يوافق يوم 16 فبراير ذكرى دخول العالم البريطانى هوارد كارتر لمقبرة الملك الذهبى توت عنخ آمون من عام 1923 المقبرة الملكية الوحيدة بوادى الملوك التى تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبيًا.
وفى ضور ذلك يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان الكثير من الملابسات التى ارتبطت بالاكتشاف عن حقيقة اكتشاف الطفل حسن عبد الرسول للمقبرة و لعنة الفراعنة ومن يكون هيوارد كاتر مكتشف المقبرة أم لص آثار.
ويوضح أن المعروف إعلاميًا أن العالم البريطانى هوارد كارتر عثر علي المقبرة فى 4 نوفمبر من عام 1922م، عند قيامه بحفائر علمية عند مدخل النفق المؤدى إلى قبر الملك رمسيس الرابع في وادي الملوك، فلاحظ وجود قبو كبير واستمر بالتنقيب الدقيق إلى أن دخل إلى الغرفة التي تضم ضريح توت عنخ أمون، وكانت على جدران الغرفة التي تحوي الضريح رسوم رائعة تحكى على شكل صور قصة رحيل توت عنخ أمون إلى عالم الأموات.
ويضيف الدكتور ريحان من خلال ما أعلنه عالم المصريات وزير الآثار الأسبق الدكتور زاهى حواس أن كارتر جاء إلى وادى الملوك وهو يحلم بالكشف وكان كارتر يجلس أغلب ساعات النهار داخل خيمة وقد كلف شابًا صغيرًا لا يزيد عمره على 12 عامًا اسمه حسين عبد الرسول وهو من عائلة معروفة في ذلك الوقت لأنها قامت بالكشف عن خبيئة المومياوات عام 1881.
وكان حسين يحضر المياه داخل الأواني الفخارية الضخمة التي يطلق عليها في الريف اسم (زير). وكان العمال يساعدونه في تنزيل الأواني من على ظهر الحمار ويحفرون حفرة في الأرض لكي تستقر هذه الأواني لكي يشرب العمال منها يوميًا، وأثناء الحفر عثر حسين على مدخل المقبرة، وجرى تجاه الخيمة لكي يخبر كارتر عن الكشف، وجاء مسرعًا إلى مكان الحفر ليعلن أن هذا قد يكون مدخل المقبرة وبعد ذلك قام كارتر بالحفر حتى وجد الدليل الذي يثبت أن هذا هو مدخل المقبرة التي ظل يبحث عنها أربع سنوات وكان ذلك اليوم هو 4 نوفمبر وعندما قام كارتر بحفر حجرة الدفن قام بوضع عقد من المقبرة على صدر حسين ثم طلب من مصور البعثة أن يقوم بتصويره وأعطى لحسين الصورة.
ويتابع خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن بعض الكتاب استغلوا هذا الاكتشاف وبدأوا للترويج لما يسمى ب لعنة الفراعنة وهى مجرد وهم وليس لها أي أساس علمي حيث أن الخطأ فى فتح المقبرة دون تنقيتها هي السبب في حدوث الوفيات وليست لعنة فراعنة كما صورها خيال الكتاب وقد موّل هذا الاكتشاف اللورد كارنارفون وكان أول شخص يدخل المقبرة وتوفى بعد ذلك بمدة قصيرة متأثرًا بلدغة بعوضة وربطت الصحف آنذاك بين الاكتشاف وموت كارنارفون وبدأت مقولة لعنة الفراعنة وأمام الوسائل التكنولوجية الحديثة وخبرة الآثارى المصرى عبر هذه السنين لم تتكرر هذه الحوادث.
وقد فسّر العلماء ما يسمى ب لعنة الفراعنة بأن الأشخاص الذين يعملون في كشف المقابر المصرية القديمة يتعرضون لجرعة مكثفة من غاز الرادون وهو أحد الغازات المشعة والرادون هو عنصر غازى مشع موجود في الطبيعة وهو غاز عديم اللون، شديد السمية، وإذا تكثف فإنه يتحول إلى سائل شفاف ثم إلى مادة صلبة معتمة ومتلألئة وهو ناتج عن تحلل عنصر اليوارنيوم المشع الذى يوجد أيضًا في الأرض بصورة طبيعية ومازالت الأمور تخضع لدراسات مستفيضة.
وينوه الدكتور ريحان من خلال دراسة للباحثة ميرنا محمد المرشدة السياحية إلى حقيقة هوارد كارتر أشهر مكتشف فى التاريخ حيث لم يعثر مطلقًا على كنز من تلك الحقبة من تاريخ البشرية يضاهي كنز توت عنخ آمون حيث يضم كنز توت عنخ آمون 27 كفًا و427 سهمًا و12 كرسيًا صغيًرا و69 صندوقًا و34 عصا معقوفة وقد جمع هوارد كارتر نحو خمسة آلاف قطعة من غرف الدفن الأربع بما فيها قطع أثاث وجرارعطور وكشاشات ذباب وريش نعام فقد كان القبر برمته حلمًا تلوّن باليشب واللازورد والفيروز.
