "اليهودية" و"الصهيونية"؛ لأن اليهود قبل قيام دولة إسرائيل كانوا يعيشون في كثير من الأقطار العربية لهم نفس الحقوق‏،‏ وعليهم نفس الواجبات.

وفي رأي طه حسين (الذي اتهمته الدكتورة عواطف عبد الرحمن بممالأة الصهيونية)، فإن أوروبا قد جنت عليهم حينما أحالت مشروعهم إلى "مشروع سياسي" استهدف قتل الفلسطينيين وتشريدهم من بلادهم، وزرع وطن خاص باليهود في أرض فلسطين العربية‏، التي كانت قبل قيام الدولة اليهودية نموذجًا للتسامح بين كل الديانات والأعراق‏، وكانوا جميعًا يرون أن اليهود كانوا يعيشون في كثير من الأقطار العربية، قبل مأساة فلسطين، كجماعاتٍ لها كامل حقوقها السياسية والاجتماعية والدينية، ومراجعة تاريخ اليهود في بلدان كثيرة منها مصر والمغرب، مثالا، يؤكد هذا الكلام.

ومن الأمور التي استغربت لها واندهشت منها أن الدكتورة عواطف عبد الرحمن قد أغفلت -مثلا- الرجوع إلى الكتاب القيم الذي كتبه حلمي النمنم، الباحث التاريخي المعروف، ووزير الثقافة الحالي، بعنوان «طه حسين والصهيونية»، الصادر عن سلسلة كتاب الهلال في سبتمبر 2010! أي منذ ما يقرب من ثماني سنوات كاملة؛ أي أنه ليس حديث الصدور ولا قديما للدرجة التي يمكن أن يغفل عنه باحث جاد، فضلا على أن يكون متخصصا راسخا في مجاله!

وأجدني هنا مضطرًا إلى عرض أهم ما اشتمل عليه الكتاب؛ لأنه ببساطة يُدحض ويهدم وينقض تمامًا كل ما رددته الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها؛ خاصة في الجزء الخاص بالمثقفين المصريين، وفي المجتزأ الذي أوردته بشأن طه حسين!

(4)

وكتاب «طه حسين والصهيونية»، يقدم قراءة جادة لموقف طه حسين من الحركة الصهيونية، والقضية الفلسطينية، في مرحلة باكرة من مراحل مأساتها الممتدة، التي سبقت إعلان قيام الكيان الصهيوني والدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين (1945-1948)، خصوصًا أن طه حسين قد طالته اتهامات باطلة سخيفة حول هذه المسألة. ويفند حلمي النمنم تلك الاتهامات، ويسوق الأدلة والبراهين على نزاهة موقف طه حسين، وبراءة ذمته الفكرية والعربية والقومية تجاه ما تردد حوله إزاء هذه القضية؛ من واقع كتابات ونصوص طه حسين وحده، وهي نصوص لم يتم إلقاء الضوء الكافي عليها من الكشف والدرس والتحليل.

ويدافع النمنم دفاعاً عقلانياً مجيداً عن العميد، وعن مجمل مشروعه الفكري والثقافي؛ ويشدد على أنه كان لزامًا على من تولوا شن الحملات الضارية على طه حسين أن يستوثقوا أولا من آراء وأفكار الرجل من واقع كتاباته ونصوصه المتنوعة التي كان ينشرها في صورة مقالات بالدوريات المختلفة آنذاك. ومع ازدياد وطأة هذا الهجوم، حدةً وشراسة في النصف الثاني من الأربعينيات، تحددت التهم التي طالت طه حسين بخصوص موقفه من الحركة العربية عامة، والقضية الفلسطينية، في ما يلي:

- أنه لم يذكر فلسطين بكلمة واحدة، وتجاهل تماماً الإدلاء برأي أو الإشارة إلى الصراع الدائر بفلسطين خلال الفترة التي سبقت النكبة بنحو ثلاث سنوات.

- قبوله الإشراف ورئاسة تحرير مجلة «الكاتب المصري» التي كانت تصدر عن دار (الكاتب المصري) التي كانت تمتلكها وتمولها أسرة هراري اليهودية المصرية.

- إلقاؤه لمحاضرة بالإسكندرية عن (الأدب العربي واليهود)، وطالته بسبب هذه المحاضرة اتهامات عديدة، على رأسها تعاطفه مع اليهود.

- علاقته بالطالب والباحث اليهودي إسرائيل ولفنسون الذي أعد رسالته لنيل درجة الدكتوراه بإشراف الدكتور طه حسين، بعنوان «تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام» في عام 1927م، وكتب له مقدمةَ هذا الكتاب.

وعلى مدار الفصول العشرة المكونة للباب الثاني من الكتاب، وهو بعنوان «الصهيونية وفلسطين عند طه حسين»، فنَّدَ النمنم هذه الاتهامات، معتمدًا على نصوص طه حسين ومقالاته التي كان ينشرها في الصحف والدوريات الثقافية والأدبية المختلفة، كما رجع إلى افتتاحياته المهمة لمجلة «الكاتب المصري» التي كان يرأس تحريرها.

