خلال الأيام القليلة الماضية كانت مصر هدفا للحملات المسعورة التى لا تألو جهدا فى محاولة النيل من الدولة المصرية؛ لكن تبقى مصر عصية على تلك الحملات ومن يديرونها؛ كما كانت عصية من قبل على جيوش المعتدين.
ف مصر دولة منذ فجر التاريخ صاحبة حضارة وعلم وثقافة ومصدر للنور، امتد إلى العالم ليضيء ظلمته، ويعلم الشعوب كيف تبنى الدولة الوطنية والحفاظ عليها وعلى مقدراتها.
وخلال حقب وفترات مختلفة تتعرض مصر لحملات مستعرة تستهدف النيل منها أو تحاول زعزعة الثقة فى مؤسساتها أو قيادتها.
تتكرر الحملات وتتنوع وخلال الحقبة الحالية ترتكز بشكل مباشر على إحدى أهم أدوات المعارك التى تتخذ من الإعلام مسرحا لها للسيطرة على العقول وتجهيزها لاستقبال ما هو معد مسبقا (معلب) من قبل قوى الشر.
لم تتوقف تلك الحملات المسعورة من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية أو غيرها ممن تحركهم قوى وشركات وأنظمة وأجهزة من أجل هدف محدد لا يعرف للموضوعية طريقا ولا يعترف بالحياد منهجا.
(1)
الأسبوع الماضى واصلت صحيفة «واشنطن بوست» طريقها فى تقديم المعلومات المضللة فنشرت ثلاثة تقارير وعمود للرأى استهدفت توجيه الإدارة الأمريكية لاتخاذ إجراءات ضد مصر.
الصحيفة عمدت إلى ترويج المعلومات المضللة بنشر تقرير شارك فيه ثلاثة صحفيين من بينهم مديرة مكتب الصحيفة بالقاهرة والمقيمة فى دبى «سيوبان أوجرادى - Siobhán O›Grady» التقرير الذى حمل عنوان «كادت أن تزود روسيا بالصواريخ لكنها وافقت على تسليح أوكرانيا.. مصر فى تسريبات الوثائق الأمريكية» (Egypt nearly supplied rockets to Russia, agreed to arm Ukraine instead, leak shows) التقرير جاء فى 1890 كلمة والذى شمل إعادة نشر التقرير السابق للصحيفة والمنشور فى 11 إبريل الجارى ثم قامت الصحيفة باستكمال التقرير من خلال التعرض لما سمته وثيقة جديدة صادرة فى شهر مارس تزعم أن مصر قد عدلت من موقفها وأوقفت صفقة تصدير الصواريخ (صقر 45) إلى روسيا ووافقت على تصدير ذخائر للولايات المتحدة لتقدمها الأخيرة إلى أوكرانيا.
التقرير الذى أعدته (Missy Ryan, Evan Hill and Siobhán O›Grady) (ميسى رايانو وايفان هيلو ومديرة مكتب الصحيفة بالقاهرة سيوبان أوجرادي) حمل العديد من المغالطات والأكاذيب بل إنه نزع ورقة التوت عن الصحيفة والصحفيين ليكشف إلى أى ايدولوجية وإلى أى اتجاه ومنهج تعمل الصحيفة، وغياب الموضوعية والحياد المزعوم من المحتوى الصحفى المنشور.
فرغم صدور التقرير الأسبوع الماضى إلا أن الصحيفة واصلت تضليلها معلقة أن الخارجية المصرية رفضت التعليق على ما وصفته بالوثيقة الخاصة بتصدير مصر لـ40 ألف صاروخ لروسيا؛ فى الوقت ذاته وبالتحديد فى يوم 11 ابريل الجارى صدر بيان وزارة الخارجية المصرية ينفى ويفند تلك الإدعاءات والأكاذيب، وتجاهلت الصحيفة الإشارة إلى بيان وزارة الخارجية عن عمد لتواصل تقديم صورة مضللة ومعلومات غير دقيقة.
فقد قال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، فى البيان الرسمى لوزارة الخارجية، الثلاثاء قبل الماضي: «إن موقف مصر منذ بداية حرب أوكرانيا يقوم على عدم التدخل فى هذه الأزمة والالتزام بالمحافظة على مسافة متساوية مع روسيا وأوكرانيا، مع التأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى فى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة».
