تعد روسيا من أكبر البلدان المنتجة لل نفط في العالم، بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث تنتج روسيا خمسة ملايين برميل نفط يوميا، تصدر منه أكثر من النصف إلى أوروبا، وبالرغم من ذلك أعلنت الولايات المتحدة فرض حظر شامل على واردات ال نفط والغاز والفحم الروسي، فما الذي يدور في ذهن بايدن؟
حجم واردات الولايات المتحدة من ال نفط الروسي
تبلغ حصة روسيا أقل من 10% من واردات الولايات المتحدة من منتجات ال نفط والبترول والتي تشمل السولار، وهو وقود متدني النوعية يمكن تكريره وتحويله إلى منتجات ذات نوعية أعلى.
وهذه الحصة تعتبر ضئيلة نسبيا بالنسبة لسوق الطاقة الأمريكي، حيث إنه من السهل للولايات المتحدة حظر تلك الواردات.
وقال الباحث لدى مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا أنطوان هالف: "لن أقلل مما يتطلبه الأمر لسد نقص ال نفط الروسي، لكنه قابل للتحقيق".
بدائل ال نفط الروسي
من السهل العثور على بدائل للنفط، حيث إن روسيا ليست أكبر مصدري ال نفط إلى الاتحاد الأوروبي، صحيح أن جزءا من إمدادات ال نفط يأتي من روسيا، ولكن هناك العديد من الشحنات التي تأتي من مصادر أخرى.
طالبت الولايات المتحدة، السعودية برفع إنتاجها من ال نفط ولكن السعوديين سبق لهم أن رفضوا الطلبات الأمريكية المتكررة لرفع الإنتاج من أجل خفض الأسعار، فالسعودية هي أكبر دولة منتجة لل نفط في منظمة أوبك، التي تنتج الدول الأعضاء فيها نحو 60 % من ال نفط الخام المتداول في الأسواق العالمية، ولذا فلأوبك دور محوري في تحديد أسعار ال نفط عالميا.
يذكر أن المملكة العربية السعودية في مارس2020 دخلت في حرب أسعار ضخمة مع روسيا في أسوأ وقت ممكن، وكانت قد عملت على زيادة الشحنات السعودية إلى الولايات المتحدة، لإغراق السوق ومزاحمة المنتجين ذوي التكلفة العالية، ووقتها انخفض الخام الأمريكي إلى السالب للمرة الأولى على الإطلاق، وتقدمت أكثر من 20 شركة نفط أمريكية بطلب إفلاس، فنجد أن قرار بايدن بحظر استيراد ال نفط الروسي يأتي في صالح اقتصاد السعودية.
وقد تفكر الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات التي تفرضها على ال نفط "الفنزويلي"، إذ كانت هذه الدولة من أهم مصدري ال نفط للولايات المتحدة ولكنها في الفترة الأخيرة، ونتيجة للحظر الأمريكي، بدأت بتصدير معظم إنتاجها للصين.
تعتبر دولة فنزويلا ثالث أكبر الدول المصدرة للنفط، ويبلغ الاحتياطي 300 مليار برميل ومع ذلك، فإنتاجها لا يزيد عن 527 ألف برميل في اليوم، حيث إنها الأكبر في العالم من حيث احتياطي النفط.
الجدير بالذكر أن ماكويليامز الخبير اقتصادي مع البنك المركزي في ايرلندا قال: "من العسير استبدال الغاز لأن لدينا خطوط أنابيب كبيرة تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا"، فبعد أن توقفت روسيا عن تصدير الغاز إلى أوروبا، فذلك يلحق الضرر بالأوروبيين، حيث يلجأون إلى استيراد المزيد من الغاز السائل من الولايات المتحدة، بحسب مركز برويجيل للدراسات.
يشار إلى أن الإتحاد الأوروبي طرح خطة تهدف إلى تمكين أوروبا من الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية بشكل كامل بحلول عام 2030، بما في ذلك فرض إجراءات من شأنها تنويع مصادر الحصول على الغاز واستبدال الغاز كمصدر للتدفئة وإنتاج الطاقة الكهربائية.
ارتفاع الأسعار
حافظت أسعار ال نفط على ارتفاعاتها القياسية، إذ ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 3.68 بالمئة، لتصل إلى 127.75 دولارا للبرميل، بينما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 2.93 بالمئة لتصل إلى 122.9 دولارات.
وفي بريطانيا ارتفعت أسعار الطاقة بقيود مفروضة، وقد ترتفع فواتير الغاز والكهرباء من 700 جنيه استرليني إلى حوالي ألفي جنيه في أبريل المقبل، ومن المتوقع أن تصل التكاليف إلى حوالي 3 آلاف جنيه عندما يتم رفع الحد الأدنى للأجور الخريف المقبل.
وارتفعت أسعار البنزين والديزل في بريطانيا في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يصل سعر لتر البنزين إلى 175 بنسا، أي حوالي 2.5 دولار.
