القانون.. والإنسانية

القانون.. والإنسانيةسعيد عبده

الرأى11-2-2022 | 16:49

فى الفترة الأخيرة سادت مناقشات كثيرة حول قرار المحكمة الدستورية الخاص بعدم امتداد الأماكن المؤجرة للهيئات الاعتبارية مع سريان العقود الخاصة مع الأفراد أو الجهات الخاصة «مكاتب».

وهو جزء من الحلول التى تقدم لتصحيح مسار العلاقة بين المالك والمستأجر.. واختلف البعض فى ذلك بين مُؤيد ومُعارض.. حيث نص فى المشروع الجديد المعروض على الحكومة أن يكون هناك فترة انتقالية لمدة خمس سنوات يتم فيها أولاً زيادة قيمة العقد خمسة أضعاف، ثم يكون هناك زيادة سنوية تقدر بـ 15% ثم تحرر العلاقة بعد ذلك وفقًا للعرض والطلب حسب السوق.

والحقيقة أن هذا المشروع يتأثر به - فى حال موافقة الحكومة - جهات كثيرة يصعب حصرها ومنها المدارس.. المجمعات الاستهلاكية.. صيدليات تابعة لشركات الأدوية الحكومية.. مكاتب الشهر العقارى.. ومديريات التربية والتعليم والشئون الصحية وغيرها.

إضافة إلى منافذ مهمة منها مكتبات تابعة للهيئة العامة للكتاب وغيرها من الجهات الحكومية ومكتبات تابعة للمؤسسات الصحفية ومكاتب توزيع وإعلانات ومكاتب للمحررين بالقاهرة والمحافظات.

وأعتقد أن كل نشاط مما سبق يقدم خدمات للمواطن سواء خدميا أو سلعيا أو ثقافيا أو تعليميا وأن رفع القيمة الإيجارية خمس مرات دفعة واحدة وإن كان قاسيًا.. يكفى ولا يوجد مبرر لرفع الإيجار سنويًا 15%.

هل تغلق كل هذه الخدمات.. بعد أن أصبح وجود المجمعات الاستهلاكية ضرورة للتوازن فى الأسواق وأداة للدولة لتوصيل السلع للمواطن بأسعار معقولة غير مبالغ فيها والحد من الاتجار فى حاجات المواطن الأساسية؟

هل وجود صيدليات أو شركات أدوية حكومية لا يجوز ومستحق للقطاع الخاص الذى يقدم نفس الخدمة مع التحرر فى السعر والخدمة وتكلفتها.. نحن مع القطاع الخاص.. ولكن أيضًا لابد من المساواة بين جميع المستأجرين حيث إن تطبيق هذا القانون سيخرج الكثيرين من مؤدى هذه الخدمات من الأسواق.. وهذا ليس فى مصلحة المواطن، لست مع الصمت.. لكن من العدل أيضًا المساواة فى الحقوق والواجبات، مع النظر فى مقدم الخدمة الأساسية للمواطن التى تساهم فى ضبط الأسواق وأيضًا الخدمات الثقافية بشكل خاص ومهم فى ظروف يحتاج كل مقدم للثقافة دعمه سواء خاصًا أو عامًا.

من يستطيع دفع إيجار مكتبة يقترب قيمته شهريًا من ستين ألف جنيه؟! هل الكتاب سيربح؟! نحن فى أمس الحاجة إلى مزيد من المكتبات.

هل يعلم مُصدر الاقتراح أن بمصر 400 مكتبة فقط وأن مصر تحتاج على الأقل إلى ثلاثة آلاف مكتبة.. وليس هناك بدائل سوى «فرشات» كتب والعشوائيات فى التعامل مع الثقافة.. ومازلنا فى المدن الجديدة لا يوجد حصة أو تعامل أن يكون للثقافة مكان مكتبات لدور النشر المصرية.

أيضًا تطرح مزادات لمحلات تنشأ فى بعض المحافظات من مجالس المدن.. هل من الممكن أن يكون هناك تشريع لوجود مكتبات بسعر مناسب حيث تصل المزادات إلى 20 ألف جنيه للمتر.. ويصل سعر الإيجار شهريًا إلى أربعين وخمسين ألف جنيه.

