نجوم رمضان الغائبون.. عمّار الشريعي

نجوم رمضان الغائبون.. عمّار الشريعيمحمود عبد الشكور

الرأى22-4-2022 | 16:49

لا يعنى الغياب فى العنوان سوى أن عمار الشريعي، والكثير من نجوم رمضان، قد فارقونا بالجسد فحسب ، فلم نعد نستمتع بأعمالهم الرمضانية المدهشة، وكان عمار تحديدا من أبرز من ننتظر أعمالهم فى تترات المسلسلات، أو فى الموسيقى التصويرية التى تصاحب الدراما الرمضانية، بل إن انطلاقته الأكثر انتشارا كانت من خلال التليفزيون، ثم تفجرت موهبته الكبيرة فى السينما وفى التلحين وفى تقديم برامج التذوق الموسيقى من "غواص فى بحر النغم" إلى "سهرة شريعي".

عمار على محمد إبراهيم على الشريعى المولود فى العام 1948، أحد الفلتات المصرية النادرة، لم يمنعه فقدان البصر فى سن صغيرة من دراسة الموسيقى والأدب الإنجليزي، كثيرون لا يعرفون أنه تخرج فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، قسم اللغة الإنجليزية، استمعت إليه مرة فى أحد البرامج وهو يتحدث عن مشروعه القديم لتحضير رسالة ماجستير فى مسرحيات هنريك إبسن، وحتى من لا يعرف شيئا عن تعليم وثقافة عمار العامة، سيدرك ثقافته الرفيعة بسهولة من حواراته وبرامجه، ومن تحليلاته الذكية لكلمات الأغنيات، أما ثقافته الموسيقية الرفيعة فهى تتجلى فى ألحانه وموسيقاه، مثلما تتجلى فى قراءته المميزة لأغنيات ومقطوعات موسيقية قديمة، وأعتقد أن برنامجيه "غواص فى بحر النغم"، و"سهرة شريعي"، من أبرز البرامج الموسيقية المؤثرة، ومازالت حلقات بأكملها من البرنامجين فى الذاكرة، ومازلنا نتتظر برنامجا يعوض هذا الإبداع الشريعى فى التحليل الموسيقى فلا نجد، بينما تمتليء الفضائيات بكل ما هو فارغ وثقيل الظل ومقلد من برامج أجنبية، مع كثير من الرغى والثرثرة والجهل النشيط.

أول ما سمعت من إبداعات عمار الشريعى كان فى مرحلة الطفولة، وتحديدا مع أغنيتة الأولى الناجحة "امسكوا الخشب" فى العام 1975 للمطربة مها صبري، كان قبلها عازفا مميزا على الأورج، فى زمن كانت النجومية منتشرة بين العازفين أيضا، كنا نعرفهم بالاسم سواء فى فرقة أم كلثوم، أو فى الفرقة الماسية، التى كان عبد الحليم يقدم عازفى الصولوهات فيها، ولكن الشريعى كان من نجوم فرقة صلاح عرام أو الفرقة الذهبية، وعرفنا أنه كان أصلا عازفا ماهرا على الأكورديون مثل رفيق عمره هانى مهنى، ثم انتقلا بعد ذلك إلى عزف الأورج، ومع نجاح "امسكوا الخشب" انطلق عمار إلى المسلسلات والتلحين، وصار ضروريا فى السنوات التالية أن "نمسك الخشب" أمام هذه الأعمال الوفيرة والممتازة معا.

كان عمار ومحمد على سيلمان من أبرز الملحنين الذين ولدوا فنيا فى السبعينيات، وكان عجيبا أن يلحن عمار تتر وأغنيات مسلسل "الأيام" و"أبنائى الأعزاء شكرا" وهو نائم على ظهره بسبب إصابته بالانزلاق الغضروفى كما قال سيد حجاب، وكان مدهشا أن تتوالى أعماله بعد ذلك، ليصبح التتر الذى يلحنه عمار ماركة مسجلة من "أبنائى الأعزاء شكرا" و "صيام صيام"، إلى "النديم" و "عصفور النار" و "ليلة القبض على فاطمة" و "الشهد والدموع" و "العائلة".. الخ.

تصاحب ألحانه كلمات الكبار سيد حجاب والابنودى وغيرهما، كما يقدم موسيقى تترات خالصة بدون أغنيات كما فى الأعمال الشهيرة: "دموع فى عيون وقحة" و "رأفت الهجان" و "أخو البنات" و "شيخ العرب همام" و "شرف الأستاذ شرف".. الخ.

كان لديه إحساس درامى عال سواء بالفطرة أو بحكم دراسة الأدب الإنجليزي، وكانت هذه القدرة الدرامية العالية واضحة سواء فى الموسيقى الخالصة، أو فى ترجمة كلمات الأغنيات، لاحظ مثلا هذه المقدمة الفخيمة لأحد أغنياته الأولى وهى "أقوى من الزمان"، التى تبدو مثل مطلع سيمفونية تليق بالوطن، قارن ذلك بروح الطفل التى أجاد عمار تقمصها، وكأن طفلا يسكنه، وهو يقدم أغنيات الأطفال الشهيرة لعفاف راضي، أو أغنيات حلقات مسلسل "كوكى كاك"، وانظر إلى تلك الروح المرحة التى تظلل كثير من أغنيات فرقة "الاصدقاء" التى كونها عمار فى العام 1980، منها مثلا "يوم بعد يوم بتجينا موضات"، كيف يمكن أن نصدق أنه هو نفسه الذى لحن أغنية تقطر شجنا مثل "الحدود" لنفس الفرقة؟

هذا ملحن دراما يجسد معنى تكاتف الجموع وصخبهم وهو يلحن مقطع "هموا يابنات الحور" فى تتر نهاية "عصفور النار"، ويترجم سخرية الزمن فى مقطع "ويرفرف العمر الجميل الحنون/ ويفر ويفرفر برفة قانون" فى تتر مسلسل رمضانى لا ينسى هو "أرابيسك"، وينقل لحظات المعاناة من القهر فى أغنيات فيلم "البريء"، وطاقة الأمل فى أغنيات فيلم "احلام هند وكاميليا"، ويتأمل أحوال الدنيا فى تتر "الشهد والدموع"، فتهزنا كلمات سيد حجاب وهو يذكرنا بالحقيقة التى نتجاهلها: "كلنا من أم واحدة/ أب واحد/ دم واحد/ بس حاسين باغتراب"، ويصنع بالموسيقى سؤالا معلقا: "نبكى م الحزن اللى بيعكر حياتنا/ ولاّ م الحب اللى هدهنا وشجانا؟".

عمار الذى أخذنا إلى ألوان من الموسيقى فى تترات الفوزاير مع فطوطة ونيللى وشيريهان، صنع معادلا ساخرا بالموسيقى لمغامرات بكيزة وزغلول، وتقمص الأراجوز وهو ينطلق بلسانه وبكلمات سيد حجاب فى الفيلم الذى قام ببطولته عمر الشريف، وهو نفسه الذى استعار طريقة شاعر الربابة وهو يلحن تتر مسلسل "السيرة الهلالية"، وصنع من مقدمات وألحان ثومة مقطوعة واحدة فى تترات مسلسل "أم كلثوم" الشهير.

عمار الإنسان كان أيضا من الظرفاء، وهناك نوادر كثيرة تروى عنه ، منها ما ذكره الراحل حسن أبو السعود فى حواره مع عمار فى برنامج "سهرة شريعي":

الاثنان كانا عازفين فى الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرام، حسن على الأوكورديون، وعمار على الأورج، وبعد حفلة فى مدينة الموصل بالعراق مع محمد رشدى وعفاف راضى، وزعوا أجور العازفين، فلم يعجب عمار أجره، وانطلق مهاجما صلاح عرام شخصيا بلا توقف.

سمع صلاح الهجوم عليه، فتسلل وسط الجالسين مع عمار، وسط ابتسامات الحضور، ولكن عمار لم يتوقف عن الغضب والهجوم، بل فاجأ الجميع بقوله :

" أيوة باهاجمه بالاسم ومش خايف منه رغم إنى عارف إنه قاعد وسطنا".

أصيبوا جميعا بالذهول، وصرخ صلاح عرام: " ورحمة أمى انت بتشوف يا عمار"، سألوه: "عرفت ازاى إن صلاح عرام وسطنا ؟!"، فقال لهم :" زميلنا عازف الجيتار اللى كان بيكلمنى صوته كان جاى من اليمين، فتحول اتجاه الصوت فجأة ناحية الشمال، وحسيت بحركته وهوة بيقوم، وانا عارف إنه مابيوقفش لأى حد إلا لقائد الفرقة صلاح عرام".

فعلا عمار ضحك علينا، "كان بيشوف"، وجعلنا أيضا "نشوف المزيكا".

ربنا يرحمك يا أبو مراد.

أضف تعليق