حلول يقدمها الخبراء لإعادة العلاقات كما كانت.. الجار.. للجار

حلول يقدمها الخبراء لإعادة العلاقات كما كانت..  الجار.. للجارصورة تعبيرية

منوعات29-11-2022 | 21:49

«ساكن قصادي» أو جواري إنه جاري و «النبي وصى على سابع جار»، وقديما قالوا فى المثل «اختار الجار قبل الدار»، وقالوا أيضا «الجار أقرب من الأهل»، وبعد أن كانت العلاقات الاجتماعية بين الجيران وطيدة ومتماسكة أصبحت اليوم فى أحسن الأحوال مفقودة تماما و«صباح الخير يا جاري أنت فى حالك وأنا فى حالي»، وفي أغلبها تكتنفها الخلافات والبلاغات والقضايا .. ما الذي تغير وكيف وصلنا إلى هذا الحال؟ والأهم كيف نعود لما كنا عليه؟ هذه أسئلتنا إلى الخبراء وإجابتهم فى السطور التالية .. ».

هكذا تغيرت الأحوال الاجتماعية وأوصدت كل أسرة بابها عليها، وانتهت عادات اجتماعية نبيلة مثل تقديم الدعم والمساندة وقت الشدة للجار، أو التهاني والتجمعات فى المناسبات العائلية، وتبادل الطعام والحلوى، اقتصرت الأسر على نفسها وأصبح كثير من الجيران لا يعرفون بعضهم، لقد تغيرت الأحوال بين الجيران بشكل كبير فلنعرف الأسباب.

في البداية ، تقول د.هند فؤاد السيد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن هناك أسبابا اجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة أثرت على العلاقات والتفاعلات بين الجيران من أهمها انتشار الأسر النووية، وهو مصطلح شائع فى علم الاجتماع، ويشير إلى الأسر الصغيرة المكونة من الزوج والزوجة والأبناء ومنتشرة بصفة كبيرة فى الحضر، على عكس الأسر الكبيرة التي تشمل الجد والجدة والعم أو الخال، بالإضافة إلى انشغال الأسر بتوفير الدخل؛ لكي يكفى احتياجاتها وهو ما يؤدي إلى ضيق الوقت الذي يقضونه مع أفراد أسرهم، واختلال منظومة القيم وسيادة القيم المادية على القيم الأخلاقية والثقافية، والتأثر بالمظاهر الاستهلاكية فى الدراما والأفلام ومحاولة الجري؛ لتحقيقها بغض النظر عن مصدر المال، ولذلك تراجع الوعي الديني ودوره فى الحفاظ على العلاقات والروابط بين الجيرة، انتشار النزعة الفردية وقيم الأنانية بين الأسر.

وتوضح فؤاد، مما لا شك فيه أن جميع هذه العوامل والأسباب أثرت بشكل كبير فى التفاعلات والروابط بين الجيران، وشكل الحقد والحسد والغيرة محور مهم فى قلة التفاعل فيما بينهم واقتصار كل أسرة على حالها وتجنب الاختلاط الذى يسبب المشكلات فلم تعد نفوس البشر نقية ومحبة وودودة بل أصبحت تسعى وتجرى لأجل نفسها فقط كأنهم يطبقون المثل القائل «كثرة الخلطة تجيب الغلطة» وتناسوا حث الأديان على التواصل بين الجيران حتى لسابع جار فالقيم الدينية والثقافية والأخلاقية كلها تراجعت من أجل القيم المادية التي طغت بشكل كبير على تفاعلات وسلوكيات الناس فيما بينهم وبين جيرانهم إلا فى الوفيات والأفراح وينطبق هذا الحال على المدن، أما فى القرى فما زالت المشكلات بين الجيران مستمرة والتدخل فى خصوصيات الأسر موجودة ، وكل هذا بعيد عن قيمنا المعتدلة المحبة للجيران ومساندتهم فى جميع الأوقات فى الفرح والحزن وكافة المناسبات، بل تطور الأمر واقتصر على تقديم واجب العزاء فى كثير من الأحيان على مواقع التواصل الاجتماعي أو بالتليفون مما يؤكد تراجع القيم الأخلاقية.

عالم افتراضي

واتفقت معها فى الرأي د.سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قائلة، إن العلاقات الاجتماعية أخذت طابع الفردية المطلقة بين الجيران، وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا يرجع إلى وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة، التي خلقت بين الناس حالة من الاستغناء عن تلك العلاقات الاجتماعية الطيبة فيما بينهم، وبالتالي أصبح لكل شخص عالمه الافتراضي الخاص به وأصدقاؤه الافتراضيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا وبالطبع كل هذا يأخذ جزءا كبيرا من أوقاته واهتماماته ويشغل وقت فراغه ومن ثم يستغنى عن المحيطين به ويغرق فى أفكاره مع المجتمع، الذي كونه لنفسه عبر الإنترنت.

وتشير فايد، إلى نقطة فى غاية الأهمية وهى وجود حالة من الفجوات الثقافية بين أفراد الأسرة وعلاقاتهم العامة، فأصبح كل شخص له ثقافة وأيدلوجية واتجاهات خاصة به ويلتقي مع من يرغب أن يلتحم معه لكن فى حقيقة الأمر لا يوجد سياق واحد يجمعهم وهذا يرجع إلى كثرة المفاهيم والأيدلوجيات وانتشار ثقافات فرعية وكل شخص له مجتمع خاص به، ولعل هذا يفسر سبب اختفاء أو تجمد العلاقات الاجتماعية الطيبة بين الجيران وبعضها، حيث يرجع إلى أسباب عديدة أهمها الإغراق فى العمل وعدم وجود وقت فراغ كاف لدى الكثير من الناس لوجود هذه العلاقات الاجتماعية، فالكل يعمل صباحا ومساء حتى المرأة نفسها، هذا بالإضافة إلى انشغال كل أسرة بأبنائها وتعليمهم واهتمامهم بممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة وغيرها من المسئوليات، وأعتقد أنه وصل الأمر إلى أن بعض الجيران ربما لا تعرف من الجار الذي يسكن أمامه، على الرغم من التأثير الإيجابي الذي ينتج عن وجود هذه العلاقات الاجتماعية الطيبة وخلق حالة من التماسك والتفاعل الاجتماعي بين الجيران وبعضها البعض.

خطة متكاملة

وتوضح فايد، كنا نندهش جداً من أن الابن يترك الأسرة للسكن بعيدا عنها وكذلك وجود علاقات فردية داخل الأسرة، فالأسباب انتقلت مع العولمة وانفتاح العالم وكل هذه التأثيرات انعكست على العالم كله لكن إذا أصبح هناك رغبة حقيقية لإعادة هذه العادات الطيبة حتى لا يتزايد الأمر فلابد من وجود سياق ثقافى يحفز على ذلك فضلا عن وجود ثقافة دينية لدى الناس «أن الجار له حق على جاره» وأن «النبي صلى الله عليه وسلم» وصى على سابع جار وهكذا، لذا يقع على عاتق المؤسسات الثقافية والدينية والتعليمية عبء كبير فى نشر هذه العادات الطيبة والقيم المعنوية الرفيعة من ترابط أسري وتماسك اجتماعي وترسيخ قيم العطاء والتسامح لدى الناس وتقليل حجم الفجوات أيضا وإعلاء هذه القيم على الجانب المادي.

وأشادت فايد، بمبادرة «أخلاقنا الجميلة»، التي أطلقتها إحدى الشركات الإعلامية الكبرى عبر شاشات التليفزيون وتعد فكرة جيدة جدا لكن وحدها لا تكفى لإعلاء هذه القيم وترسيخها بين الناس وبعضها البعض فلابد من عمل برامج فى المدارس للأجيال الناشئة ويتم تطبيقها عمليا بحيث يترك أثرا فى نفوس الأطفال منذ الصغر، هذا بالإضافة إلى وجود أعمال درامية حديثة تتناول هذا الشأن أيضاً، فمن الملاحظ فى هذه المبادرة أنه يتم الاستعانة بمشاهد من الدراما الأبيض والأسود، وأعتقد أن هذه الشركة الإعلامية تبذل جهودا كبيرة فى عمل دراما هادفة وأغان للأطفال أيضا؛ لتحريك المشاعر الفطرية القديمة بين الناس التي حدث لها نوع من «التأكسد».

وتقول د.دعاء بيرو، خبيرة الإتيكيت والعلاقات الإنسانية، إن العلاقة بين الجيران تغيرت عن الماضي واتخذت شكلا آخر غريباً عن مجتمعنا نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية فى المجتمعات فنجد أن المرأة فى الماضي كانت سبب قوة العلاقات مع الجيران ولكن مع خروجها إلى العمل حدث فتور فى هذه العلاقة فلم يعد لديها وقتا لإقامة روابط مع الجيران من خلال الزيارات المتبادلة أو حتى المجاملات الضرورية، كما أن وجود الهواتف الذكية والتفاعل مع منصات التواصل الاجتماعي لعبت دورا بديلا عن علاقات الجيرة والزيارات، كما ساهم التباين فى المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي بين الجيران فى زيادة التباعد بينهم، كما تتأثر علاقة الجيرة بتغير نمط الحياة وضعف الوازع الديني والجهل بحقوق الجار واختلال المنظومة القيمية وتفشى مفهوم الانعزالية والفردية والأنانية.

واجبات الجيرة

وتوضح بيرو، لم يكن الطبق الذي يهديه الجار لغيره بمثابة شفقة منه أو عطف بل حالة من الدفء والاندماج المقصود لخلق علاقات اجتماعية كبيرة، ولعل البعض حاليا لا يدرك قيمة الطبق الذي وثق علاقات المصريين قديما وجعل كل سيدة مصرية تتفنن فى إبداع وإتقان النوع الذي تطهيه لتشعر جيرانها بالسعادة وتدخل عليهم السرور، ومع الانفتاح المجتمعي وتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس فى المكان الواحد، اندثر الطبق ولم يعد له مكانا فى زحمة الحياة والضغوط التي باعدت بين الناس قسرا، فعلاقات الجيران فى المكان الواحد أصبحت لا تزيد عن التحية عند رؤيتهم لبعض، وفيما عدا ذلك اندثر الدفء وحالة التناغم بين السكان وأصبح الجار لا يعرف من يجاوره فى السكن، وبالتالي التواصل والتفاعل الاجتماعي والمجاملات بين كل جار والآخر أصبحت غير موجودة ومنها الزيارات المنزلية المتبادلة وتبادل الأطباق.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2