«حامل اللقب».. فبركة تنتهي بعد نصف ساعة

«حامل اللقب».. فبركة تنتهي بعد نصف ساعةمحمود عبد الشكور

الرأى21-2-2022 | 08:58

لدي إعجاب خاص بمحاولات الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو فى البحث عن أفكار غير تقليدية للفيلم الكوميدي المصري، سواء وهم يعملون معا، أو عندما انفصل أحمد فهمي عن ماجد وشيكو، أو عندما قدم هشام ماجد وشيكو تجارب مشتركة، أو عندما قام هشام ماجد بمفرده ببطولة فيلمه الجديد "حامل اللقب"، عن فكرة لـ كيرلس أيمن فوزي، ومن سيناريو ماجد وايهاب بليبل، ومن إخراج هشام فتحي. ولكننا نعرف أن المسألة ليست مجرد طموح، أو مجرد فكرة "روشة مطرقعة" فقط، وإلا كان من السهل على أي أحد أن يصنع فيلما كوميديا، ولكن معظم الجهد يجب أن يكون حول تطوير الفكرة، وعمل معالجة مختلفة، وبسبب تذبذب مستوى المعالجات، تتباين مستويات الأفلام صعودا وهبوطا .

من هذه الزاوية فإن "حامل اللقب" بفكرته اللامعة والعجيبة، يفقد قوته تماما بعد نصف ساعة من بدايته، وكأنه لا يحتاج إلا هذه الفترة الزمنية القصيرة، بعدها ندور ونلف فى تطوير ساذج للمعالجة، فلا هي فانتازيا، ولا هي كاركاتير عبثي على طريقة أفلام رأفت الميهي، وإنما هي "أي كلام"، مع بعض الإفيهات والمواقف التي تعتصر الفكرة تماما، ولكن دون أن تنجح فى أن تصنع منها شيئا مختلفا.
فى تجربة سابقة لماجد مع شيكو فى فيلمهما "قلب أمه"، كانت التحية للأم ودورها من خلال فكرة فانتازية تماما، بنقل قلب أم إلى زعيم عصابة شرس، أما فى "حامل اللقب" فالتحية للمرأة الحامل، من خلال خوض رجل تجربة الحمل، هذه هي الفكرة العجيبة التي يمكن أن تصنع فيلما جيدا ومتماسكا، وهي بالمناسبة ليست جديدة، فالفيلم الشهير «الآنسة حنفي» مثلا، يلعب أيضا على هذا الأمر، ولكن فى سياق تحول رجل إلى امرأة، وبنظرة أعمق بكثير لعلاقة الرجل بالمرأة فى مجتمعاتنا المحافظة، وكان هذا الفيلم مستلهما من قصة حقيقية، أخذت شكلا كاريكاتوريا.
ولكن "حامل اللقب" يصطنع قصته أو يفبركها بشكل مزعج، بأن يجعل الكابتن يحيى (هشام ماجد)، يرفض الإنجاب من زوجته مسك (دينا الشربيني)، دون أي سبب مقنع، فمن حق الزوجة، وهي طبيبة أمراض نساء وتوليد، أن تكون أما، والكابتن يحيى له مكانة وسطوة فى فريقه، وعرض عليه الاحتراف فى نادي سعودي لتحسين دخله، ولكنه يرفض مع ذلك فكرة الإنجاب، بل ويتنمر على صحفية حامل فى مؤتمر صحفي، فيثير ضجة كبيرة فى وسائل التواصل الاجتماعي، وتضربه عدة سيدات فى سوبر ماركت، ومن هنا يبدأ تخريفة طويلة تفترض أنه قد أصبح حاملا، وأنه هو الذي ينتظر جنينا وليس زوجته.


