أمل إبراهيم تكتب: «غرام الملوك»

أمل إبراهيم تكتب: «غرام الملوك»أمل إبراهيم تكتب: «غرام الملوك»

الرأى23-3-2018 | 14:53

تبارى ملوك الفراعنة في تخليد قصص حبهم مستعينين بناصية الفن والعمارة، فكتبوا الخلود لملكاتهم بعمائر كُرست لهن، ونقوش لا حصر لها أبرزت تألقهن في شتى أرجاء مصر.

وحفظ الأدب المصري القديم عددا من الألقاب التي أطلقها المصريون على المرأة، ملكة أو محبوبة أو زوجة، تؤكد مكانتها في القلوب من بينها "جميلة الوجه"، "عظيمة المحبة"، "المشرقة كالشمس"، منعشة القلوب"، "سيدة البهجة"، "سيدة النسيم"، "سيدة جميع السيدات"، جميلة الجميلات"، "سيدة الأرضين"، وغيرها من الألقاب الواردة في الكثير من نصوص الأدب المصري القديم بحسب السياق والمناسبة.

ويزخر تاريخ مصر القديم بقصص الحب والبطولات النسائية عبر عصوره، برزت أعظمها في عصر ملوك الأسرتين 18 و 19، وهي فترة حكم تميزت بتأسيس الإمبراطورية المصرية وازدهار الفنون والعمارة والثراء الأدبي، مثل قصة حب الملك "أحمس الأول" وزوجته "أحمس-نفرتاري"، والملك "أمنحوتب الثالث" و زوجته "تيي"، والملك "أمنحوتب الرابع (أخناتون)"، وزوجته "نفرتيتي"، وكانت قمة قصص الحب بالطبع ما جمع بين الملك "رعمسيس الثاني" وزوجته الجميلة "نفرتاري".

تزوج الملك أحمس الأول، الذي يعني اسمه (القمر ولده)، زوجته أحمس-نفرتاري، وحظيت بشأن عظيم بفضل حب زوجها وملكها الذي شاركته حكم البلاد قرابة 22 عاما، كما تركت أثرا كبيرا في نفوس الشعب فقدسوها بعد وفاتها كربّة عظيمة، فجلست مع ثالوث طيبة المقدس الآلهة (آمون وموت وخونسو).

أقام لها زوجها معبدا في طيبة، وصُورت على جدران الكثير من مقابر نبلاء الدولة، لاسيما مقابر منطقة "دير المدينة"، التي تمدنا بالكثير من اللوحات الجنائزية ممثلة علو شأنها، كما خُصص لها مجموعة من الكهنة لعبادتها.

استمرت عبادة هذه الملكة المحبوبة نحو 600 عام، منذ وفاتها وحتى الأسرة 21، ويُظهر نقش في معبد الكرنك الملك "حريحور"، أول ملوك الأسرة 21، متعبدا للأرباب آمون وموت وخونسو وأحمس-نفرتاري.

كما شهدت الأسرة الـ 18 قصة حب الملك أمنحوتب الثالث، الذي يعني اسمه (آمون يرضى)، والملكة "تيي"، المحبوبة والمفضلة له، وحفظت تماثيلها بصورة جليلة القدر، وحرص الملك على الإنعام بأعلى المراتب حبا فيها.

استهل الملك من أجلها عُرفا لم يكن متبعا قبله، وهو اقتران ألقابه الملكية الخاصة، في النصوص الرسمية والنقوش، باسم الملكة محبوبته جنبا إلى جنب.

وتشير عالمة الآثار الفرنسية كلير لالويت، أستاذة دراسات تاريخ مصر القديم بجامعة باريس-سوربون، في كتابها بعنوان "طيبة أو نشأة إمبراطورية" إلى أن الملك أمنحوتب الثالث والملكة تيي "وجهان لكيانين إلهيين يضمنان وحدة العالم وتماسكه فيهما، ولم يحدث على الإطلاق أن توحد زوجان ملكيان على هذا النحو في النظام الكوني والإلهي".

أمر أمنحوتب الثالث بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة ترويحا عن نفسها، كما يتضح من نص ترجمته لالويت إلى الفرنسية عن النص المصري القديم:

"اليوم الأول، من الشهر الثالث، من فصل الفيضان، من العام 11 من عهد صاحب الجلالة...(قائمة بألقاب الملك) والزوجة العظيمة تيي، أمر صاحب الجلالة بإنشاء بحيرة للزوجة الملكية العظيمة بمدينتها جعروخا".

ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها في منطقة صادنقا، على بعد 210 كيلومترا جنوبي وادي حلفا، كما يشهد بهو المتحف المصري في القاهرة على وجود تمثال عملاق للملك جالسة إلى جواره محبوبته تيي بنفس الحجم، في دلالة فنية على علو الشأن وعظيم الحب.

وسجل تاريخ مصر القديم قصة حب ملكية من نوع آخر، فريدة في تفاصيلها الأدبية والفنية، جمعت الزوجين الحبيبين أمنحوتب الرابع "أخناتون"، الذي يعني اسمه (روح آتون الحية)، والملكة نفرتيتي، التي يعني اسمها (الجميلة تتهادى)، والتي وقفت إلى جانبه في أزمة تغيير الديانة الرسمية من عبادة آمون إلى عبادة آتون، بل رافقته إلى عاصمته الجديد "أخيتاتون (أفق آتون)"، جنوبي محافظة المنيا، متحدية معارضة كهنة آمون.

خلّد أخناتون حبيبة قلبه باستخدام أساليب فنية جديدة لم يألفها الفن المصري قبلها، جنح فيها الفنان بأمر الملك إلى تصوير الزوجين في العديد من جلسات الحب الأسرية محاطين بثمرة حبها، الأميرات الست "مريت آتون (محبوبة آتون)"، و "ميكت آتون (المحمية من آتون)"، و "عنخ إس إن با آتون (إنها تحيا من أجل آتون)"، و"نفر نفرو آتون (جميل هو كمال آتون)"، و"نفر نفرو رع (جميل هو كمال رع)"، و"ستب إن رع (اختيار رع)".

كما يشهد تمثالها الفريد، الذي يحتفظ به متحف برلين، على مكانتها الخاصة في قلب زوجها مستعينا بأفضل نحاتي عصره، ومازالت تجذب ملامح نفرتيتي المعبرة العديد من الناس من كل حدب وصوب.

وحفظت أرض مصر أعظم قصص الحب الملكية، على الصعيدين المادي والعاطفي، وهي قصة غرام الملك رعمسيس الثاني، الذي يعني اسمه (رع الذي أنجبه)، وحبيبته وزوجته نفرتاري، التي يعنى اسمها (جميلة الجميلات)، والتي ظل يكن لها عظيم الحب والمودة بلا منازع لها حتى وفاتهما.

تقول لالويت في كتابها "إمبراطورية الرعامسة"، إن نفرتاري لم تكن من أصول ملكية، بل كانت نبيلة النسب، تعود أصولها على الأرجح إلى طيبة، وأطلق عليها لقب "محبوبة (الإله) موت".

رافقت نفرتاري زوجها منذ العام الأول من حكمه، وتصورها نقوش معبد الأقصر ممشوقة القوام بجوار العاهل الملكي، وتظل بجواره في التماثيل الجماعية المنحوتة في حجر الغرانيت والقائمة في الفناء الأول من المعبد.

كما جهّز رعمسيس الثاني من أجلها في وادي الملكات أجمل مقابر الموقع، غنية بالرسوم والألوان الزاهية، تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم، وتزدان

بالحلي الملكية النفيسة، تصاحبها الآلهة وهي تؤدي شعائر تجعلها خالدة خلودا أبديا.

بل يزداد حب الملك ليكرّس معبدا خاصا لها وللإلهة حتحور، ذلك المعبد المنحوت في صخر جبل أبو سمبل، بجوار معبده الكبير الذي كرّسه لشخصه وللإله "آمون رع"، مهديا عمله لحبيبته في عبارة تأسيس خلدها الزمن، تشهد على حب من نوع خاص.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2