الدكتور حكمت صالح يكتب.. في ذكرى النكبة: القضيَّة الفلسطينيَّة

الدكتور حكمت صالح يكتب.. في ذكرى النكبة: القضيَّة الفلسطينيَّةالدكتور حكمت صالح يكتب.. في ذكرى النكبة: القضيَّة الفلسطينيَّة

* عاجل15-5-2018 | 22:26

(1)

* س: وهل يُمكن لِلْهََمِّ العراقِيّ أن يُذَوِّبَ الْهَمَّ القديم المتمثِّل في اغتصابِ الأرضِ الفلسطينيَّةِ؟!.. وكيفَ كانََ وَعيُ ( الدكتور والشاعر حكمت صالح ) وهو يُعايِشُ قَضِيَّةَ العربِ والمسلمينَ الْكُبرَى؟. السؤال السابق وجه إلىّ، وأنا من وُلِدتَ في زمنِ (جيلِ القَضيَّةِ الفلسطينيَّةِ)، وعاصَرَت مَحطّاتِها المُختلِفَةِ. وفى الآتى إجابتى:

(2)

مدخل افتتاحيّ : بسم الله الرحمن الرحيم

ممّا لاشكَّ فيه أنّ انعكاسات القضيَّة الفلسطينيَّة في نفوس الشّعراءِ العرب هي صدَى لِمَا يعْتَمِلُ في نفوسِ الجماهيرِ الشّعبيَّةِ العربية إزاءَها .. غيرَ أنَّ للشُّعراءِ القُدرةَ على التّعبير الجَمَاليِّ عَمَّا يعْتَلِجُ في دواخِلِهم ؛ عليه فقد كانت مُتابَعاتِي لأَحْداثِ فِلسطِينَ مُنذُ نُعومَةِ أَظْفارِي .

غيرَ أَنَّ وَعْيَ القَضِيَّةِ تَنامَى وتَجَذَّرَ بمُرورِ الزّمَنِ ؛ وهي مَحْمُولةٌ في القلبِ ، حتّى إذا انْبَجَسَ الهاجِسُ الشِّعريُّ من يَرَاعَةِ الإِبْدَاع ؛ تَوالَتِ البَوَاكِيرُ وتَتَالَتْ في اسْتِدعاءِ الكَوَامِنِ مِن مَكامِنِهَا ؛ فاسْتَحالَتِ الأَحاسِيسُ والانطِباعاتِ صُوَراً تَرسِمُها يَراعةُ الإِبْدَاعِ شِعراً .. ومَن يرجِعْ إلى توارِيخ كِتابَةِ مجاميعِ القصائدِ الشّعريَّةِ ؛ يجدْ حِصّةَ القضِيَّةِ الفِلسطِينيَّةِ ـ رُبَّما ـ قد اسْتَحوَذَتْ علَى النّصيبِ الأَوْفَى والأَوْفَرِ منْ غيرِها مِنَ البَواكِيرِ! .. فهناكَ ما لا يقِلُّ عنْ ثمانِي عشْرَةَ قصيدةً كُتِبَتْ عن القَضيَّةِ الفلسطينيَّةِ ، ومجموعُ أبياتِها (735 بيتاً) ما بينَ عموديٍّ وحُرٍّ ، مجموعُ الأبياتِ العموديَّةِ [مع النّشيدِ ] (262) بيتاً في ثماني قصائدَ ، أطولُها (45 بيتاً) .. ومجموع الأبياتِ من شِعرِ التّفعِيلَةِ [الحُرِّ] (471) بيتاً في تِسعِ قصائدَ ، أطولُها (300 بيتٍ).

(3)

في مدينةِ (الْمَوْصِل) ـ كانَ اليهودُ ( العَربُ/ العِراقيُّونَ ) يسكُنونَ في مَحلَّةٍ تُعْرَفُ ـ إِلَى يومِنَا هذا ـ بـ (مَحَلَّةِ الْيَهُودِ) الواقعةِ في المُنعَطَفاتِ والمُنعَرَجاتِ الْخلْفيَّةِ المُحاذِيَّةِ للْجِهةِ الغَربيَّةِ منْ مُنتَصفِ ( شارعِ الفَارُوقِ القَديمِ )، بالجِوارِ منَ المنطَقَةِ التّي تُعْرَفُ بـ(حَضِيرَةِ السَّادَّةِ) .. كانَ يهودُ الْمَوْصِل ـ قبلَ هِجرتِهم إِلى فِلسطينَ ـ يتعايَشُونَ معَ المسلمينَ بسلامٍ وَوِئامٍ ، كما هو علَيهِ حالُ النَّصَارَى / المَسيحِيِّينَ اليومَ ، مِن حيثُ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ ، والتَّعامُلِ التّجاريِّ ، وانْخِراطِهم في الوظائفِ المدنيَّةِ ( الرّسميَّةِ ) وما إلى ذلك .

