نص كلمة وزير الأوقاف في مؤتمر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية «عقد المواطنة»

نص كلمة وزير الأوقاف في مؤتمر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية «عقد المواطنة»وزير الأوقاف

الدين والحياة12-2-2022 | 12:06

أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، المستمر للفكر الوسطي المستنير، وحسن قراءة الواقع وفهم مستجداته في ضوء الحفاظ على الشرع الشريف.
وقال وزير الأوقاف خلال كلمته نائبًا عن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي في المؤتمر الدولي الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، المنعقد الآن، بأحد فنادق القاهرة، تحت عنوان: « عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي»، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي:" موضوع المؤتمر المعنون ب عقد المواطنة تجديدي بامتياز يهدف إلى ترسيخ أسس المواطنة على المستوى الوطني وتأسيس العيش المشترك على المستوى الوطني والعالمي، وتعزيز الولاء للوطن من منطلق أن ذلك من صميم الأديان، وأن الوطن لكل أبنائه وهم متساوون في الحقوق والواجبات دون النظر إلى جنس أو دين أو لون، وحقه في إقامة شعائر دينه، ورعاية مصالح المرأة والمستضعفين وكبار السن، وإعطائهم حقوقهم في ضوء ما يقومون به من واجبات.
وفيما يلي ننشر ، نص كلمة وزير الأوقاف في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثاني والثلاثين بعنوان: عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
وبعــد :
فإن موضوع هذا المؤتمر وهو " عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" موضوع تجديدي بامتياز، حيث يهدف إلى ترسيخ أسس المواطنة على المستوى الوطني، وإلى الإسهام في صنع السلام وترسيخ مفاهيم العيش الإنساني المشترك على المستويين الوطني والدولي ، كما يهدف إلى ترسيخ وتعميق أسس الولاء والانتماء الوطني من منطلق أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وأن الوطن لكل أبنائه، وهو بهم جميعًا ، وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن اختلاف الدين أو اللون أو الجنس، مما يتطلب ترسيخ أسس التسامح الديني وقبول الآخر على حريته في اختيار معتقده وحقه في إقامة شعائر دينه، وبما يضمن - أيضًا - إنصاف المرأة، والعناية بالضعفاء والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال برامج الحماية الاجتماعية وتمكين كل أبناء المجتمع وإعطاء كل منهم حقه في ضوء وفائه بواجبه تجاه وطنه ، وهو ما تعتمده الدولة المصرية في ظل القيادة الحكيمة لسيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية كاستراتيجية ثابتة في بناء الجمهورية الجديدة التي تعتمد مبدأ المواطنة المتكافئة كأحد أهم ثوابتها الوطنية ، مع تأكيدنا أن الوطن ليس مجرد أرض نسكن فيها ، إنما هو كيان عظيم يتملكنا ويسكن فينا .
وقد قدمت بحوث هذا المؤتمر دراسات علمية متميزة حول تطور مفهوم الدولة قديمًا وحديثًا، لبيان أن مفهوم الدولة ليس مفهومًا جامدًا، بل هو مفهوم شديد المرونة والسعة ، حيث لم يضع الإسلام قالبًا جامدًا لنظام الإدارة والحكم ، إنما فتح باب الاجتهاد في مجال الإدارة والسياسة الشرعية واسعًا، في ضوء ما يحقق مصالح البلاد والعباد، ويراعي فقه الواقع ومتغيرات الزمان والمكان والأحوال مع الحفاظ على ثوابت الشرع الحنيف ومقاصده الكلية العامة .
