لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: من فرانكفورت إلى الأقصر

لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: من فرانكفورت إلى الأقصرلواء دكتور/ سمير فرج يكتب: من فرانكفورت إلى الأقصر

*سلايد رئيسى14-6-2018 | 00:24

أنا، في الحقيقة، لا أهوى السفر بالطائرات، خاصة في الرحلات البعيدة، التي تظل خلالها حبيس الطائرة لساعات طويلة، ليس أمامك الكثير لفعله سوى مشاهدة الأفلام أو القراءة، وإن كان صديقي الدكتور محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، ووزير الاستثمار الأسبق، قد علمني ما يخفف عني وعثاء السفر، وهو أن تنسخ لك كتاب أو اثنين، مما تستطيع تحميلهما من المكتبات الإلكترونية، على شبكة الإنترنت، وما أن تدخل الطائرة، حتى تضع "الفلاشة" على الشاشة التي أمامك، وتبدأ في قراءة الكتاب، أو حتى الاثنين، وقد يتخللهم فيلماً، حتى تنقضي الرحلة الطويلة.

على أية حال، فأنا لا أركب الطائرة إلا مضطراً، وفي غير الظروف الإضطرارية، إذا ما أتيح لي السفر داخل البلاد، فتبقى القطارات، دائماً، أمتع، وأجمل، وأرقى وسائل السفر الداخلية بالنسبة لي، عدا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتباعد المسافات بين ولاياتها، إلا في القليل منهان مما يجعل السفر بالطائرة أقل مشقة. و في كل عام، خلال رحلتي الصيفية، كنت أبدأ بمعشوقتي باريس بالطائرة، ومنها إلى ما تيسر لي من أوروبا بالقطار. كانت أمتع تلك الرحلات، تلك التي أقطعها من باريس إلى فرانكفورت في ألمانيا، فبالإضافة إلى الانضباط، والنظافة، والرفاهية المتوفرة في معظم خطوط السكك الحديدية في أوروبا، فيضاف إلى تلك المناظر الرائعة التي تشاهدها مروراً على الريف الفرنسي، قبل أن تعبر الريف الألماني؛ فلكل منهما رونقه وجماله وطريقته في الحياة. وبالرغم من أنني كنت أكرر تلك الرحلة كل عام، تقريباً، إلا أنني لم أمل يوماً من هذه المناظر، بل أنني كنت أستمتع بها كل مرة عن سابقتها.

كانت أول تجربة لي مع هذه الرحلة، منذ سنوات كثيرة، لم يكن في تلك الأيام رفاهية حجز الفندق المناسب قبل سفرك، من خلال الإنترنت، فاعتمدت على طريقتي المفضلة في سفرياتي، وهي الاستكشاف باستخدام الخريطة الورقية. ونزلت في محطة قطار فرانكفورت، ساحباً حقيبتي، ولا أعلم وجهتي بعد، وتجولت في المحطة قليلاً، حتى لمحت علامة (I)، وهي اختصار لكلمة (Information)، أي الاستعلامات. فتوجهت إلى ذلك المبنى البسيط في مظهره، العامر بما فيه من معلومات، بدءاً من اسماء الفنادق بدرجاتها المختلفة، والأسعار، والتخفيض الخاص لأنك حجزت من ذلك المركز التابع للحكومة، واسماء المستشفيات القريبة، والصيدليات، وتوقيتات أتوبيسات النقل العام، والرحلاتن والأماكن السياحية، والجولات السياحية بالمدينة، والمسارح والسينما وعروضهما. وخرجت من هذا المكان بعد ساعة كاملة، وقد حجزت غرفة فندقية، ووضعت جدولاً لجولاتي خلال الأيام التالية.

ومرت الأيام والسنوات، وأصبحت محافظاً للأقصر، وتذكرت مركز الاستعلامات في فرانكفورت، وخدماته. وعلى الفور، وأمام محطة القطار كان هناك مبنى قديم، وأسفله قهوة، لن أصفها، يجلس عليها من ينتظر القطار، فقمت بإزالة المبنى، وأقمت مكانه أجمل وأرقى مركز استعلامات سياحي في جمهورية مصر العربية. كان هذا المركز ثمرة التعاون مع المهندس أيمن عاشور، استشاري الأقصر آنذاك، وعميد كلية الهندسة بجامعة عين شمس حالياً؛ اجتمعنا سوياً ومعنا المسئولين والمتخصصين، وتم تخطيط ورسم هذا المبنى، وكأنه صورة من مبنى الاستعلامات الألماني، وتم تزويده بالخصائص والمميزات الإلكترونية المواكبة للعصر، ليخدم أبناء الأقصر والسائحين فيها على حد سواء. فعلى شاشات هناك، تستطيع أن تتعرف على جميع فنادق المدينة، وتتصفح صورها، وتقوم بجولة افتراضية داخل كل منها، وتحجز الغرفة المناسبة من خلال هذا المركز، كما يمكنك التعرف على جميع المزارات السياحية وأوقات عملها، ورسوم الدخول، وحجز كل التذاكر المطلوبة، وفقاً لجدولك. كما يمكنك من خلال هذا المركز، حجز تذاكر الطائرات والقطارات والبواخر النيلية. وفي الدور الثالث من مركز الاستعلامات، كان هناك مطعماً راقياً يليق بمدينة الأقصر ومكانتها.

أستطيع القول، بأننا بدأنا، في هذا المركز، من حيث أنتهى الألمان، فبرمجنا جميع أجهزته إلى أربعة لغات هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية، وأضفنا إليه اللمسات المصرية سواء من ناحية التصميم الخارجي أو الداخلي. وسرعان ما أصبح هذا المركز هو الوجهة الأولى للسياح الوافدين إلى الأقصر، للتعرف على كل ما يريده في الأقصر، سواء الجولات السياحية، أو الثقافية، أو الترفيهية. ولم يمض ستة أشهر، حتى كان هناك تمثيل لأربعة شركات طيران عالمية، داخل المركز، يمكنك من خلالهم حجز تذاكرك، اثنان منهم من شركات الطيران بدول الخليج العربي، لخدمة العاملين من صعيد مصر في دول الخليج.

وهكذا اصبح مركز الاستعلامات بمدينة الأقصر، من أشهر وأكفأ المراكز في مصر، بل وأزيد بأن ليس له مثيل، واليوم عندما تخرج من محطة الأقصر، درة محطات سكك حديد مصر، بعد تطويرها وتجديدها وتصميمها على الطراز الفرعوني، تجد أمامك هذا الصرح الكبير الذي تشعر بالفخر لوجوده، ولكن تذكر أن هذا الصرح ألماني الهوية، ومصري التنفيذ، وهذه أحد قواعد السفر للخارج؛ أن تتعلم شيئاً جديداً، لتفيد به بلادك عند العودة، أياً كان موقعك.

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2