ينصح طبيب القلب الروسي "ليو بوكيرا" إنسان هذا العصر، الذي يرغب فى العيش مائة عام، أن ينظر إلى العالم بصورة وديعة طبقا لوصفه، بمعنى ألا يشعر بريبة وتخوف تجاه العالم وإلى من حوله، وتتضمن وصفته التعامل مع مجريات الأمور بطيب خاطر، وأن ينأى بنفسه عما لا يراعى مشاعره، ولا يحترم حقوقه، خلافا عن نصائحه حول اتباع نظام غذائي صحي، ويبدو أن الطبيب الروسي يتجمل فى عرض وصفته، فهي تعكس نصيحة شخص يغفل معاناة إنسان الشرق الأوسط الغارق فى النزاعات والحروب، والتي كلما تهدأ سرعان ما تشتعل، ويساورني الشك فى أنه يجهل الأزمة الإنسانية الدامية للاجئين والنازحين على مستوى العالم.
وأجزم أن طبيب القلب الروسي لم يشعر بقسوة حياة فقراء العالم الثالث، وخاصة ساكنى بعض الدول الإفريقية مثل الصومال وإريتريا، ويتعرضون للموت لإصابتهم بأمراض ناتجة عن سوء التغذية، وذلك طبقا لتقارير هيئة الأمم المتحدة، ولكنني أتفق فى نفس الوقت مع وصفته فى وجوب نظرة الإنسان إلى العالم بنظرة تملؤها التفاؤل، ولكنها للأسف تتطابق مع مقاس الإنسان البعيد عن مناطق النزاع والمجاعات.
وزارة مصطفى محمود:
مرت مائة عام على ميلاد المفكر الطبيب الدكتور مصطفى محمود، وكان مولده فى 27 ديسمبر 1921، وتابعــــه المصريون على مختلف طبقاتهــــــم ودرجاتهـــــــم الثقافية وفئاتهم العمرية، وكنت واحدا من متابعيـــه بشغف وعمــــري وقتها لا يتجاوز الخمسة عشر عاما، وكان هذا حال كثير من جيلي، وكنا ننتظره مع بقية المصريين كل يوم إثنين لسماع صوته الرخيم، ومشاهدة تنقله بين تشريحه لمفردات الطبيعة وبين منظوره الإيماني الصوفى لها.
ومن غرائب الرحالة الروحاني فى أغوار العلوم أنه امتهن العزف على الناي خلف الراقصة فتحية سوست، وعزف خلفها فى الأفراح الشعبية دون أي مقابل، واشتهر بـ "المشرحجي" لبقائه فترة طويلة فى مشرحة كلية الطب، وتخلى عن الانتساب إلى نقابة الأطباء حتى يظل عضوا فى نقابة الصحفيين، وذلك بناء على قرار عبد الناصر بمنع الجمع بين وظيفتين، وأحاله عبد الناصر إلى المحكمة بعد نشره كتابه "الله والإنسان"، واعتبرته المحكمة قضية كفر، وصادرت الكتاب.
وما لا يعرفه الكثير عن الدكتور مصطفى محمود أن الرئيس السادات عرض عليه تشكيل الوزارة، وأعرب عن رفضه بقوله إنه فشل فى إدارة أصغر مؤسسة وهى الأسرة وطلقت زوجتى.. فكيف أنجح فى إدارة وزالة كاملة، رحم الله العالم العاشق لدينه ووطنه.