شهد بداية الأسبوع الماضي عقد جلسة طارئة للبرلمان بناءً على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، للنظر فى تعديل وزاري شمل 13 حقيبة وزارية، واستهدف تطوير أداء بعض الوزارات وفق المتغيرات الجديدة والتحديات.
ففي الوقت الذي توجه فيه للدولة المصرية سهام حملة ممنهجة على مواقع ومنصات ووسائل إعلام خارجية تستهدف التأثير على حالة الاستقرار، والتأثير فى العقل الجمعي للشعب المصري.
جاء التعديل الوزاري وكانت له أسبابه وفق التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، كما أن تطورات الأوضاع فى المنطقة والعالم كان لها تأثير واضح فى ظل متغيرات خلقت تحديات جديدة أمام الحكومة والدولة.
مع ترحيب الشارع بالتعديل الوزاري وكذا الخبراء، كانت هناك ملفات لتحديات تواجهها الوزارات فى الحكومة خلال الفترة المقبلة، واستراتيجية وضعها الرئيس للحكومة الجديدة التي تتولى المسئولية فى ظل ظروف عالمية غاية فى القسوة، وملامح أزمة اقتصادية وغذائية طاحنة تلوح فى الأفق، أكثر قسوة مما يشهده العالم حاليًا.
وجاء توجيه الرئيس خلال لقائه بأعضاء الحكومة عقب أداء اليمين، بالتحلي بالتجرد والموضوعية والتفاني وبذل أقصى جهد لإعلاء مصلحة الوطن فى المقام الأول، وذلك إدراكًا للمسئولية الكبيرة التي يتولونها فى ظل المتغيرات الدولية الأخيرة التي انعكست داخليًا على دول العالم ومنها مصر، وفرضت العديد من التحديات التي تتطلب العمل الدءوب المتواصل بإرادة قوية وبلا كلل.
ووجه الرئيس الوزراء الجدد بالوقوف بدقة على كل أدوات وإمكانيات وزاراتهم والمؤسسات والهيئات التابعة لها، وحُسن إداراتها لتعظيم نتاج تلك الإمكانيات وتطوير أسلوب إداراتها بهدف تحقيق أقصى استفادة وعائد ممكن، مع الانتباه جيدًا لكفاءة آليات التنفيذ كعامل حاسم فى نجاح التخطيط ليصبح واقعًا ومردودًا ملموسًا.
كما وجه بأهمية التواصل المنتظم مع المواطنين، وتقديم أفضل الخدمات لهم فى مجال عمل كل وزارة، مع نشر وتعميق الوعي العام بشأن التحديات الدولية والإقليمية والداخلية التي تواجه الدولة، وكذلك الجهود وحجم الإنجازات والتطورات الحالية فى إطار التنمية الشاملة التي تشهدها مصر على امتداد محافظاتها ورقعتها الجغرافية.
(1)
فالأزمات العالمية المتلاحقة بدءًا من جائحة كورونا مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية وملامح أزمة فى الشرق جديدة الأزمة الصينية مع تايوان، ودخول الولايات المتحدة على الطريق، واقتصاد عالمي يواجه أكبر مستوى للتضخم.
فى ظل تلك المتغيرات تحتاج دول الاقتصادات الناشئة إلى مجموعة من الأدوات لتحصين تحركها واستمرار مسيرتها فى الاتجاه الصحيح، وتصبح عصية على العودة إلى الخلف لتخرج من الأزمة أكثر قوة بل تصبح إحدى التجارب المهمة والنموذج للنهوض من حالة اللا دولة إلى الدولة القوية القادرة على رفع مستوى جودة الحياة لمواطنيه والوقوف كتفًا بكتف فى صفوف الدول الكبرى.
ولكي يحدث ذلك لا بد أن يكون الوعي، أحد أهم أدوات التحصين ضد محاولات زعزعة الثقة فى الأداء الحكومي، أو خطة تنفيذ الرؤية أو ما يحدث من إنجاز على أرض الواقع، ويصبح تصدير الحالة السلبية هو أحد أهم أدوات الحرب النفسية الموجهة لعقول وقلوب الشعوب المستهدفة، وتصبح كلمات بعينها ومصطلحات محددة أكثر رواجًا لتكون بمثابة رصاصات تنطلق لتخلق مناخًا من اليأس وتسويد الصورة على غير الواقع لخلق جو من انعدام الثقة، كما تستهدف أيضًا بمصطلحات أخرى كل من يحاول الحديث عن الواقع والإشادة بما تم من إنجاز، ليتقطع المجتمع ويتحول إلى صراع بين فريقين.
