فى أكتوبر 1973 قدِم السيناتور الأمريكي صاحب الثلاثين ربيعًا «جو بايدن» للمنطقة فى زيارة بدأها بلقاء رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت «جولدا مائير» مضى بعدها ما يقرب من نصف قرن ليبدأ بايدن زيارته للمنطقة وهو على رأس البيت الأبيض.
ولم يكشف عن الزيارة الأولى إلا عندما تحدث محاولًا كسب تأييد اللوبي الصهيوني خلال احتفال عيد الأنوار اليهودي «حانوكا» عقب حديثه بدأت عملية تدقيق صدق الرواية.
ففي الوقت الذي تحدث بايدن عن أنها كانت خلال حرب يوم الغفران، قال مسؤول إسرائيلي يدعى «جدعون ياردن» أن الزيارة سبقت الحرب وكانت فى أغسطس 1973 وكان بايدن شديد الإعجاب بمائير.
وأكدت الرواية الأخيرة أن أوراق لجنة التحقيق العسكرية التي أعقبت الحرب «لجنة أجرانات» خلال استجواب مائير خلت تمامًا من الحديث عن اللقاء ولم تشر إليه من قريب أو بعيد.
لكن السيناتور الأمريكي عاد ليبدأ زيارته للمنطقة وهو رئيس للولايات المتحدة الأمريكية من خلال إسرائيل، ويقضي بها 48 ساعة من جملة 96 ساعة قضاها فى المنطقة.
هنا دعوني أؤكد أن هذا التقليد (أقصد زيارة كافة رؤساء الولايات المتحدة للمنطقة تبدأ بإسرائيل) هو منهج الإدارة الأمريكية، لم تحد عنه منذ إعلان دولة إسرائيل ولن يتبدل مهما اختلفت الشخصيات أو الرؤى الحزبية.
اللقاءات التي عقدها الرئيس الأمريكي «جو بايدن» فى تل أبيب وما تواترت عنها من أنباء وما ذكره شخصيًا أو صرح به مسؤولون إسرائيليون على هامش الزيارة أو أثناء المؤتمر الصحفي جعلتني أتوقف عند بعض النقاط المهمة لدى الإدارة الأمريكية التي حاولت خلال الفترة الماضية انتقاد وسائل الإعلام العربية بزعم انحيازها للجانب الروسي فى الأزمة الروسية الأوكرانية.
فالمباحثات واللقاءات التي أجراها الرئيس الأمريكي فى تل أبيب قبل الانتقال إلى المملكة العربية السعودية لعقد القمة الخليجية الأمريكية عبرت بشكل كبير عن أن إدارة بايدن تسير وفق نفس النهج للإدارات السابقة لها مع اختلاف فى تنفيذ المهام.
الأمر الذي كان يستوجب على إدارة بايدن تدقيق بعض الملفات وإعادة النظر فى التعاطي معها، خاصة وأن المسرح الدولي يشهد حراكًا عنيفًا يعيد تشكيل القوى الدولية ويظهر فى الأفق صعود قوى دولية جديدة وتأثير ذلك سلبًا على الولايات المتحدة ما لم تراجع ترتيب أوراقها فى المنطقة بشكل أكثر موضوعية والتعامل من خلال الشراكة الاستراتيجية الحقيقية لا من خلال التبعية.
ففي الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن أمن إسرائيل وتحرص بشدة على مواجهة أي تهديدات له لم تدرك إدارة بايدن أن تحقيق ذلك الأمر موقوف على ملف من أهم الملفات (عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية) والذي لم يحظ فى الزيارة باهتمام كبير سوى جملة فى تصريح صحفي للرئيس جو بايدن عقب وصوله مطار بن جوريون (أنه سيواصل دعمه لحل الدولتين معتبرًا أن الحل الأمثل للفلسطينيين والإسرائيليين) ولقاء على هامش الزيارة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن فى بيت لحم فالواقع الذي جاء خلال زيارة بايدن ل إسرائيل أثبت أن واشنطن لا تكترث بتحقيق تقدم حقيقي ملموس فى عملية السلام رغم امتلاكها لكافة أوراق الضغط لتحقيق هذا التقدم بما يضمن استقرار المنطقة بالكامل والحفاظ على مصالحها.
فما تشهده الأراضي الفلسطينية من اعتداءات إسرائيلية متلاحقة وما تقوم به إسرائيل من توسع فى العمليات الاستيطانية على حساب الأراضي الفلسطينية لن يكون فى صالح إحلال عملية السلام فى المنطقة ولن يصب فى صالح أمن وسلامة إسرائيل.
بل إن اتفاقيات السلام الموقعة مؤخرًا لن تمنح إسرائيل شعورًا بالأمن ما دام الشعب الفلسطيني لم يحصل على حقوقه المشروعة بإعلان دولته وعاصمتها القدس الشريف.
إن استقرار المنطقة وتحقيق الأمن فيها مرهون بتحقيق سلام عادل وشامل.
لقد التقى بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد كما التقى بنظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوج ولبيد، الذي منحه وسام الشرف تقديرًا لدوره فى دعم إسرائيل على مدى 50 عامًا ومساندته للحفاظ على أمن إسرائيل.