سيقوم تطوير الفكرة، على رفض يحيى أن يصبح حاملا، أولا لأنه رجل، وثانيا لأنه لاعب كرة مرتبط بمباريات، وثالثا لأنه ضد إنجاب أطفال من زوجته، فكيف ينجب هو طفلا ؟


هنا يعاني فيلمنا من فوضى حقيقية فى تحديد طريقة معالجته، فإذا كانت المعالجة سيريالية مثلا، فإن كل شىء، وكل التفاصيل يجب أن تكون كذلك، من المواقف والأحداث، إلى الملابس والديكورات، ولكننا نرى مزيجا مضطربا من واقع وخيال، فبينما يركز الفيلم على طريقة التخلص من جنين يحيــى، بذهــــاب الكابتن مع مدير أعماله سمير (محمد سلام)، إلى طبيب إجهاض (محمد ثروت)، وهو موقف يمكن أن تفكرة فيه أي امرأة تريد التخلص من حملها، فإن الفيلم يتغاضى عن المشكلة الأهم التي يقوم عليها الفيلم كله وهي: كيف حدث حمل يحيى أصلا ومن أى شخص؟، إنها فكرة سيريالية بامتياز فى فيلم ليس سيرياليا، ولذلك سيحاول الكابتن أن يكيف حمله وفق الواقع نفسه، وهنا موضع التناقض فى المعالجة، إذ لو كانت الفيلم سيرياليا، لما استدعى حمل رجل دهشة أحد، بمن فيهم يحيى نفسه.


ولأن الفكرة لا تحتمل سوى بعض المواقف الطريفة، فإنه يجب تطويرها من جديد، ليقع الفيلم فى تناقض جديد، لأن الكابتن الرافض للإنجاب من الأساس، بمنطق واقع الشخصية، سيقبل فكرة الاحتفاظ بالطفل فى تخريفته (!!) بل إن زوجته مسك، التي أدركت أن حملها كاذب، ستشجعه على الاحتفاظ بالطفل، لأنها تريد طفلا والسلام، وسيلعب يحيي مباراة وهو حامل أيضا، أي أن كل ما كان يخاف منه سيسير بشكل طبيعي تماما، وكلها تفاصيل تقدم مزيجا مفبركا لا هو واقع
ولا فانتازيا ولا خيال، وإنما مجرد استهلاك للفكرة، بأن يكون الإضحاك هو الهدف، وكم كان مؤسفا أنه حتى الإضحاك يتضاءل بصورة كارثية طوال النصف الثاني من الفيلم، فلا نجد مشهدا جيدا عاليا، سوى مشهد متابعة يحيى وصديقه سمير لأفلام البورنو على شاشة كبيرة، أما بقية المواقف فهي عادية، وبعضها سخيف.


فقدت الفكرة بريقها تماما، وبدا الأمر مثل نكتة تريد أن تقدم اعتذارا للحوامل من شخص لا يريد أطفالا، هناك مواقف كوميدية عالية فى النصف ساعة الأولى من الفيلم، وبعد ذلك صار الفيلم معلقا فى الهواء، يبني حكايته فى فراغ كامل، لا يعرف النغمة التي يعزف عليها، هل بطله ضد المرأة؟ أم ضد الأطفال؟ هل مشكلة الفيلم اجتماعية عامة فى النظرة للمرأة؟ أم أنها تتعلق بشخص محدد هو الكابتن يحيى؟ ولماذا يبدو بالتحديد على هذا النحو؟ هل هو فيلم سيريالي أم عبثي أم واقع كاريكاتوري؟ كل شكل من هذه الأشكال له طبيعة ومنطق خاص به، وليست مجرد طرقعة والسلام، وإلا لصرنا أمام هذه الفوضى التي تدور فى حلقة بلا نهاية، والتي تنتهي بنهاية اسخف وأكثر فبركة.


يستطيع هشام ماجد أن يكمل طريقه كبطل لأفلام كوميدية تقوم على أفكار مختلفة، تكسر المتوقع والمألوف، فهو يمتلك القبول والحضور، ويمكن لهشام فتحي أن يكمل كمخرج كوميدي جيد، يعرف كيف يصنع لفيلمه إيقاعا جيدا، ولكن عليهما أن يعرفا بالضبط طريقة المعالجة المناسبة، وأن يدركا أن إنجاب فيلم، لا تقل أهمية عن طريقة إنجاب طفل جديد.

أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2