قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن الناس في الحياة نوعان، أحدهما يعيش بعقلية ونفسية الغنى، فينظر إلى الدنيا على أنها واسعة، والرزق واسع، وأبواب الله واسعة، لو أغلق أمامه بابًا فتح له أبوابًا، والآخر يعيش بعقلية ونفسية الفقر، من حيث طريقة التفكير، ينظر إلى الدنيا على أنها ضيقة، والرزق ضيق، ولو أغلق أمامه باب للرزق يسيطر عليه اليأس والإحباط، ومهما امتلك من مال فهو فقير من داخله.
وأضاف خالد في عاشر حلقات برنامجه الرمضاني "حياة الإحسان"، المذاع عبر قناته على موقع "يوتيوب"، أن "هناك من يتمسك بأصدقائه مهما كانوا أندالاً ويؤذنونه ويتنمرون عليه، لأنه لن يجد أصدقاء غيرهم. لأنه صاحب نفسية فقر، في حين أن الدنيا مليئة بشخصيات أفضل من هؤلاء بكثير. أو تجد فتاة تحب شابًا ندلاً، طعنها في ظهرها مرارًا، والكل ينصحها بأن تتركه لكنها لا تستجيب، ظنًا منها أنها لن تجد الحب مع غيره.. لأنها تمتلك عقلية فقر".
كيف تفرق بين نفسية وعقلية الفقر ونفسية وعقلية الغنى؟
حدد خالد مجموعة من السمات التي تفرّق بين الشخص الذي يفكر ويعيش بعقلية ونفسية الفقر، والشخص الذي يعيش ويفكر بنفسية وعقلية الغنى، وذلك على النحو التالي:
-صاحب عقلية الفقر، شخصية منغلقة، محدودة التفكير، يرى الدنيا ضيقة، أما صاحب عقلية الغنى، فهو شخصية منفتحة، يرى الدنيا واسعة، يفكر خارج الصندوق عن البدائل.
-صاحب عقلية الفقر متشائم على الدوام مهما كان غنيًا، لايرى أمامه أية فرص.
يندم بشدة على ضياع أي فرصة في الرزق، لأنه يرى الفرص محدودة جدًا.
أما صاحب عقلية الغنى: متفائل الدنيا مليئة بالخير، يحزن دون مبالغة عندما تضيع منه فرصة، لأنه يرى الدنيا واسعة، والله الواسع، والفرص بعدد أنفاس البشر، ومن ثم فإنه يبحث عن فرصة جديدة.
-صاحب عقلية الفقر يقمع مرؤوسه في العمل، لأن "اللقمة قليلة"، أما عقلية الغنى فهو يوسع لمرؤوسه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ".. هذه الآية دليل على نوع تفكيرك: غني أم فقير؟.
-صاحب عقلية الفقر يكتم العلم، لأنه بخيل، أما عقلية الغنى فهو لا يكتم العلم.. بل يعطيه.. سخي كريم.
-عقلية الفقر، علاقاته سيئة، لأنه "بيشحت" الفرص حتى لو من شخص لايساوي، يفعل أشياء يكرها من أجل "لقمة العيش"، أما عقلية الغنى: يتعامل مع كل الناس وأحيانًا يضطر للتعامل مع من يكرههم، لكن أصدقاءه وعلاقاته في أغلبها علاقات مميزة، لأنه يبحث عن النظيف الراقي.
-عقلية الفقر ينظر لكل شخص في رزقه.. حسود. أما عقلية الغنى: قلبه واسع وعينه مملوءة. الفرق بين المنافقين والمؤمنين يتجسد في عقلية ونفسية الغنى.. المنافقون: "وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى ٱلصَّدَقَٰتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ"، المؤمنون: "لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا"، نفسية الغنى تظهر على صاحبها، فهو كما يقال: "شبعان عينه مليانة".
-عقلية الفقر، لديه استعداد لأن يذل نفسه لأي شخص من أجل "لقمة العيش القليلة".. أما عقلية الغنى: عزيز النفس يطلب ويحاول ويطرق الأبواب، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا الحاجات بعزة نفس فإن الأمور تجري بمقادير الله".
-عقلية الفقر، نظرته عن الله أنه مضيق عليه.. اليهود في المدينة كانوا يعيشون بعقلية ونفسية الفقر: "لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ "، "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ"، لذلك رفضوا النبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من أنهم يعلمون أنه نبي آخر الزمان. أما عقلية الغنى فإنه يعرف الله باسمه الغني الواسع، ويعرف معنى الاسمين.
-عقلية الفقر لا يستمتع بالحياة، خائف على ماله بشدة، ولديه قلق لاينتهي خوفًا من نفاده، في حين أن عقلية الغنى يستمتع بالحياة، لأن الدنيا مليئة بالخير، خوفه أقل، ولديه توتر أقل.
التوكل مع الإحسان
قال خالد، إن "التوكل شرطه الإحسان، فبدون الإحسان كأنك تفسخ العقد مع الله. والتوكل دليل الإحسان لأنك تعبد الله كأنك تراه، ودوام التوكل يؤدي لمزيد من الإحسان، والإحسان يؤدي لمزيد من التوكل.. التوكل والإحسان شيء واحد".
وأوضح أن هناك نوعين من فكر الغنى والفقر: فكر الغنى مع العجز.. بدون إحسان نتيجته: صفر. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني اعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل"، وفكر غني بدون إحسان النتيجة: مصيبة.. لماذا؟، لأنه بدون إحسان سوف تفقد فكر الغنى، وتتحول إلى عقلية ونفسية الفقر، لا إراديًا، لأنك قليل الحيلة. أما النوع الثاني: عقلية الفقر مع العجز.. الدنيا فقيرة، الرزق قليل، نهايته الاكتئاب.
لذا اعتبر خالد أن الحل في "الغنى مع التوكل ومع الإحسان، مع الحركة في الحياة، قائلاً: "الغيب لن يفتح لك إلا بالسير في طريق الإحسان والتوكل. التوكل مع الإحسان أقوى طريقة توصلك لعقلية ونفسية الغنى"، ناصحًا، أي شخص يعاني من الضيق في الدنيا، بأن "استغل المتاح وأخرج أفضل ما لديك، واعمل على قدر ما تملك يفتح لك غير المتاح والبعيد عن متناولك".