رواية «واجب النفاذ».. استجواب شعبي لتغليظ العقوبة على جرائم النفس

رواية «واجب النفاذ».. استجواب شعبي لتغليظ العقوبة على جرائم النفسرواية واجب النفاذ

ثقافة وفنون3-1-2022 | 17:42

صدر للروائي الدكتور طارق الزيات روايته الجديدة «واجب النفاذ» عن مؤسسة أخبار اليوم، وهي الرواية الرابعة للمؤلف، والتي يناقش فيها قضية تتعرض لها كل فئات المجتمع دون استثناء، ويقول عنها الناقد الأديب عبد النبي النديم:

عندما يمتلك المبدع موهبة إجبار دموعك على السقوط بغزارة دون إرادتك، وتنجذب إلى عالمه الذي رسمه من وحي إبداعه، وأن تحيا بين دروب وحواري وأزقة الأماكن في روايته، ملتحما بشخصوه، ومتفاعلا مع أحداثه، ومشاركا في قرارته، فهذه شهادة ضمنية على نجاحه بالعبور بالقارئ والمتلقي إلى البر الذي رسمه له، وتأكيد على موهبة على البناء شديد المتانة للرواية، فالسخاء الشديد في تشابك وتلاحم الأحداث، والفيض الهادر في وصف المشاهد ورسم الشخوص وصناعة المشاهد، فأنت أمام ملحمة أدبية لا تنتمي إلى عصر الرواية الحديثة، فقد عاد بنا الروائي المبدع والحكاء الملهم والملم بجوانب السرد الدكتور طارق الزيات، إلى عقود من الزمن، لتصطف رائعته الجديدة «واجب النفاذ» إلى جانب قامات كبيرة طالما نهلنا منها روائع من صنوف الروايات العربية الرائدة.

فقد خرج لنا من محرابه حاملا على أكفه معاناة اجتماعية، قد لا يخلو منها بيت في مختلف جنابات المجتمع، ويعاني منها كل صنوف البشر، قد لا يكون في مصر فقط ، ولكن في كل أنحاء البسيطة، ففي إطار روائي محكم يعالج الزيات وصمة عار تندس ثوب المجتمع الأبيض الذي نعيش بداخله، ومشكلة تؤرق كل أب وكل أم أو أخ أو حتى أبن، وهى الجرائم التي تقع على النفس، من قبل بعض المجرمين الذي فقدوا هويتهم الإنسانية. وتخلت قلوبهم عن رسالة السلام التي ينشدها كل مواطن والحياة في آمان، منددا بالقوانين العرجاء التي تفرض عليهم عقوبة لا تتناسب مع جسامة جرمهم، ليخلق لنا في النهاية غضب مجتمعي ممن عانوا وعاشوا المأساة، ليقرروا أن يكونوا سيف القصاص ممن تجردت مشاعرهم من كل إحساس، ولم تعرف قلوبهم معنى الرحمة، وتحولت إلى حجارة أو أشد قسوة، فهم الوباء الذي استشرى في المجتمع دون علاج، والعضو الفاسد في جسد المجتمع ولم يتم علاجه أو بتره، حتى لا يتمدد وينتشر إلى باقي أعضاء الجسد.

إنها صرخة مدوية أطلقها الزيات في «واجب النفاذ» واستجواب عاجل من المجتمع إلى المسئولين لدراسة الظاهرة التي يعانى منها القاصي والداني، على وجه السرعة، لمعالجة الجريمة التي تقتل الإنسان وهو ما زال على قيد الحياة، فما معنى أن يلقى مجرم «ماء نار» على وجه فتاه رفضت الارتباط به فيشوه وجهها.

والزيات روائي طموح.. قدم نفسه بقوة من خلال أعمال إبداعية متميزة، من خلال رواية «عالم آخر» في 2020, وتلتها رواية «ظل رجل» في عام 2020, تم رواية «وهيبة ..الهروب الكبير» عام 2021, ليتوج انطلاقته القوية بالملحمة الإبداعية، التي جمع فيها خبراته الأدبية، مستعينا بخبراته العملية كرجل شرطة سابقا، محاولا الوصول إلى حلول جذرية لمشاكل اجتماعية تؤرق الإنسانية، ويعاني منها كل طبقات المجتمع، متسلحا بدرايته الكبيرة بالبناء السردي للرواية، من خلال الأحداث المتتالية والمتصاعدة، في سلاسة بعد أن بنى جسرا متماسك مع القارئ، في اتجاه واحد ليصل إلى النهاية راضيا بالسير في الاتجاه الإجباري الذي فرضه علينا المؤلف بأسلوبه الراقي، وتصاعد أحداثه للوصول إلى الذروة.. ثم النهاية.

ويحاول الزيات من خلال الأحداث معالجة فكرته في عمله الإبداعي، من خلال عرض لظواهر اجتماعية يعانى منها كافة طبقات المجتمع، وهى الجريمة التي ترتكب في حق أفراده من قبل المجرمين الذين لا يلاقون العقاب الذي يلائم ويتناسب مع عظيم جرمهم، طامحا إلى نمط حياة جديدة، متسلحا بالآمال والأحلام لتحقيقها، من خلال إستراتيجية إبداعية تعتمد على مجموعة أساسية كأعمدة للعمل الروائي، من خلال رصد لمجموعة من الجرائم التي لا يعاقب عليها القانون بالعقوبة المناسبة لجسامة الجرم المرتكب، حددها في مجموعة من القوائم، بدأها بسرد العلاقة العاطفية الجارفة التي تتصاعد بين صفاء المحامية وضابط الشرطة جاسر، التي بدأت ملامحها تتضح من خلال عمل إنساني من الضابط جاسر لـ«رواية» التي دفعتها الظروف دفعا إلى طريق الرزيلة حتى تستطيع دفع إيجار مسكنها، وتوفير نفقات معيشتها هي وأبنائها، وكانت الخطوة الأولى لها في طريق الرزيلة، ليمزق محضر ضبطها على مسئوليته، معرضا نفسه للمسائلة أمام رؤساءه في العمل، من خلال العصفورة بالقسم الذي ينقل كل كبيرة وصغيرة لمأمور القسم، ويطلب جاسر من المحامية صفاء وظيفة لرواية بمستشفي والدها الدكتور الشهير، وتستجيب له، لتحكى لها رواية ما حدث من الضابط جاسر، لينبض قلبها بإنسانيته، وتبدأ كلمات الإعجاب المتبادل بين جاسر وصفاء، خاضعين للقدر الذي ربط بين قلبيهما.

وننطلق من عنوان الرواية «واجب النفاذ» والتي تدور في إطار اجتماعي مغلفة بالصبغة البوليسية، التي استلزمتها الحبكة الدرامية للرواية، وعنوان الرواية يقودنا إلى حتمية إيجاد حلول لمعضلة اجتماعية تؤرق المواطنين ونقطة سوداء في ثوب المجتمع، ودلالة العنوان تشير إلى استنفاذ كافة درجات الحكم، ولا بد من المواجهة بكل السبل المتاحة، فمواجهة هذه الظاهرة التي تعالجها الرواية «واجبة التنفيذ» فورا.

أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2