ومن بين تلك المصطلحات المستهدفة لخلق حالة من عدم الثقة «مفيش فايدة» «إيه فائدة العاصمة الإدارية» «العلمين الجديدة دي عملوها لمين؟!» وغيرها من الجمل والكلمات لخلق حالة من عدم الثقة فى القرار وأيضًا حالة من اليأس.
وفى حال ما إذا قمت بعرض أهمية المشروعات التي قامت بها الدولة على مدى 8 سنوات، يكون أكلاشيه الوصف جاهزًا «مطبلاتي» ويستمر ترديده لكي يجعلك بعد فترة تبتعد عن المشهد، لتترك له المشهد كاملاً ينعق فيه بشائعاته التي ينثرها؛ وكلمات اليأس والإحباط التي يرددها.
إنه منهج من مناهج الحرب النفسية للتشكيك فى قدرة الدولة على النهوض، وهو ما يستخدم دائمًا باتجاه الدول صاحبة المشروع الوطني، لأنها تمثل تهديدًا لأصحاب المشروعات التوسعية.
(2)
دعوني أتوقّف عند بعض تلك الأدوات التي توجه من إعلام الشر وداعميه باتجاه الشعب المصري؛ فى ظل نشاط غير مسبوق على منصات ومواقع تحدثت عنها من قبل، بل ما شاهدته وتابعته خلال الأسبوع الماضي من تحليلات مسمومة نشرتها تلك المنصات، يؤكد أن قدرة الشعب على الصمود فى وجه موجة تزييف الوعي الجديدة وتغييب العقول هو حجر الزاوية فى تلك المواجهة.
بل إن وعي الشعب المصري وقدرته على الصمود فى تلك المرحلة، سيكون حصان الرهان الرابح كما كان دائمًا فى كل معارك الوطن.
فقد عادت بعض المواقع الممولة من إحدى الدول الكبرى باستكتاب مجموعة من محترفى دس السم فى العسل، لنشر مجموعة من التحليلات بهدف خلق جو من الإحباط مع تمويل تلك المقالات وتسويقها عبر السوشيال ميديا.
وقد تابعت سيلاً منها خلال الفترة الأخيرة وهو ما يدل على اتجاه سير المعركة.
فما حققته مصر خلال السنوات الماضية، لم يكن يومًا بعيدًا عن التخطيط الدقيق والعمل وفق الأولويات المدروسة بمهنية واحترافية شديدة.
وخلال العدد القادم سأتوقف عند مشروعي العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة ببعض من التفصيل لنتعرف على أهمية تلك المشروعات.
وأذكر أنني كنت منذ عدة أيام أقلّب فى بعض الكتب بمكتبي، فوجدت التقرير رقم 9 لمجلس الشورى لجنة الإنتاج الزراعي والري واستصلاح الأراضي حول الموارد المائية واستخداماتها ضمن سلسلة التقارير الصادرة عن المجلس، والذي حوى نص ما دار فى الجلسة المنعقدة صباح الثلاثاء 12 من جمادى الآخرة سنة 1410 الموافق 9 يناير 1990، فى دور الانعقاد العادي العاشر لنظر طلب المناقشة عن موضوع «الموارد المائية واستخداماتها».. وناقش المجلس الموضوع على مدى عدة جلسات مناقشة مستفيضة بلغت 67 استمرت حتى 26 مايو 1990 لتضع التقرير بصورته النهائية؛ حضرها وزير الأشغال العامة والموارد المائية فى ذلك الوقت المهندس عصام راضي، واثنان من وكلاء الوزارة واثنان من مسئولي وزارة الزراعة، وثلاثة من ممثلي جهات أخرى، هم وزير الري الأسبق «المهندس إبراهيم زكي قناوي»، ووزير الهجرة الأسبق وعضو مجلس الشعب المهندس وليم نجيب، والمهندس مصطفى محمود القاضي، وممثل لوزارة الخارجية.
وانتهى التقرير المكون من 168 صفحة شملت الملاحق والتوصيات إلى الآتي:
ضرورة الاستفادة من مياه الصرف الزراعي وإعادة معالجتها وإعادة معالجة مياه الصرف الصحي، وذلك لاستخدامها فى زراعات محددة (الأخشاب) وتقليل الفاقد من مياه الري لمواجهة الشح المائي الذي دخلته مصر بقوة فى ظل نمو سكاني بلغ 2,8 فى ذلك الوقت؛ وتطوير طرق الري لكي تتمكن الدولة من زيادة المساحة المنزرعة ومواجهة الاعتداء على الأراضي الزراعية.
وذكر التقرير أنه بالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية، سيتم عمل برنامج لتطوير نظام الري فى الدلتا ينتهي فى عام 2000، وكذلك العمل على تطوير الترع لتقليل فاقد المياه لتوفير ما يقارب من 5 مليارات متر مكعب سنويًا.
