فى إطار احتفالات مصر ب عيد الميلاد المجيد و إقامة القداس بليلة 7 يناير نتعرف على أقدم كاتدرائية فى مصر و إفريقيا عامة وهى " الكاتدرائية المرقصية بالإسكندرية" ويطلق عليها البطرخانة، الكنيسة المرقسية - دير المغارة، كنيسة بوكاليا وسيرة القديس مرقص واستشهاده وسرقة رفاته ودور عمرو بن العاص فى عودتها وسرقتها مرة أخرى ثم عودتها من إيطاليا ويؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن الكاتدرائية المرقصية بالإسكندرية" احتلت مع قديسها ومؤسسها "مارمرقس" مكانة عظيمة في التاريخ المسيحي بصفة عامة وفي مصر بصفة خاصة، فبعد أن أخذ تلاميذ السيد المسيح على عواتقهم نشر الدين الجديد، قام القديس مرقس بالتبشير في المدن الخمس الغربية بشمال إفريقيا ثم دخل الإسكندرية منتصف القرن الأول الميلادي ويعتبر هو مؤسس كرسى الإسكندرية الرسولى المعروف باسم الكنيسة القبطية؛ لذلك يُدعى البطريرك إلى اليوم باسم "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية" ولفت الدكتور ريحان بأن مصر التى بوركت بمناجاة نبى الله موسى بسيناء وقدوم العائلة المقدسة إليها من قبل بوركت بمجئ القديس ماري مرقس الرسول عام 61 ميلادية إلى الإسكندرية، عند حدود مصر حيث بشر أهلها بالمسيحية مؤسسًا كرسي الإسكندرية الرسولي المعروف باسم الكنيسة القبطية. وتقع الكاتدرائية المرقسية في محطة الرمل وسط الإسكندرية والتى تعد شاهدًا على تعذيب المسيحيين أيام الرومان حيث قتل المسيحيين علنًا في الشوارع وسالت دماؤهم في مذبحة تعد من أكبر مذابح التاريخ ففى حكم الإمبراطور الروماني إقليديانوس أشهر أباطرة الرومان الذين عذبوا المسيحيين حيث أصدر أوامره بقتل المسيحيين وأمر جنوده ألّا يتوقفوا عن القتل حتي يصل دم المسيحيين إلى الركب، وظل الجنود يقتلون المسيحيين حتى تعبوا، ثم حدث أن وقع حصان على الأرض فوصل الدم إلى ركبته، فأوقفوا القتل ومن هنا جاء التعبير الشهير "الدم حيبقى للركب" وقد جاء القديس ماري مرقس إلى الإسكندرية عام 61 م وكان من عائلة غنية من شمال أفريقيا نزحت إلى فلسطين وهناك تقابل وهو شاب مع السيد المسيح وأصبح واحدًا من السبعين رسولًا، الذين اختارهم المسيح للكرازة حيث سمع تعاليمه وهو كاتب الإنجيل المعروف باسمه. ويشير الدكتور ريحان من خلال دراسة أثرية للباحثة الآثارية أمنية صلاح باحث دكتوراه فى الفنون القبطية إلى قصة إنشاء أقدم كاتدرائية فى مصر و إفريقيا وهى " الكاتدرائية المرقصية بالإسكندرية" والتى بدأت مع دخول القديس مرقس الحي الشعبي في المدينة وكان حذاؤه قد تمزّق من السير فقصد إسكافيًا (صانع أحذية) وكان اسمه "إنيانوس" ليصلح اهتراء الحذاء، وبينما كان الإسكافي يفعل ذلك دخل المِخراز في يده فأدماها، فقال متألمًا: "ايوس ثيئوس" أي "يا الله الواحد" فانتهز القديس مرقس هذه الفرصة وراح يبشره بذلك الإله الواحد الذي هتف باسمه وهو لا يعرفه، فآمن الإسكافي بكلامه ودعاه إلى بيته الذي كان في سوق المدينة وجمع له أهله فآمنوا جميعا، وأصبحوا هم باكورة المؤمنين في مصر. ويتابع الدكتور ريحان بأنه من بعد هذا المشهد أصبح بيت "إنيانوس" هو مقصد القديس "مرقس" هو وكل من آمن معه.. وكانت أعداد المؤمنين في تزايد مضطرد.. غير أن تلك كانت مهمة شاقة على القديس مرقس.. أن يدخل الإسكندرية - عاصمة الثقافة العالمية - التي تعد مدينة كوزموبوليتانية تجتمع فيها مختلف الأعراق والجنسيات من إغريق ورومان ومصريين ويهود وأحباش وغيرهم؛ ليبشرهم بديانة جديدة تخالف