= لعلَّ أَوّلَ مَحطّةٍ لِوَعْي القضِيَّةِ الفلسطينيَّةِ تبدأُ منذُ الطّفولةِ المُبَكِّرةِ ، حيثُ كان عددٌ من الإذاعاتِ اللاّسِلْكِيَّةِ تَبُثُّ رسائلَ صَوتِيَّة للتّواصُلِ العائِلِيّ والاجتماعيِّ للفلسطينيِّنَ النّازحينَ والَّذينَ هُم في الشَّتَاتِ .

كانتِ السّيدةُ والِدَتِي ( 1922 ـ 1988 ) رحمَها اللهُ تعالَى تَحكِي لنا عن فلسطينَ ومآسِي أبنائِها .. ومِمَّا وُشِمَ في ذاكِرَتِي من تلكَ الحِكايَاتِ أنَّ بعضاً من اليَهوديَّاتِ ؛ حالَ هجرةِ اليهودِ إلى فلسطينَ ؛ كُنّ يُوَدِّعْنَ جاراتِهِنَّ المُسلِماتِ ؛ ويَقُلْنَ لَهُنَّ مُبْتسِماتٍ : (( سَنُرْسَِِل لَكُم غَداً الْبُرتُقالَ والرُّمَّانَ منْ فِلسطِينَ ! )) ، وهُنَّ ـ من خلال التَّعْرِيضِ ـ لا يقْصِدْنَ الهدايا ، وإنّما الْقَنَابُرَ!.

(4)

= أمّا ثاني المَحطَّاتِ التّي اسْتَوقفتْنِي في تشْكِيلِ وَعْيي بالقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ فتتمثـَّل في عَدَدٍ من أَقرِبائِي ومعارِفِي من الْجِيلِ الَّذي سبقَ جِيلِي ، والَّذينَ شاركُوا معَ قَطَعَاتِ الجيشِ العِراقِيّ فيما سُمِّيَ بـ( جَيْشِ الإِنْقَاذِ ) ؛ حيثُ حاولتِ الدّولُ العربيَّةُ خوضَ المعركةِ ضِدَّ اليهودِ ، الذين تُسانِدُهُم في العَتادِ والعُدَدِ كُلٌّ من الولاياتِ المُتّحدةِ الأمريكيَّةِ وبريطانِيا ..

(5)

في 15/5/1948 تمَّ جلاءُ بريطانيا عن فلسطينَ ، وفي نفْسِ الوقتِ أُعْلِنَ عن قيامِ دولةِ إسرائيلَ .. كانت بريطانيا ذاتَ نُفوذٍ قَوِيٍّ في كلٍّ من العراقِ والأُردنِّ ومِصْرَ ، بسبِ المُعاهَداتِ العسكَريَّةِ والسّياسيَّةِ بينَها وبينَ الدّولِ المَذكورةِ .. عليهِ فقد انسَحَبَ الجيشُ العراقِيُّ من مواقِعِه ( الأَماميَّةِ ) المُهِمَّةِ في الجِهاتِ العُليا من فلسطينَ إلى مُثلَّثِ: ( جَنِينَ - نابُلْسَ - طُولْكَرمَ ) ، حيثُ جُمِّدتْ حركاتُه القِتاليَّةِ وبدونِ أَوامِرَ (   ).