وركز عنوان المؤتمر على قضية السلام وجعلها غاية على المستويين المجتمعي والعالمي، فتحقيق السلام مطلب شرعي ووطني وغاية إنسانية يسعى إليها كل إنسان نبيل ، وهو أصل راسخ في شريعتنا الغراء .
وألفاظ : "السلم، والسلام ، والسلامة ، والإسلام" كلها تنبع من جذر لغوي واحد "سلم" ، وأهم ما يميز هذا الجذر اللغوي هو السلم والمسالمة ، وفي هذا السياق يأتي حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ"، وهو ما يعني انتفاء وقوع أي أذى منه لأى إنسان على ظهر البسيطة ، ذلك لأن الأذى إما أن يكون قولًا وإما أن يكون فعلًا ، واللسان رمز للقول واليد رمز للفعل كتابة أو رسمًا أو ضربًا أو نحو ذلك ، وإذا انتفى وقوع الأذى قولًا أو فعلًا انتفى وقوعه مطلقًا ، وهكذا يكون المسلم مفتاحًا لكل خير مغلاقًا لكل أذى أو شر ، فديننا دين السلام ، وربنا (عز وجل) هو السلام ، ومنه السلام ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) هو نبي السلام ، وتحيتنا في الإسلام السلام ، والجنة هي دار السلام ، وتحية أهل الجنة في الجنة سلام، وتحية الملائكة لهم فيها سلام .
على أن السلام الذي نسعى إليه هو سلام الشجعان القائم على الحق والعدل والإنصاف ، السلام الذي له درع وسيف وقوة تحميه ، قوة رشيدة تحمي ولا تبغي ، فالضعيف لا يملك سلامًا ولا يحمله ، ولا يمكن أن يصنعه ، إنما يصنعه الأقوياء الشجعان ، فشجاعة السلام لا تقل عن شجاعة الحرب والمواجهة ، فكلاهما إرادة وقرار .
ونؤكد أن السلام لا يعني مجرد عدم الحرب ، إنما يعني عدم أذى الإنسان لأخيه الإنسان ، و هو البديل الحقيقي للحرب ولظلم الإنسان لأخيه الإنسان سواء أكان ظلمًا مباشرًا أم غير مباشر ، بقصد أو بدون قصد ، فالسلام لا يعني فقط عدم المواجهة في الحروب التقليدية ، والسلام الإنساني الذي ننشده أوسع من ذلك بكثير ، فاحتكار بعض الدول للدواء مثلًا في أزمة كورونا أو للغذاء ظلم فادح لمن يحتاج إليه ، وعدم احترام بعض الدول لاتفاقيات المناخ غير عابئة بتأثيرات التغيرات المناخية على الدول المعرضة لمخاطر هذه التغيرات ظلم فادح من الإنسان لأخيه الإنسان ولأبناء هذه الدول ، فإذا أردنا سلامًا عالميًّا حتميًّا وعادلًا ومنصفًا ، فلا بد من أن يحرص كل منا على عدم أذى الآخر بأي نوع من أنواع الأذى المادي أو المعنوي ، أو أن يحاول النيل من معتقداته وثوابته الدينية أو الوطنية ، وأن يحترم كلٌّ منا خصوصية الآخر الدينية والثقافية والاجتماعية وعاداته وتقاليده ، وأن تكف كل دولة عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى ، أو محاولة إفشالها أو إضعافها أو إسقاطها ، من منطلق أن نعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، دون تكبر أو استعلاء .
ومن هنا من على ضفاف نيل أرض الكنانة نعلن للعالم كله أننا قد اجتمعنا متضامنين لنرسل رسالة سلام لكل محبي السلام في العالم ، ونقول لكل عقلاء العالم: تعالوا لنطفئ نار العداوة والبغضاء، ونتعاون في حل مشكلاتنا المشتركة، ونعالج معًا تداعيات انتشار فيروس كورونا والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، ونجعل من مبادرات السلام الحقيقية بديلًا لظلم الإنسان لأخيه الإنسان بقصد أو بغير قصد، تعالوا معًا إلى كلمة سواء لننبذ كل مؤججات الحرب والاقتتال ونُحل محلها أُطر التعاون والتفاهم والتكامل والسلام.

أضف تعليق