وكان مما اتكأ النمنم عليه في كشف موقف طه حسين من فلسطين، وحقيقة الادعاء بتعاطفه مع الصهيونية على مقال قديم لطه حسين نشره في مجلة «الشرق» بتاريخ 28 أكتوبر من عام 1933م، بعنوان «فلسطين»، جاء فيه: «لو لم يكن بيننا وبين إخواننا من أهل فلسطين إلا هذا الإخاء العام، لكان من الحق علينا ألا نقف من هذه الأحداث التي ألمت بهم أمس موقف الذين ينظرون ولا يشعرون ويشهدون ولا يتأثرون. كما نحب أن يشعر إخواننا من أهل فلسطين أننا شركاؤهم فيما يحسون من ألم وحزن».

وأحداث الأمس التي يعنيها طه حسين في مقاله، هي المظاهرات التي قام بها الفلسطينيون احتجاجاً على تزايد عدد المهاجرين من اليهود إلى بلادهم بل وإقامة 5 آلاف سائح يهودي في فلسطين بشكل غير شرعي، وهي المظاهرات التي قابلتها قوات الاحتلال البريطاني بعنف شديد فاستشهد فيها 12 فلسطينياً، واعتقل العشرات منهم.

وهذا المقتطف نموذج، مجرد نموذج، لنصوص بالغة الدلالة، لطه حسين، توضح موقفه الذي كان ينطلق من التفرقة الحاسمة بين "اليهودية" و"الصهيونية"، وهذه التفرقة ذاتها بين "اليهودية" و"الصهيونية"، في فكر وعقل طه حسين، تفسر ببساطة شديدة إشرافه على أطروحة دكتوراه الباحث اليهودي بالجامعة المصرية، إسرائيل ولفنسون "أبو ذؤيب"، عن موضوع شائك كهذا في عشرينيات القرن الماضي (1926)‏، وكذلك كتابته مقدمة له، وللعلم فإن هذه الرسالة كانت بعناية وإرشاد العالم الأزهري الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار‏،‏ وموافقة لجنة «التأليف والترجمة والنشر» في مصر على طبع الرسالة، باعتبارها عملا علمياً فريداً يستحق القراءة‏.

كل ما سبقت الإشارة إليه في حالة إسرائيل ولفنسون يعد نموذجاً رائعاً لما كانت عليه الجامعة المصرية الوليدة التي لم تكن تستهدف إلا البحث العلمي المجرد فقط‏، وفي مجتمعٍ كان يساوي بين الجميع بصرف النظر عن الدين أو العرق‏.‏

وكان هذا الإشراف على رسالة الباحث اليهودي دليلا واضحاً على التفرقة بين "اليهودية" و"الصهيونية" التي كانت قارة في أذهان المثقفين والمفكرين في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، ناهيك عن وضوحها في أذهان العامة وسلوكهم المتسامح مع المصريين اليهود.

وفي الفصل الخاص الذي خصصه لمناقشة التهم التي طالت طه حسين بسبب إشرافه على دار (الكاتب المصري) ورئاسته لتحرير مجلة (الكاتب المصري)، يوضح النمنم أن تلك المجلة كانت مجلة ثقافية تنويرية من طراز رفيع. ولم تتضمن من بين موادها، من عددها الأول إلى عددها الأخير، ما يتضمن إشارة ولو من بعيد إلى ما يمكن أن يثير شكا أو غموضا حول موقفها أو موقف محرريها من قضية فلسطين بالسلب، بل على العكس فقد اشتملت على مجموعة من المقالات والتحليلات السياسية التي كانت ترصد وتحلل بدقة ما كان يجري على أرض فلسطين من وقائع وأحداث وكانت في مجملها العام تناهض النشاط الصهيوني في فلسطين، وتحذر من مغبة النتائج المتوقعة في حال تنفيذ هذه المؤامرة الرهيبة.

ويظل أهم ما في كتاب حلمي النمنم أنه قدم قراءة رصينة لبعض آراء ومواقف طه حسين تجاه قضية محددة ـ ناله منها ما ناله واتهم بسببها بما يكفي للاغتيال! ـ تقوم على الفهم المتأني والتحليل المنطقي لنصوص طه حسين وحدها، ووضعها في سياقها الزمني، والخروج منها بصورة تقترب كثيرًا جدًا من حقيقة آراء الرجل ومواقفه إزاء ما رمي به من انقطاع الصلة بجذوره الدينية والوطنية.

(5)

أخيرا، وقد طال هذا المقال بأكثر مما يجب، فإن طه حسين لم يكن الرجل الذي يغفل أو يتغافل عن الأحداث الكبرى والقضايا القومية التي كانت تتشكل وتحدث على مرأى ومسمع منه، وأنه يقينًا كان يرى أن فلسطين هي بوابة مصر نحو الشرق العربي، وكان على وعي وإدراك كامل لما يحدث على أرضها في ذلك الحين من ازدياد معدلات الهجرة اليهودية إليها وبروز المشروع الصهيوني الاستعماري، ومن هنا جاءت مقالاته المبكرة في التنبيه إلى خطورة ما يجري في فلسطين وخطورته على فلسطين ومصر والعرب والمسلمين جميعًا بل على الإنسانية كلها.

ومن هنا أيضا جاء موقفه حين تأسست جامعة الدول العربية في عام 1944 من اعتباره أن مقياس نجاح هذه الجامعة مرهون بمقدرتها على استعادة فلسطين والمحافظة على عروبتها وعلى حقوق شعبها.

ويبدو أن طه حسين لا يؤرق السلفيين والمحافظين فقط بل يبدو أنه سيصبح شماعة لمزايدات واهية ولا محل لها من الإعراب، ولا داعي لها وليس هذا وقتها.. أبدًا.

    أضف تعليق

    رسائل الرئيس للمصريين

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2