ما آمنت به عقولهم من قبل، فهذا لم يكن سهلًا على الإطلاق، وهو ما دفعه ليجعل من بيت "إنيانوس" كنيسة صغيرة ليمارس فيها المؤمنون طقوسهم سرًا وليقوم هو فيها بشرح الدين الجديد والرد على هرطقات الوثنية، ويشاء الله أن يكون بيت رفيقه ومريده "إنيانوس" هو أول كنيسة في أفريقيا مثلما كان بيت أمه من قبل في القدس أول كنيسة في العالم. ويوضح الدكتور ريحان من خلال الدراسة أن القديس مرقس ترك بعدها الإسكندرية وأفل عائدًا إلى الخمس مدن الغربية سنتين ليبشر فيها مرة أخرى، ولكن بعد وفاة القديس بطرس والقديس بولس عاد القديس مرقس إلى الإسكندرية مرة أخرى ليجد أن عدد المؤمنين في تزايد كبير وأن عمل القديس "إنيانوس" الأسقف في الكرازة قد أتى أُكُله ومع تزايد المؤمنين امتلأ قلب الرومان والأهالي الوثنيين غيظًا من دعوة مرقس المختلفة عما ألفوه. وفى ليلة 29 برمودة عام 68م، كان المسيحيون يعيّدون بعيد القيامة، وتصادف فى نفس الليلة أن كان الاحتفال بعيد الإله سيرابيس على أكروبول الإسكندرية (السيرابيوم)، فاتخذها الوثنيون ذريعة وقاموا بالتهجم على الكنيسة وسحل القديس مرقس فى شوارع الإسكندرية حتى استشهد، وبهذا يكون خليفته القديس "إنيانوس" هو أول من حمل لقب "بابا"، وقد عاصر الإمبراطور نيرون واستمر مسئولًا عن الشعب المسيحي كبطريرك لمدة 18 عام أما مارمرقس والذي لُقب بلقب ظل يُطلق عليه على مدى التاريخ "كاروز الديار المصرية ورئيس بطاركة كرسي الإسكندرية العظمى" فبعد استشهاده وُضِع جسده في الكنيسة، وظل جسده ورأسه معًا فى تابوت واحد حتى سُرق كل منهما وتروى الباحثة أمنية صلاح أن السرقة الأولى حدثت عام 644م بعد فتح مصر أن وجد الوالي عمرو بن العاص في إحدى السفن العربية صندوقًا مرصعًا، فتقصّى عن قصة وجوده في هذا المركب فعرف من البحار أنه سرق من الكنيسة فأمر عمرو بحضور بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية الـ38 آنذاك ليتسلم صندوق رأس القديس، ثم وهب للبابا مبلغ 10 آلاف دينار لترميم كنيسة القديس مارمرقس الكبرى بالإسكندرية. وتضيف أمنية صلاح أن السرقة الثانية كانت عام 828 م عندما قام أحد التجار من البندقية "فينيسيا بإيطاليا حاليًا" بسرقة جسد القديس وتم تهريبه ليلًا، ومن ثم قام الإمبراطور جستنيان ببناء كنيسة من أفخم كنائس العالم هي كنيسة مارمرقس بفينيسيا، وظل جسد القديس مرقس راقدًا في كاتدرائيته العظمى منذ عام 828 م، حتى طلب البابا كيرلس السادس بطريرك الأقباط الأرثوذكس مؤخرًا عام 1968م من بابا روما إعادة الرفات إلى موطنه الأصلي في مصر وكان ذلك بمناسبة الاحتفال بتأسيس الكاتدرائية المرقسية الكبرى بأرض الأنبا رويس بالعباسية، وبالفعل في يوم 24 يونيو سنة 1968 عاد الوفد الذي أوفده البابا كيرلس السادس لإعادة الجثمان إلى مصر وهم يحملون الرفات المقدس. وكانت في هذه الأثناء أجراس الكنائس تُدق في القاهرة كلها ابتهاجًا بهذه المناسبة، وفى يوم الأربعاء الموافق 26 يونية تمت إقامة أول قداس فى الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس وبعدها تم إيداع الجسد أسفل المذبح ومازال محفوظًا هناك حتى الآن. لتكون كاتدرائية العباسية النسخة الثانية من الكاتدرائية المرقسية الأصلية في الإسكندرية، التي انتشر منها الإيمان المسيحى إلى باقى الدول الإفريقية، والتي ما زالت تحتفظ بمكانتها الكبيرة في تاريخ الكنيسة العالمي والتي استمرت بصفتها مقرًا لبطريرك الكنيسة لمدة ألف عام قبل أن ينتقل إلى أرض الأنبا رويس.