خالد البحيري يكتب: علي المصيلحي.. و"العيش والملح"

خالد البحيري يكتب: علي المصيلحي.. و"العيش والملح"خالد البحيري يكتب: علي المصيلحي.. و"العيش والملح"

*سلايد رئيسى10-3-2017 | 16:56

على مدار الأسبوع الفائت؛ كان الدكتور على المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، حديث المجالس العامة والخاصة، والصحافة والإعلام، وبرامج التوك شو، ليس لأن الرجل "المعجزة" البالغ من العمر قرابة 70 عاما والمتخصص في الهندسة الإلكترونية وقواعد البيانات،  أستطاع بخبرة السنين الطويلة أن يحل مشاكل وزارته، وأن يقضى على تسريب الدعم المخصص للفقراء، ولكن لأنه اتخذ قرارا عشوائيا كاد أن يحدث أزمة شعبية حادة بسبب "رغيف الخبز" الذي لم يعد يمتلك المصريون غيره، ولم تطاله يد حكومة "الإصلاح الاقتصادي" بالغلاء، ولا يزال حتى تاريخه مستقرا عند 5 قروش لحاملي البطاقات التموينية المميكنة والورقية. خرج المصريون عن صمتهم، في الإسكندرية وكفر الشيخ، يجأرون بأعلى صوتهم، لا يتوقف سبابهم أو دعواتهم عند مسؤول بعينه، فقد طالت نيران الجوع المنبعثة من بطونهم كل صاحب قرار في هذا البلد، بعدما نفد مخزون الصبر لديهم ، ولم يعد في القوس منزع، فيما يشبه "بروفة" مصغرة لما يمكن أن يحدث في شوارع المحروسة، لو امتدت يد أي مسؤول إلى دعم رغيف الخبز.. وكانت الرسالة على "بالونة الإختبار" التي أطلقتها حكومة شريف إسماعيل قبل أن تُخفض عدد الأرغفة المخصصة لكل فرد من 5 إلى 3 فقط، شديدة القسوة، ولا تقبل التفسير أو التأويل. أما المصيلحي فقد بدا "متعجرفا"، حتى وهو يتقهقر أمام الغضب الجماهير ويتراجع مكرها عن قراراته، فقد عاد الرجل للأضواء من جديد، باعتباره الخبير والمنقذ والمخلص لأزمات التموين وملف الدعم، بعد أن عقمت أرحام النساء أن تلد مثله، منذ الإطاحة به وبرفاقه ممن تسببت سياساتهم، وأفكارهم الرأسمالية المتوحشة في إيغار صدور المصريين على النظام الحاكم بأسره، في ثورة شعبية حاشدة مطلع العام 2011، مع أنه لم يحل أزمة تموينية واحدة في عهد مبارك وتفاقمت طوابير الخبز آنذاك بشكل مخيف. قد نقبل المصيلحي ورفاقه في مجلس النواب، إذا ما اختارهم الشعب ممثلين عنه، أما أن نقبلهم في نفس ذات المناصب التي غادروها غير مأسوف عليهم، وبنفس سياساتهم المعادية للفقراء والمعوزين وذوي الحاجة، فهذا أمر لا يقره منطق، أو يقول به عقل، فالشعب المصري حينما خرج بالملايين إلى الشوارع لم يكن يعنيه الحاكم أو الحكومة بقدر ما كان يشغله "العيش" أو الخبز في المقام الأول، والذي وصلت قداسته عندنا نحن المصريين إلى درجة أننا نقسم به صباح مساء، وتتردد على ألستنا جميعا عبارة "والعيش والملح" وهي عبارة لن تجد غيرنا من شعوب الأرض قاطبة يكررها أو يصدق من يحلف بها. بدا الوزير مغرروا.. ولم لا؟ وقد استنجدت به الحكومة وربما قبّلت رأسه ليقبل المنصب ويعود وزيرا، تراوده أُبهة الماضي وتلاحقه عدسات الكاميرات وتتلهف الصحف والقنوات على تصريحاته وأخباره، حتى في مؤتمر إعلان أسعار توريد القمح الذي عقد الأربعاء الماضي بصحبة د. عبد المنعم البنا وزير الزراعة، كان المصيلحي يوجه تعليماته وأوامره لزميله على الهواء دون لياقة ومراعاة لمشاعره، فقد قاطعه ليثبت للحاضرين أنه الأهم والمسيطر ثم وجه كلامه للبنا: "قول أنت بقى". بل إنه وفي نفس "مؤتمر التراجع" أطلق بحسب ما أحصيته 19 تصريحا، بعضها من شأنه أن يعود بالرجل من حيث أتي، فقد ألقى باللوم على قاعدة بيانات الإنتاج الحربي: "القرار الأخير جاء على أعلى مستوى من الدقة، ونقلت قاعدة البيانات لوزارة الإنتاج الحربي." في محاولة للاحتماء بالمؤسسة العسكرية ولو أنني من أصحاب النوايا السيئة لقلت إنه توريط لها في قرار لم تتدخل فيه لا من قريب أو بعيد. ثم زج الرجل باسم الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا: "أنا لا أهدد أي مواطن.. كل ما كنت أعنيه هو استكمال البيانات طبقا لما وجه به الرئيس عبد الفتاح السيسي من ضرورة وجود قواعد بيانات كاملة لجميع المواطنين"، وبنفس مبدأ حُسن النوايا فقد حاول الرجل الاتكاء على الرصيد الشعبي للرئيس، ولم يكن يقصد أبدا أن يقول للشعب: "وما فعلته عن أمري" بل هو من توجيه مؤسسة الرئاسة. إنها ليست المرة الأولي لعلي المصيلحي فهو يكرر نفس الأخطاء، فقد حدث أثناء حكم مبارك أن قلص حصص الدقيق المخصصة للأفران، ظنا منه أنه يعمل لصالح الدولة وليس لصالح المواطن، وتزايدت طوابير الخبز، وحدثت فضيحة شهداء الخبز الذين وصل عددهم لنحو 55، بسبب نقص الدقيق وسحب الرئيس وقتها اختصاصات الدقيق والأفران منه وأسندها إلى المحافظين وقال له جملته المشهورة: "خربتها ياعلي  وقعدت على تلها". ولم تمض سوى أشهر قليلة من انقضاء أزمة طابور العيش حتى واجه المصيلحي أزمة الأرز الملوث، فعاني المصريون لأشهر طويلة من وجود ديدان وحشرات في الأرز المتوفر في المجمعات الاستهلاكية". ولا تنسى ذاكرة المصريين ما حدث في يناير 2009، عندما واجهوا شبح غياب أنبوبة البوتاجاز لفترة كبيرة لم يستطيع المصيلحي خلالها تدارك هذه الأزمة بسهولة، وارتفع سعر الأنبوبة إلى 25 جنيهاً إن وجدت، وتواجدت في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 30 و35 جنيهاً. وها هو الرجل يكرر نفس خطئه السابق بإصراره على إثبات أنه يعمل لصالح الدولة فقط، وليس لصالح المواطن، مع أنه لو عمل لصالح المواطن لكان هذا لصالح الدولة. الغريب أن الوزير -القديم الجديد- حاول أن يُبيّض سمعته بعد أزمة رغيف الخبر فأطلق –كعادته- تصريحات متفائلة بأن وزارته الموقرة سوف توفر للمصريين في شهر رمضان المقبل الزيت والسكر والأرز والتونة والسمك والدواجن واللحوم المجمدة، بأقل من أسعار السوق، بالإضافة إلى ياميش وعصائر، ولم يتبق سوى أن يعلن الوزير أنه سوف يصوم هو وموظفي التموين عن غير القادرين تخفيفا عنهم ومراعاة لظروفهم الصعبة. ما حدث من المصيلحي مرشح للتكرار من وزراء آخرين، ما دامت الحكومة تفتقد إلى أسس وآليات اتخاذ القرارات، وحسابات المكسب والخسارة، وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على حياة المواطنين والأمن القومي المصري، وتداعيات ذلك على سمعة مصر إقليميا وعالميا، وتأثر الاقتصاد المصري والمستثمرين المحليين والأجانب، وغيرها من الضوابط والمحددات التي من المفترض أنها من أبجديات العمل السياسي في أي وزارة أو مؤسسة. خالد البحيرى
أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2