كيف تصل الثقافة للمواطن؟.. نحتاج إلى رؤية يكون فيها للثقافة مكان.. وهذا لا يقلل من أهمية الأنشطة الأخرى السابق ذكرها وعلى مجلس النواب أن يراجع الآثار المترتبة على هذا المشروع ويراعى فيها الأجهزة التابعة للدولة تقديرًا لدورها المهم أو الحيوى فى خدمة المواطن.

الإنسانية

المشاعر الإنسانية تسمو فوق كل شىء وهذا ما أكدته حادثة سقوط الطفل المغربى فى بئر عمقها أكثر من 32 مترًا وظل حبيسًا حوالى خمسة أيام مع متابعة من أكثر من 18 دولة عربية وأيضًا كثير من المواطنين على مستوى العالم على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية، فهى حالة إنسانية.. كيف تابع العالم هذا الحادث على مدار هذه الأيام؟ وكيف جندت المملكة المغربية كل طاقاتها لمحاولة إخراج الطفل حيًا.. لكن بعد كل الجهود التى بذلت فارق الطفل الحياة.

كان العالم يتابع الأخبار ليعرف كيف يعيش الطفل وكيف تصل إليه الخدمات من مأكل أو تنفس وهل السقوط له أثر على جسمه أم لا.. والكثير من الأسئلة التى حاولت العديد من القنوات الرد عليها أو الإجابة عنها، وشعور أهله وذويه خاصة والديه.. وكيف أنهم يعيشون فى قرية بسيطة فى منطقة بعيدة عن العمران.. كل الجهود الإنسانية والطبية لم تقدر أن تسعف الطفل.. هنا أركز على الإنسان كيف تكون المشاعر والآلام والمعايشة والتأثر لألم طفل أو وفاته.

هذه الحادثة تؤكد أنه رغم كل شىء تنتصر المشاعر الإنسانية على الاختلاف.. على الحروب.. على التسلح أو الخلاف.. كلمة إنسان لها معنى كبير ويستحق التفكير والرجوع إلى مشاعر الإنسانية التى توحد ولا تفرق، وتبنى ولا تهدم.

هذه رسالة للعالم أجمع أنه مازال لدينا مشاعر تجمعنا، تؤثر فينا ونتأثر بها قادرة على صنع المعجزات ونبذ الحروب التى تجتاح الكثير من مناطق العالم التى تعج بالصراعات من أجل أشياء لا تستحق كل هذا الدمار الذى يحيق بنا.

نحتاج إلى مراجعة النفس للانتصار على المشاعر العدوانية والانتصار للإنسانية.. لم تنته هذه القصة أو المأساة حتى جدّت حادثة أخرى وهى خطف طفل سورى من أجل سداد فدية تقدر بمائة وخمسين ألف دولار.. مقابل رجوع الطفل إلى أهله مع تعذيبه لحث الأسرة على سرعة سداد الفدية.

وأعتقد أن الجواب واضح، هذا حصاد الحروب وعدم الاستقرار فى دول كثيرة حولنا بالمنطقة، تدفع ثمنها الشعوب من تهجير آلاف الأسر، بل تصل الآن إلى الملايين وقتل الآلاف وتشريد سكان مدن بكاملها.

كل ذلك يتم والإنسان يدفع ثمن كل ذلك من دمار شامل لمدن وحروب مستعرة وسلاح. يدفع ثمنه من أجل القتل والتخريب من المستفيدين من منتجى السلاح فى العالم.

والكل خاسر فى النهاية لا يوجد فى الحرب مكسب، ومن الممكن أن نحقق بالسلام ما يصعب تحقيقه بالحروب..

ولنا فى التاريخ عبرة.. وأعتبر أن رسائل هؤلاء الصبية للعالم من الطفل المغربى إلى الطفل السورى هى نموذج للعودة إلى الإنسانية يحث الجميع على العودة إلى العقل من أجل مستقبل أفضل وتوجه طاقتنا إلى السلام والبناء ومحاربة الأوبئة لينعم العالم بالهدوء والرخاء.

قد يكون حلمًا.. لكن الصحوة الإنسانية تقول إنه ممكن وليس مستحيلاً.. دعونا نحلم بغدٍ أفضل.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2