بدأ العمل في مختلف الأوساط اللبنانية اليوم الاثنين، مستهل العام الجديد، الذي تراهن عليه الأوساط السياسية والشعبية والدولية ليكون بداية إنقاذ لبنان وتعافيه من الأزمات المتلاحقة، والتي بلغت ذروتها خلال العام الماضي رغم الفرص العديدة التي سنحت للحل.
ويأمل اللبنانيون خلال العام الجديد في تحقيق تحسن ملموس في الأوضاع الإجتماعية والمعيشية، والتي بلغت أدنى مستوياتها خلال العام المنصرم بعدما أعلنت منظمات أممية وصول نسبة الفقر في البلاد إلى 74% بعدما كانت 55% عام 2020.
ويأتي ذلك في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية وتدني الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، وخصوصا الكهرباء، التي تراوحت ساعات التغذية بها من صفر إلى 4 ساعات يوميا، فضلا عن عدم توافر عدد من السلع الأساسية والأدوية على مدار العام، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار السلع المتوفرة نتيجة الانهيار التاريخي في سعر صرف العملة اللبنانية ضمن أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي خلال العام الماضي أنها ضمن أسوأ 3 أزمات في التاريخ منذ منتصف القرن الـ19 الميلادي.
ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة منذ تشكيلها في 10 سبتمبر الماضي لحل الأزمات، وخصوصا الاجتماعية والمعيشية، إلا ان العراقيل التي منعت مجلس الوزراء من الانعقاد سوى لأقل من شهر أثرت على فعالية الحلول ومداها الزمني.
وعلى المستوى الحكومي، شهد شهر سبتمبر من العام الماضي ولادة عسيرة للحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، والتي اتخذت "معا للإنقاذ" شعارا لها، وذلك بعد 13 شهرا من الفراغ الحكومي الذي عمق الأزمات وزادها تعقيدا، إلا أنه وبعد أقل من شهر على نيل الحكومة الثقة تعطلت جلسات مجلس الوزراء المعنية بمناقشة قرارات الحكومة والموافقة عليها بالإجماع.
وذلك بسبب خلافات بين القوى السياسية المشاركة في تشكيل الحكومة حول مسار التحقيقات في انفجار ميناء بيروت البحري، حيث يصر فريق (الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله) على عدم مشاركة وزرائهم في اجتماعات مجلس الوزراء قبل إقصاء قاضي التحقيق في قضية انفجار الميناء عن التحقيقات، حيث يعتبر هذا الفريق أن التحقيقات مسيسة وغير حيادية وتنتهك القانون والدستور بهدف النيل من عدد من الوزراء السابقين والنواب المنتمين لها.
وأدى مقاطعة عدد من الوزراء لجلسات مجلس الوزراء إلى تجميد قطاع كبير ومؤثر من عمل الحكومة، وأدى لتعطيل خطط الانقاذ والتعافي التي تعمل عليها الحكومة، وخصوصا لإنجاز إصلاحات مطلوبة وللتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قد أكد، في حوار لوكالة أنباء الشرق الأوسط الشهر الماضي، أنه لا يريد الدعوة لاجتماع مجلس الوزراء في ظل مقاطعة فريق سياسي لجلسات المجلس لكي لا يستفز أحدا، وخصوصا في هذا الظرف الذي تمر به البلاد، معتبرا أن الحكومة بشكلها الحالي لا تعمل كمجلس وزراء، ولكن كحكومة تنفيذية.
ويعد التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي من أهم أولويات الحكومة اللبنانية، وهو ما أكد عليه أيضا رئيس الحكومة اللبنانية في حواره، إلا أن الظروف السياسية التي تعرقل اجتماعات مجلس الوزراء حالت دون التوصل إلى صيغة مبدئية لبدء المفاوضات بين لبنان والصندوق قبل نهاية العام الماضي وفقا لما كان مأمولا، لتبقى الآمال معلقة على العام الجديد لبدء المفاوضات الجدية والتوصل لاتفاق يبني عليه لبنان آمالا عريضة من أجل الإنقاذ والتعافي.
وتحظى الانتخابات النيابية والرئاسية المرتقبة خلال العام الجاري باهتمام بالغ من المجتمع الدولي الذي يترقب إجراء تلك الانتخابات في أجواء من النزاهة والحرية والشفافية، باعتبار أن الانتخابات هي المعبر عن إرادة الشعب اللبناني الذي عانى على مدار السنوات الماضية من الأزمات المتتالية والمتفاقمة رغم كل المبادرات للحلول.
وتضع الدولة اللبنانية على رأس أولوياتها إجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة وطمأنة المجتمع الدولي لذلك، إذ حُسم الخلاف حول موعد إجراء الانتخابات النيابية وأصدر وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي مرسوما بتحديد موعد اجرائها في الداخل يوم 15 مايو القادم، ووقع المرسوم رئيسي الجمهورية والحكومة بما يؤكد أن الانتخابات في موعدها رغم التحديات التي تسعى كل الأطراف لتجاوزها.
كما يترقب المجتمع الدولي أيضا إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام أيضا، إذ تنتهي ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل، حيث أكد عون مرارا أنه لن يسعى إلى تمديد ولايته مؤكدا حرصه على إجراء الانتخابات في موعدها.
وبينما تسابق الدولة اللبنانية الزمن لتجاوز الخلافات والعقبات التي تعوق الاصلاح والإنقاذ والتعافي، هناك العديد من التحديات الكبرى أيضا، والتي تتمثل في العمل على زيادة ساعات التغذية الكهربائية وتحسين الظروف المعيشية والاجتماعية وضبط سوق صرف العملة الأجنبية وعودة العلاقات مع دول الخليج ومكافحة التهريب ومواجهة انتشار السلاح في الشارع وضبط الأمن الداخلي والحدودي.