أما مياه مصرف بحر البقر فسيتم معالجتها لكنها تحتاج إلى فترة طويلة قد تصل إلى 15 عامًا أي عام 2005، لتوفير مياه معالجة ينتقل جزء منها إلى سيناء.
وكان المستهدف توفير 2,2 مليار متر مكعب من مشروع تطوير الترع والبحيرات كما ذكر وزير الري فى التقرير والباقي من المياه المعالجة.
وكذا إنشاء وتطوير قناطر إسنا، وبعد ذلك قناطر نجع حمادي ثم قناطر أسيوط.
(3)
الغريب فى الأمر أن كل ما جاء فى التقرير مر عليه 24 عامًا ولم يحدث منه سوى جزء ضئيل، على الرغم من أن الكثير من تلك المشروعات التي حملها التقرير كان يؤكد أن الدولة فى ذلك الوقت فى حاجة ماسة لتنفيذها من أجل توفير المياه لزيادة الرقعة الزراعية.
لكن ذلك لم يحدث حتى جاءت الجمهورية الجديدة وبدأت التحرك بالدولة فى الاتجاه الصحيح، واستكمال ما كان على الحكومات السابقة منذ التسعينيات أن تنجزه، لتبلغ تكلفة مشروع واحد من تلك المشروعات لتطوير نظم الري والحفاظ على المياه (مشروع تطوير الترع) التكلفة التقديرية 80 مليار جنيه.
فماذا لو قامت الحكومة المصرية بتنفيذ خطتها التي عرضتها على مجلس الشورى فى 1990 وحددت لها 10 أعوام للانتهاء منها؟! ألم تكن التكلفة لن تتجاوز 5% من هذا المبلغ، بل تتوفر المياه لاستصلاح مساحات أكبر؟!
إن تأخر الدولة المصرية فى إنجاز ملفاتها المهمة خلال فترات سابقة هو ما جعل القيادة السياسية حاليًا تعمل فى كل الاتجاهات، وبتوقيت متزامن، من أجل تحقيق الهدف وهو النهوض بالدولة المصرية.
فقد تم إنشاء قناطر أسيوط الجديدة لتحسين الري فى مصر الوسطى عام 2018، كأحد أضخم المشروعات المائية بتكلفة بلغت 6 مليارات جنيه.
كما تم إنشاء محطة معالجة مياه بحر البقر خلال عامين بتكلفة بلغت 16 مليار جنيه، وفق المعالجة الثلاثية للمياه لتصبح صالحة للزراعة وفق الاشتراطات الأوروبية؛ لتنتج 5,6 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المعالجة.
إن ما تواجهه الحكومة الحالية من تحديات يستوجب عليها مواصلة الليل بالنهار، ويستوجب علينا مساندتها وعدم الانزلاق خلف محاولات تشويه ما حققه المصريون من إنجاز خلال الفترة الماضية ومواصلة العمل لاستكمال المشروع الوطني.
إن ما جاء فى التقرير فى قطاع الموارد المائية هو نموذج لملفات كثيرة تأخرت الحكومات المتعاقبة عن تنفيذه فى حينه، مما كان له الأثر السلبي على تحقيق جودة الحياة، الأمر الذي استهدفته الدولة حاليًا لتحقيق تنمية فى كل القطاعات.
لقد استطاعت الدولة أن تنفذ ما عجزت عنه حكومات متعاقبة خلال ثلاثة عقود، لتنفذه الدولة فى ثماني سنوات رغم التحديات وعدم الاستقرار الذي ضرب المنطقة عقب 2011.
شكرًا دكتور طارق شوقي
خرج الدكتور طارق شوقي، وزير التعليم السابق، بعد رحلة شاقة استمرت لأكثر من خمس سنوات، حاول خلالها العمل بكل طاقته فى مشروع من أهم مشروعات الدولة المصرية (تطوير التعليم) وهو ما كنا نطالب به جميعًا.
حرص خلالها على مواجهة التحديات رغم صعوبة الأمر، فهناك مافيا الدروس الخصوصية التي كانت تواصل الليل بالنهار للنيل من المشروع تساندها «جروبات الماميز» الفضليات، ونمو سكاني يلتهم أي محاولة للتطوير فى البنية التحتية للمدارس للوصول إلى حدود الكثافة المطلوبة.
لكن الرجل نجح فى وضع منهج من الممكن أن نصل به فى النهاية إلى الهدف وهو جودة التعليم ما قبل الجامعي.
صحيح أن الرجل خرج من الوزارة لكن ما طمأنني هو تصريحات الدكتور رضا حجازي، الوزير الحالي، عندما قال «مشروع تطوير التعليم مشروع دولة وليس مشروع شخص».
شكرًا دكتور طارق شوقي، وتمنياتي للدكتور رضا حجازي بالتوفيق فى المهمة الشاقة.