لقد أعادت الصحيفة اجترار ما نشرته فى 11 إبريل الجارى عقب فقرة واحدة صدّرت بها تقريرها الجديد.
ثم عادت الصحيفة مرة أخرى إلى المصادر المجهلة، لتذكر على لسان أحد السفراء الغربيين الذى لم تنشر اسمه، وكذا ما أسمته بالوثائق غير المؤرخة.
إنها محاولة خبيثة استهدفت بها الصحيفة ضرب علاقات مصر بالقوى الدولية، وكذا التشكيك فيما تؤكد عليه مصر دائما بضرورة الحل السياسى ورفضها الحلول العسكرية لما تسببه من خسائر فى الأرواح والممتلكات.
لتأتى الفقرة قبل الأخيرة من التقرير والتى جاءت على لسان السفير الغربى المجهل الاسم، كاشفة عن علاقة كاتب التقرير وتوجه الصحيفة بالتنظيم الإرهابي، وتنزع ورقة التوت.
فقد استهدفت ربط علاقة مصر مع روسيا بأنها كانت إحدى أدوات الضغط المصرية على واشنطن عقب أحداث رابعة 2013، وما إصرارها على وصف ما حدث فى 2013 بأنه انقلاب وتغافلت تماما عن ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع فى يونيو 2013 لاسترداد وطنهم من الجماعة الإرهابية التى اختطفته لمدة عام.
(2)
إنها عملية ممنهجة تستهدف العمل على مسارين، الأول تدمير الثقة بين الشعب والقيادة والتشكيك فى قدرة القيادة على إدارة الدولة، وعلى الجانب الآخر ضرب «إسفين» فى العلاقات الاستراتيجية الراسخة للدولة لخلق مناخ من التوتر وعدم الاستقرار مما يؤثر سلبا على قدرة الدولة على إدارة ملفاتها.
لم تتوقف «واشنطن بوست» عند هذا الحد بل نشرت أكثر من تقرير لخدمة توجهاتها وكذا مقالات للرأى كان منها مقال للكاتب الأمريكى الجنسية «أليسون مكمانوس»، اليونانى الأصل، يهودى الديانة، وهو العضو المنتدب لما يعرف بمبادرة الحرية.
الكاتب الذى عنون مقاله «لقد بالغت مصر فى بيع الصواريخ لروسيا» حاول خلال عموده الذى بلغت عدد كلماته 235 كلمة أن يوحى للإدارة الأمريكية بضرورة اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر، مثل ما حدث فى 2017 عندما قررت واشنطن تجميد 290 مليون دولار من المساعدات الأمنية متخذة من ملف حقوق الإنسان ذريعة لها آنذاك.
لقد حرص كاتب الرأى فى الصحيفة على ترويج ما كشفت عنه ما يعرف بالوثائق المسربة من البنتاجون، وما جاء فيها بشأن مصر يستوجب من الإدارة الامريكية أن تعيد ما فعلته فى 2017؛ ولم يدرك الكاتب ولا الصحيفة أن الدولة المصرية لا يمكن لها أن تغير من مبادئها التى تطبقها بشرف فى زمن عز فيه الشرف.
ف مصر لا تدعم الصراعات وترفض التدخلات العسكرية أو التدخل فى شئون الغير.
إن ما تحرص عليه الواشنطن بوست، وول ستريت جورنال وغيرهما من أدوات الإعلام الممنهج لتوجيه الرأى العام العالمى وتقديم الأكاذيب على أنها حقائق، لن يدوم كثيرا، خاصة فى ظل المتناقضات التى تحتويها الصحيفة بين يوم وآخر.
(3)
ومن الحملات المسعورة التى استهدفت الدولة المصرية وانتشرت انتشار النار فى الهشيم ثم سرعان ما أوقفها وعي المواطنين، كانت الحملة التى بدأت الأسبوع الماضى على مواقع التواصل الاجتماعى عقب اندلاع الأحداث واشتعال الموقف فى السودان الشقيق، تتلقفها الكتائب الإلكترونية للجماعة الإرهابية ووسائل إعلامها بعد اقتطاع أجزاء منها والاكتفاء بما يخدم أهداف ناشريها.