وذَكَر لي بعْضُ مَعارِفي الذينَ كانوا في قَطَعَاتِ الجيشِ العراقيِّ يَومَها ؛ أنَّهم ـ بالرّغمِ من إعلانِ الهُدْنَةِ ـ تقدَّوا في معركةِ جَنِينَ ؛ ولم يسْتَجِيبُوا لأَوامِرِ وَقْفِ إِطلاقِ النّارِ ، وأَحْرَزَتْ بنادِقُهُم ( المَعْطُوبَةُ ) والقديمةُ انتصاراتٍ رَوَّعَتْ كُلَّ أَسلحةِ العَدوِّ المُتطوِّرةِ ! .حينَ كان هؤلاءِ البواسِلُ يفاخِرونَ في أَحاديثِهم عن معاركِ الشَّرَفِ والْكرامةِ في فلسطينَ ـ كانوا يصوِّرونَ مََشاهِدَها وأحداثَها لنا تَصوِيراً .. وعنْ غيرِ قَصْدٍ كانتْ تلكَ الصُّوَرُ المَسْمُوعَةُ تستَحِيلُ في مُخيِّلَتِي إلى مَشاهدَ تكادُ تكونُ مَرئيَّةً ؛ وأنا في مُقْتَبَلِ العُمُرِ ، ثُمَّ طُبعَتْ أبعادُها ومَلامِحُها في ذاكرةِ الطّفولةِ ؛ لتظهَرَ فيما بعدُ شعراً !.

(6)

= أمّا المَحطّةُ الثّالثةُ من وَعْيِ القضيَّةِ الفِلسطينيَّةِ ؛ فكانتْ سَرِيعةً ومُؤثِّرةً في آن ٍ: أذكُرُ أَنِّي سمعتُ من إذاعةِ الكيانِ الصُّهيونيِّ ، رُبَّما قبلَ ثلاثَةِ عُقودٍ برنامجاً ، يُحاوِرُ المُذيعُ فيهِ يهوديّاً من الَّذينَ كانوا يسكُنونَ العراقَ سابقاً ؛ وبِنَبَراتٍ حزينةٍ ومُحتَرِقةٍ يتشوَّقُ إلى السَّعادةِ التّي كانَ يتمتَّع بها ؛ هوَ وَقَبِيلُهُ منَ اليَهودِ ؛ في العراق ، وغادَرَتْه مشاعِرُ السَّعادَة بعدَ أن غادَرَ العراقَ !.. وسمِعتُ آخرَ من اليهودِ الّذينَ كانوا قد هاجروا من العراقِ في حلْقَةٍ أُخرَى منَ البرنامَجِ نفْسِهِ ، يحْكِي فيهِ أَسَفَهُ على مُغادَرتِهِ العراقَ !، ويحكِي كيفَ كانَ اليهودُ العراقيّونَ يتمتَّعونَ بكافَّةِ حُقوقِ المُواطَنَةِ ؛ أُسوةً بالمسلمينَ في العراقِ .. في حين يُعتبَرُ اليهودُ القادِمونَ منَ البلادِ العربيَّةِ مُواطِنينَ منَ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَّةِ في الأَرضِ المُحتلَّةِ!.

(7)

المَحطُّةُ الرّابعةُ مِن وَعْيِ القضِيَّةِ الفِلسطينيَّةِ تَمثَّلَتْ بـ ( نَكْسَةِ حَزِيرَانَ/ 1967 ) [وكان الإعلامُ العربي يُطْلِقُ عليها: " النَّكْبَة"] . أيّامَها كُنتُ طالِباً في كُلِّيَّةِ الآدابِ بجامعةِ الْمَوْصِلِ .. لم تكُنْ التّظاهُراتُ غريبةً على الطُّلاَّبِ عامّةً في تلكَ الفترةِ؛ فقد مرَّ العراقُ قبلَها بظروفٍ تَمَرَّسَ الطّلابُ خلالَها بالتَّظاهُر في المدارِسِ والجامعاتِ والشّوارعِ .. في الخامِسِ من حَزيرانَ 1967 خرجَ طلاَّبُ جامعةِ الْمَوْصِل ، وبضمْنِهم طلاَّبُ كُلّيَّةِ الآدابِ ؛ ( وكان افْتِتَاحُ الجامعة حديثَ العَهْدِ يَومَها) ؛ خرجوا إلى السَّاحاتِ ؛ وقد تعطَّلَتِ الدّراسةُ، وكانوا يُطالبونَ العَمادَاتِ بالتَّسلِحِ والالْتِحاقِ بالجَبهَةِ السُّورِيَّةِ للمُشارَكَةِ في الدّفاعِ عن الأَرضِ العربيَّةِ.

وللحديث بقية
أضف تعليق

المنتدى الحضري العالمي شهادة دولية للدولة المصرية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2