يشار إلى أن المحلل مكويليامز قال: "أعتقد بأننا نعيش في عالم يؤدي فيه توقف تدفق ال نفط والغاز الروسي إلى أوروبا إلى اضطرارنا إلى اعتماد إجراءات تقنين"، مضيفا: "يتعلق الموضوع بالقدرة على إقناع الأسر على خفض درجات الحرارة في مساكنها بدرجة مئوية واحدة، الأمر الذي قد يوفر قدرا كبيرا من الغاز".
سياسات المناخ في أمريكا
حظر ال نفط الروسي قد يؤثر على سياسات المناخ الأمريكية، حيث قال منتقدو بايدن في الحزب الجمهوري: "إن الأزمة تسلط الضوء على الحاجة لإعادة النظر في سياسيات البيت الأبيض مثل التراجع عن خط أنابيب كيستون".
وقال نشطاء البيئة: "إن ما علمته الأزمة ليس الحاجة لمزيد من إنتاج ال نفط المحلي إنما المزيد من الاستثمار في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة".
خط أنابيب كيستون
هو نظام خط أنابيب ال نفط في كندا والولايات المتحدة، صدر ترخيصه منذ عام 2010، سيتم تشغيله من الحوض الرسوبي الغربى الكندى في ألبرتا إلى مصافي التكرير في إلينوي وتكساس، وأيضا لمزارع خزانات ال نفط ومراكز توزيع أنابيب ال نفط في كوشينج.
يشمل المشروع أربعة مراحل، ثلاث مراحل قيد التشغيل، والرابعة تنتظر موافقة حكومة الولايات المتحدة.
المشهد الجيوسياسي
رفعت الأزمة الأوكرانية الرهانات في محادثات الملف النووي الإيراني، والتي يمكن أن تلغي العقوبات الأمريكية عن قطاع ال نفط الإيراني، وتوجه مسؤولون أمريكيون إلى فنزويلا لمحادثات مع حكومة نيكولاس.
وقال الباحث لدى مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا أنطوان هالف: "إن روسيا دولة منتجة كبيرة بحيث لا يمكن سد نقص كل البراميل الضائعة، لكن يمكن التعويض عن بعض منها"، حيث إن إيران تعتبر في وضع أفضل لزيادة الإنتاج.
الجدير بالذكر أن في عام 2020 الولايات المتحدة، كانت أقل اعتمادا على موارد الطاقة الروسية، إذ لم تستورد إلا 3 % من ال نفط الروسي.
فرص روسيا فى ايجاد بديل للسوق الأمريكى
رفعت روسيا أسعار ال نفط خوفا من قلة الامدادات بعد قرار الرئيس الامريكي بايدن.
في وقت لاحق، أوضحت روسيا إنها قد تقطع إمدادات الغاز عن ألمانيا، حال فرض الغرب حظرا على صادراتها النفطية.
وقال ألكسندر نوفاك، نائب رئيس وزراء روسيا، إن "رفض ال نفط الروسي سوف تكون له عواقب وخيمة على الأسواق العالمية"، لكن ألمانيا وهولندا أعلنتا رفضهما لمقترحات حظر صادرات ال نفط الروسي.
الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي كان يحصل على حوالي 40 % من احتياجاته من الغاز الطبيعي و30 في المئة من احتياجاته من ال نفط من روسيا وسط عدم توافر بديل يسهل الحصول عليه.
أمريكا في حالة من اليأس
كتبت صحيفة "Global Times" الصينية أن الولايات المتحدة سقطت في حالة من اليأس بعد الحظر الذي فرضته على واردات الطاقة الروسية، وكانت مضطرة لطلب المساعدة من الدول المصدرة للنفط.
ولفتت الصحيفة إلى أن البيت الأبيض حاول تنظيم محادثات مع الرئيس جو بايدن وزعماء السعودية والإمارات في محاولة لاحتواء ارتفاع أسعار الطاقة.
وأضافت "Global Times: "إن دول أوبك لا تريد أن تكون مقيدة من قبل الولايات المتحدة، أو تنتهك حصص إنتاجها وتطعن روسيا في الظهر في زمن الأزمة".
كما لجأت الولايات المتحدة إلى إيران للحصول على المساعدة، بالتلميح إلى أنها قد تبدأ استيراد ال نفط الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي.
وحاولت واشنطن التفاوض مع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، لتخفيف العقوبات حتى تتمكن الشركات الأمريكية من الاستثمار مرة أخرى في قطاع ال نفط الفنزويلي والمساعدة في زيادة الإنتاج في البلاد، ووصفت الصحيفة الصينية تصرف الولايات المتحدة "بالإنتهازية" و"عدم النضج".
من جانب أخر عبر الأمين العام لمنظمة أوبك للنفط، محمد باركيندو، عن أن الوضع القائم في سوق النفط يمكن أن يجعل بلدان العالم للطاقة العالمية رهينة للخلافات السياسية.