وهنا لا بد أن ندرك قوة العلاقة التى تربط بين شعبي وادى النيل ( مصر والسودان)، فهى راسخة رسوخ الجبال ولا تهتز، ومهما حاولت قوى الشر أن تصنع، فلن تستطيع أن تنال من تلك العلاقة.
كما أن مصر لديها عقيدة لا تتزعزع وهو عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول ودائما ما تحرص على إحكام صوت العقل.
وحل الأزمات من خلال الحوار المبنى على التفاهم والحفاظ على الدولة الوطنية، وهو ما يحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي دائما على التأكيد عليه.
لقد حاولت وسائل إعلام قوى الشر استغلال الأزمة السودانية وحالة عدم الاستقرار التى تضرب المنطقة لإشعال الفتنة بين البلدين ومحاولة تصدير مفاهيم مغلوطة واللعب فى بعض المناطق الخطرة من العلاقات بين الدول الشقيقة وهو ما يجعلنا نتوقف عند بعض تلك التحركات الخبيثة والمفاهيم التى تحاول قوى الشر أن تدخل من خلالها لضرب ثقة المواطن فى قواته المسلحة من جانب والوقيعة بين الشعبين الشقيقين من جانب آخر.
ولكى تكون الصورة أكثر وضوحا فعلينا أن ندرك أن مصر لا تقبل يوما أن تكون معتدية أو معتدى عليها، فهى تمتلك جيشا قويا يؤمن ولا يعتدى، يحافظ على الأوطان.
ولأن مصر و السودان تربطهما علاقات قوية فالقوات المصرية المتواجدة فى السودان تأتى فى إطار التدريبات المشتركة بين البلدين ووفق اتفاقية بين الدولتين تم توقيعها فى مارس عام 2021 خلال اجتماع اللجنة العسكرية المصرية السودانية بالخرطوم والذى يأتى فى إطار الاجتماع السنوى للجنة.
وتعد التدريبات المشتركة أحد أوجه التعاون بين مصر والأشقاء العرب، وبينها وبين الدول الصديقة، لما لها من دور مهم فى نقل وتبادل الخبرات وتوحيد المفاهيم.
وقد شهد التعاون بين مصر و السودان فى المجال العسكرى عددا من التدريبات المشتركة منها «حماة النيل» والتى ضمت وحدات من القوات البرية من الدولتين وقوات الدفاع الجوى والقوات الجوية.
وكانت قد سبقها التدريب الجوى المشترك نسور النيل 1 وفى أكتوبر 2021 تم التدريب المشترك حارس الجنوب 1 وخلال شهر ديسمبر من العام الماضى كانت الدورة الثانية للتدريب المشترك «حارس الجنوب» والذى استخدمت فيه أحدث المعدات والأساليب المتطورة فى التدريب والتسليح لمكافحة التهريب وتامين الحدود.
ضم التدريب وحدات حرس الحدود من الدولتين ووحدات من المشاة وخلال شهر مارس كانت التدريبات المشتركة «نسور النيل 2» بقاعدة «مروي» الجوية السودانية والتى ضمت عناصر من القوات الجوية وقوات الصاعقة المصرية والسودانية.
واستهدف التدريب إجراءات التلقين وأسلوب تنظيم التعاون لتوحيد المفاهيم وصقل المهارات لإدارة العمليات الجوية المشتركة بكفاءة عالية.
وهو ما يتضح معه نوع المهمة التى تقوم بها عناصر القوات الجوية والصاعقة فى قاعدة مروي.
إن الأحداث فى السودان تستوجب من الجميع أن يصطف لا ليقوم بالاندفاع فى معركة نفسية تديرها قوى الشر تستهدف القذف ب السودان الشقيق فى اتون الفوضى وهو ما ندعو الله أن يسلمها منه.
كما يستوجب علينا أيضا الثقة فى إدارة القيادة المصرية للملفات الداخلية والخارجية بحكمة واقتدار ليكون دائما القرار المناسب فى الوقت المناسب.
وسيظل جيش مصر هو درع الوطن وسيفه وحامى مقدراته.
مائدة العريش
المائدة الرمضانية التى امتدت لأكثر من 5 كيلو مترات على شاطئ العريش الأسبوع الأخير من رمضان كانت أكبر رسالة إلى العالم لتؤكد أن هذا الوطن له درع وسيف وأن تضحيات الأبطال كانت ثمارها هو الأمن والاستقرار.