كما قام بايدن بلقاء زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وحرص على حضور قمة المجموعة الرباعية (I2U2) ووقع على وثيقة إعلان ما يسمى بوثيقة «إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل» بحسب وصف الإعلام الإسرائيلي لها، والتي تأتي ضمن محاولات إسرائيل الخبيثة لصبغ القدس بصبغة كونها عاصمة لدولتهم، فى ظل عدم إلغاء بايدن قرار سابقه (ترامب) بنقل السفارة الأمريكية للقدس.
جاءت الوثيقة فى أربع صفحات حملت تأكيدًا مهمًا وأولوية أولى وتعهدًا لن تغفل عنه أو تفرط فيه الولايات المتحدة، وهو الحفاظ على أمن إسرائيل مهما كلفها الأمر.
كما تضمنت الوثيقة تأكيدًا على استمرار ومواصلة دعم واشنطن المالي لتل أبيب لتحقيق مزيد من التطور العسكري لتحقيق تفوق نوعي لصالح الأخيرة فى المنطقة وزيادة الدعم عن المقرر من قبل فى عام 2016 ولمدة 10 سنوات والبالغ 38 مليار دولار وفق مذكرات التفاهم السابقة والتزمت به واشنطن بل واستطاعت إسرائيل أن تحصل على مليار دولار إضافي على مستويات مذكرة التفاهم فى التمويل التكميلي للدفاع الصاروخي فى أعقاب ما حدث عام 2021.
عقب ادعاء إسرائيل أنها تواجه ظروفًا استثنائية مثل الأعمال العدائية مع (حركة) حماس على مدى أحد عشر يومًا فى مايو 2021.
إن ما جاء فى الوثيقة الموقَّعة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي حول التهديد الإيراني لأمن إسرائيل بحسب زعم الأخيرة استهدف حصولها على مزيد من المكتسبات العسكرية وهو المنهج الذي تتبعه دائمًا تل أبيب.
فقد جاء فى نص الوثيقة «تماشيًا مع العلاقة الأمنية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة و إسرائيل والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل، ولاسيما الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، تؤكد الولايات المتحدة التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات.
تؤكد الولايات المتحدة مجددًا أن هذه الالتزامات مقدسة من الحزبين، وأنها ليست التزامات أخلاقية فحسب، بل أيضًا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها.
تؤكد الولايات المتحدة أن جزءًا لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح لإيران مطلقًا بامتلاك سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة».
لكن الإدارة الأمريكية لم تدرك أن أمن إسرائيل مرتبط بتوقف الأخيرة عن الاعتداء على الأراضي الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وتقديم ما يثبت حسن النوايا من جانب الحكومة الإسرائيلية.
إن التهديد الإيراني المزعوم لأمن إسرائيل ليس سوى محاولة دائمًا لكسب مزيد من الدعم الأمريكي والغربي؛ كما أن إيران تجد فى صيغة التهديد الإسرائيلية ذريعة أخرى لإطلاق مزيد من التصريحات لكسب ثقة الشعب الإيراني والتأكيد على قوة دولته.
وسط تلك الحالة غابت القضية الأساسية لتحقيق السلام والاستقرار والأمن فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية) سوى من مجموعة تصريحات صحفية أو وعود غير قابلة للتطبيق.
إن حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال فيه إن هدف الزيارة للمنطقة هو إعطاء دفعه لاندماج إسرائيل فى المنطقة، لن يتحقق بشكل واقعي.
فى ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، ورفض حكومة تل أبيب تقديم ما يثبت حقيقة سعيها للسلام والاندماج فى المنطقة.
فالشعوب تدرك حقيقة ما تستهدفه الزيارة الأمريكية للمنطقة، ولا يخفى عليها بحث إدارة بايدن عن مكتسبات تجعلها قادرة على مواجهة أزمة الطاقة.
لكن يبدو أن إدارة بايدن لم تراجع أوراقها قبل التحرك باتجاه المنطقة العربية، فرغم ما تعانيه المنطقة من آثار عقب أحداث 2011 فهي دائمًا تسعى للسلام والاستقرار ما دامت لم توجه ضدها أي اعتداءات.
فالمنطقة العربية خلال الفترة الأخيرة أدركت أهمية وحدة القرار العربي فى مواجهة الأزمات والتحديات، فى ظل تطورات الأوضاع الدولية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
تشديد الرقابة
عقب قرار لجنة تسعير المواد البترولية نهاية الأسبوع الماضي والتي قررت رفع سعر البنزين والسولار بين 50 قرشًا وجنيه تم تحريك أسعار المواصلات من 5 إلى 7% ووجهت الحكومة المحافظين والوزراء بضرورة تشديد الرقابة ومتابعة الأمر بشكل يومي كي لا يستغل محترفو الكسب من الأزمات تلك الحالة للضغط على المواطن، وحرصت المحافظات على إعلان تسعيرة الركوب للمواصلات داخل المحافظات وخارجها.
لكن الملاحظ أن بعض المحافظين وضعوا التسعيرة الجديدة أقل من التسعيرة الحالية للركوب وهو ما يثير تساؤلًا.. هل المسؤول عن التسعير لم يدرك ذلك؟ أم أن تسعيرة الركوب الحالية كانت هناك مبالغة فيها؟