وكان هوارد كارتر ابن رسام اشتهر بصوره التي رسمها للحيوانات ووصل إلى مصر في عام 1891 وبرهن عن مهارة كبيرة في العثور على غرف الدفن المخبأة وقبل تحقيقه أعظم اكتشافاته عثر على ثلاثة مقابر ملكية أخرى كانت كلها فارغة وكانت له علاقات بأصحاب النفوذ إذ عمل إلى جانب الثري الأميركي وعالم الآثار الهاوي ثيودور ديفيس.
وفي عام 1907بدأ كارتر سعيه وراء قبر الملك الشاب وهو الاكتشاف الذى ساهم في إعلاء شأن مكتشفه إذ نال كارتر دكتوراه شرفية ودعاه الرئيس الأميركي كالفن كوليدج إلى شرب الشاي معه حتى أن هورست بينليخ عالم متخصص في التاريخ المصري في جامعة Würzburg وصفه بـ "الرجل النزيه الذي لا يُساوم على مثله العليا".
ويشير الدكتور ريحان إلى أن هذا الوصف ليس صحيحًا بالكامل حيث تُظهر الوثائق أن هذا المكتشف تلاعب بالصور الفوتوغرافية وزور الوثائق بشأن اكتشافه وخدع دائرة الآثار المصرية إضافة إلى أنه أراد إرسال أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية إلى إنجلترا والولايات المتحدة
لكن خطته سرعان ما اصطدمت بمقاومة قوية من دائرة الآثار التى كانت تابعة لرجل فرنسي عنيد وفي النهاية باءت خطة كارتر بالفشل وبقي كنز الملك الذهبي في القاهرة، وهذا ما قيل رسميًا على الأقل لكن فريق كارتر أخذ سرًا عددًا من القطع مع أنهم لم يكونوا مخولين بذلك فقد تبيّن أن بعض المعروضات في عدد من المتاحف العالمية ضمن مقتنيات كنز الملك توت عنخ آمون وأحد الأمثلة الأحدث تمثال أوشابتي (خادم الموتى) صغير مصنوع من الخزف الأبيض في متحف اللوفر عندما زار كريستيان لوبن عالم متخصص في التاريخ المصري هذا المتحف الفرنسي لم يستطع أن يصدّق عينيه حيث كان اسم توت عنخ آمون مكتوبًا على التمثال ومن المؤكد أنه كان جزْءًا من الكنز الذي عُثر عليه داخل المقبرة.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن القطع المهرّبة شملت أيضًا قطعة لها شكل رأسي صقرين ذهبيين ظهرت في مدينة كنساس وبعد فحص هذه القطعة تبيّن أنها جزء من طوق وُضع مباشرة على جلد المومياء التي كانت مغطاة بعشرين لترًا من زيت التحنيط انفرط الطوق عندما انتُزع فجمع كارتر أجزاءها ليقدّمها هدية إلى طبيب أسنانه.
كذلك ظهرت قطع في ألمانيا فقد أقر مدير متحف في ولاية ساكسونيا أنه يملك عددًا من الخرزات الزرقاء ويشهد مدير المتحف أن كارتر وضعها في جيبه أثناء تفريغ المقبرة من محتوياتها ثم أعطاها لأحد مساعديه وعثر على هذه الخرزات المشكوك في أمرها في أحد المزادات
ومن جانبها تؤكد الباحثة ميرنا محمد أن طريقة التعاطي هذه مع ممتلكات أجنبية عززت شكًا أثاره في سبعينات القرن الماضي توماس هوفينغ مدير سابق لمتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك فباعتماده على ملاحظات سرية وثّق هوفينغ حالات تخلى فيها كارتر وشريكه اللورد كارنارفون الإنكليزي عن نزاهتهما مثلًا قدّما مشبكًا يظهر عليه الملك الصغير وهو يركب عربته هدية لملك مصر فؤاد الأول كذلك تلقى عملاق النفط الأميركي إدوارد هاركنس خاتمًا من الذهب.
وتضيف الباحثة ميرنا محمد أنه لم يُفتضح أمر كارتر سوى مرة واحدة حين نقله خلسة تمثالًا نصفيًا ملونًا صغيرًا للملك الشاب إلى غرفة جانبية دون تسجيله ضمن الآثار لكن المحققين اكتشفوا التمثال في عربة للنبيذ، وقد فرضت مصلحة الآثار حراسة على المقبرة وقت اكتشافها ثم تصاعد النزاع بمنع كارتر من الدخول إلى موقع المقبرة حتى إنه بعث برسالة إلى وزير الأشغال المصرى مرقص حنا فى 17 فبراير 1924 محذرًا من خطورة غيابه عن موقع المقبرة ولكن الوزير رد موضحًا أن قرار منعه جاء بعد إغلاقه المقبرة و إضرابه ومعاونيه عن العمل، وقد نجح عالم الآثار في التنصّل من هذا الوضع الحرج ولم تخرج هذه الفضيحة إلى العلن.
ورغم ذلك فإن حيل كارتر نجحت، فقد اختفى عددًا من القطع الصغيرة من مقتنيات الملك فمَن سرقها ومتى؟ وما هى هذه القطع؟ وأين انتهى بها المطاف؟ لا تزال هذه الأسئلة أحد الألغاز المحيرة حتى الآن.