​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: 45 دقيقة مع أولبرايت

​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: 45 دقيقة مع أولبرايت​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: 45 دقيقة مع أولبرايت

*سلايد رئيسى30-5-2018 | 22:58

العالم يتطور سريعاً، و يتغير باستمرار، وعلينا أن نكون على أهبة الاستعداد، لمواكبة تلك التغيرات والتطورات، مع الحفاظ على الهوية المصرية، بسماتها وتقاليدها وأعرافها. في الماضي كانت قيادات وحكومات الدول تعتمد على وجود مستشارين، في كافة التخصصات، للرد على أية استفسارات، وتقديم المقترحات والحلول بشأن أية مشكلات. إلا أنه خلال العقود الخمس الماضية، ظهرت مفاهيم جديدة، وتبلورت في شكل جديد، وهو ما يعرف باسم مراكز الدراسات الاستراتيجية، التي تعتمد على جمع المعلومات والمواد العلمية، باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية، ثم تحليلها ورصد اتجاهاتها بدقة، للخروج منها بالحلول، والسيناريوهات المحتملة.

ومع هذا التطور، اتضح انحياز بعض هذه المراكز لآراء فكرية معينة، أو إلى اتجاهات مدفوعة الأجر، مما أفقدها مصداقيتها. في حين حافظ البعض الآخر على ثقل وزنه في الأوساط العالمية، ولعل أهمها The International Institute for Strategic Studies (IISS)، في لندن، والذي يعد أهم المراكز، التي يعتمد عليها معظم المفكرين الاستراتيجيين، والباحثين في مجالات الأمن القومي حول العالم.

ومنذ سنوات ظهر إلى السطح شكل متطور من هذه المراكز، وهو ما يطلق عليه مصطلح “Think Tanks”، وهو عبارة عن مجموعة من الخبراء العاملين على تطوير الأفكار حول موضوع معين وتقديم اقتراحات عملية بشأنه. وعادة ما تتبع هذه المجموعات رئاسات الدول وحكوماتها، ومنها من يتبع وزارات سيادية مثل الدفاع والخارجية والاستخبارات، ولا يقتصر عمل تلك المجموعات على الدول فقط، وإنما منها من يتبع الكيانات الاقتصادية الخاصة.

لقد قمت في عام 2014، بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تم خلالها الإعداد للقاء عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي، وتمت اللقاءات بالفعل مع نحو عشرة، كان منهم على سبيل المثال من النواب الجمهوريون دانكن هانتر، جو ويلسون، وكاي جرانجر، ومن النواب الديمقراطيون دوتش روبرسبرجر. كما طلبت عقد لقاء مع أحد مجموعات “Think Tanks” في واشنطن، سواء تلك التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، أو التابعة لوزارة الخارجية، أو التابعة لوزارة الدفاع (البنتاجون)، أو مجموعة البيت الأبيض الخاصة بالرئيس أوباما. وكانت المفاجأة في تحديد موعد مع مجموعة الرئيس الأمريكي أوباما، لمدة ساعة ونصف الساعة، يخصص نصف الوقت لزيارة المبنى والتعرف على مكوناته، والنصف الآخر للقاء المجموعة برئاسة السيدة مادلين أولبرايت، وزير الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

وبدأت زيارتي للمبنى المكون من خمسة طوابق، في أهم شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن، خصص أربعة منها لمتابعة كل ما يجري في مناطق الصراع في العالم، وخصص الطابق الأول للإدارة وقاعات الاجتماعات. قضيت 30 دقيقة، من الجزء الأول من الزيارة، في الطابق المعني بدراسة أحوال الشرق الأوسط، المكون من ثلاثة أقسام؛ الأول لجمع كافة الأخبار المقروءة والمسموعة والمرئية، عن هذه المنطقة من العالم، وعلى شاشات عملاقة، يتم مشاهدة كل ما يصدر من إعلام الشرق الاوسط، والبرامج المختلفة، والإذاعات، والصحف، حتى التعليقات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة. فور جمع هذه البيانات في القسم الأول، يتم تسليمها إلى القسم الثاني، المعني بتصنيفها، وفقاً لمحتواها، سواء سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو عسكرية، ولأول مره يظهر الإرهاب كجزء منفصل عن القسم العسكري. أما القسم الثالث، والأخير، فمهمته تحليل تلك البيانات المجمعة، ورصد اتجاهاتها. وفي حين اطلعت على بيانات عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، فلم يُسمح لي، بالطبع، بالإطلاع على القسم الخاص بإسرائيل، وفقاً للتعليمات الأبدية، في كل أجهزة الإدارة الأمريكية، ألا يطلع مسؤول مصري على ما يخص الشأن الإسرائيلي.

وحان موعد لقاء السيدة مادلين أولبرايت، الذي بدأ بتقديم أعضاء المجموعة وعددهم 17 فرداً، من مختلف المجالات، منهم الخبراء العسكريين، وخبراء الأمن القومي، والسياسيين وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور علم النفس بينهم. بعد التقديم أضافت السيدة أولبرايت بأنها ستتحدث لمدة 15 دقيقة، وسأتحدث أنا لمدة 15 دقيقة أخرى، وتخصص 15 دقيقة الأخيرة للنقاش مع باقي الأعضاء. وبدأت حديثها بأن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بأهم موضوعان يخصان السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة اللاحقة، واللذان ستتخذ الولايات المتحدة عدداً من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث في البلقان من روسيا تجاه شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، أما الثاني فكان سؤالاً مباشراً من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث في مصر تحديداً، "هل كان انقلاباً عسكرياً، قام به الرئيس السيسي لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟" مضيفة بأن اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، سيكون له تبعات خطيرة طبقاً للدستور الأمريكي.

واستطردت قائلة، بأنها اطلعت، أولاً، على الورقة البحثية التي قدمها الرئيس السيسي، عندما كان طالباً، في الولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديموقراطية في دول العالم الثالث. ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسي، بعد توليه الحكم، برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذي تأخر لأكثر من 40 عاماً، خوفا من المظاهرات أو الاعتراضات الجماهيرية، مما أكد لها أنه “Reformer”، أي إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادماً على رأس انقلاباً عسكرياً، لفعل ما يفعله الانقلابيون بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية. والأهم من ذلك أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، مما أكد لها، وللمجموعة، أن ما حدث في مصر ثورة شعبية انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته، لاحقاً، في تقريرها النهائي للرئيس أوباما.

عندما حان دوري في الكلام، كنت قد أيقنت بأن هذه المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفاداها أنه حتى في أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب، خلال فترة رئاسته الأولى، بقرارات شعبية، تضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ فيها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم، أما الرئيس السيسي فيهدف إلى الإصلاح، منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب في صالح البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها في المدى القصير.

تخطت المناقشة الوقت المقرر لها، ولكن خرجت منها وأنا على يقين بأن هذه المجموعة على علم بكل ما يحدث في مصر، وأنها وافقت بالإجماع على أن ما حدث في مصر ثورة شعبية.

أضف تعليق

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا