دعا الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمود الهواري، إلى ضرورة التمسك بالقرآن الكريم والذي هو دستورٌ للسلام، مؤكدا أن السلام أحد مقاصد الدين الإسلامي، وأن السلام الحقيقي لن يتحقق داخل الفرد وخارجه، ما لم يُطَبَق القرآن واقعًا حيًا ملموسًا.. مطالبا المجتمعات أن تشيع السلام في ربوعها إذا أرادت تحقيق الاستقرار.
وقال الهواري - في خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، والتي جاءت تحت عنوان " رمضان شهر السلام" - إن قلوب المحبِّين تتعلق شوقا بليلة القدر، لما في هذه اللَّيلة من الخيرات ما يستحقُّ أن يتنبَّه له المسلمون، فقد وصف الله عزَّ وجلَّ هذه اللَّيلة بجميل الصِّفات، ومنحها من أسمائه، فكانت كما قال الله "سلامٌ هي حتَّى مطلع الفجر"، ولو تأملنا صفة السَّلام الَّتي وصفت بها ليلة القدر، نجد أنها حاملة كل معاني التسليم، ففي هذه الليلة يسلِّم المحبُّون فيها قلوبهم إلى ربِّهم، فتسلِّم عليهم الملائكةُ بقربهم، فيسلم لهم عملهم وتسلم ليلتهم، ولقد جعل الله السلام اسما من أسمائه وصفه من صفاته، وفي هذا إشارة إلى أن حظَّ المسلم من السَّلام لا ينبغي أن يُختصر في ساعاتٍ من ليلٍ أو نهار، بل هو منهج حياة، وعلى المسلم أن يسعى ليتحقق فيه معنى السلام، الذي يحقق راحة النفس وطمأنينة القلب، وسعادة الأبد، والألفة بين الناس.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن الله سبحانه وتعالى، سمى نفسه السلام؛ لأنه سلام في ذاته من كل عيبٍ، وسلامٌ في صفاته من كلِّ نقصٍ، وسلام في أفعاله من كلِّ شرٍّ، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته سلام من أن تكون عن ضعفٍ أو حاجة، وعطاؤه سلام من أن يكون معاوضة، وتقديره سلام من أن يكون على غير حكمةٍ، وسلَّم مخلوقاته من الخلل والفطور والعيب "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ".
وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن كل خطوة يخطوها الإنسان على الأرض، يجب أن تكون تحقيقًا لمعنى اسم الله السلام، الذي يتضح لنا معناه في حركة كل شيء حولنا، فهناك أفلاك تدور منذ مئات السنين في نظام ثابت دون اضطراب، وما ذلك إلا لتعيش كل الكائنات في سلام، الذي هو مصدره من الله سبحانه وتعالى، الذي دل عباده على كل ما فيه سلامتهم وحذرهم مما فيه هلاكهم، فأرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب التي ترشدهم وتهديهم إلى سبل السلام، قال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ".
وأكد خطيب الجامع الأزهر أن الواجب على المجتمعات إذا أرادت تحقيق الاستقرار أن تشيع السلام في ربوعها، ففي سنن الترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ".
وقال "لم يقف نبينا صلى الله عليه وسلم عند هذا التأسيس بل ذكر به مع كل صلاة، فعلم المسلمين ما يذكرونه من صفات الله على كثرة أسمائه، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".
وأشار خطيب الجامع الأزهر إلى أنه ينبغي على المسلم أن يحقق معنى السلام الذي وصف الله تعالى به نفسه من خلال عدة أمور، أولًا: أن يسعى في السلام مع الله، بالبعد عن المعاصي وأداء الفرائض، والتورع عن الحرام، وعدم التقول على الله بغير علم، وعدم الخوض في أمور الدين دوم أن يكون أهلا لها، ثانيا: أن يتحقق معنى الرضا داخل المسلم، لأنه طريق لسلامة النفس، وهو دليل على سلامة القلب، ثالثًا: أن يكون المسلم مصدرًا للسلام لكل من حوله، فيتحلى باللين، وخفض الجناح والصفح والمغفرة، فينضم إلى قافلة عباد الرحمن، "وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"، رابعًا: إفشاء السلام بين الناس، لأنه شعار للمسلمين، ورسالته في حياته، كما أنه طريق لنشر المحبة والود بين الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم.. أفشوا السلام بينكم".