​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: ليلة بكى فيها حفيدي

​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: ليلة بكى فيها حفيدي​​لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: ليلة بكى فيها حفيدي

*سلايد رئيسى27-6-2018 | 23:12

لم يلبث الحكم الكولومبي يطلق صافرة نهاية مباراة مصر والسعودية، في كأس العالم، إلا وعم الحزن والغضب على كل المصريين. سجلنا ليلة، أخرى، سوداء في تاريخ الرياضة المصرية عامة، وكرة القدم خاصة.

بعدها بدقائق تلقيت مكالمة هاتفية من ابنتي تقول لي أن ابنها الصغير، أحمد، قد دخل في نوبة شديدة من البكاء حتى أنها، ووالده، عاجزان عن تهدئته، ولا يردد سوى "مصر اتغلبت يا ماما". مرت نصف ساعة، قبل أن تهاتفني مرة أخرى، وهي تصرخ "بابا الواد هيروح مني ... بيعيط متواصل لحد دلوقت"، وفتحت خاصية الفيديو على التليفون المحمول، فرأيت حفيدي، ذو الأعوام التسع، منهاراً تماماً ولا يكف عن البكاء والنحيب. استمر الوضع يزداد سوءاً، حتى اتصلت ابنتي بطبيب، جار له، فتفضل مشكوراً، بالحضور على الفور، وأعطى الطفل حقنة مهدئة، ونام حفيدي الحبيب، بعد ساعة ونصف من البكاء الهيستيري ... لأن "مصر اتغلبت يا ماما" ... وحمدنا الله على رحمة الله، سبحانه وتعالى، ولطفه بنا.

لم يكن حفيدي، أحمد، من نام مهموماًى ومقهوراً، في تلك الليلة، بل كان ذلك حال جميع المصريين، وليس، فقط، عاشقي كرة القدم منهم. فتلك المصيبة الكروية ستظل نقطة سوداء في تاريخ مصر الرياضي علي مر الزمان. وأتوقع أن نرى السيناريو المعتاد، والذي بدأت سطوره الأولى تُنسج على مدار اليومين الماضيين، بأن يقوم البرلمان بتقديم استجواب لوزير الشباب والرياضة، للوقوف على أسباب الهزيمة والصورة المخزية التي ظهر بها المنتخب المصري لكرة القدم، في أهم حدث رياضي على مستوى العالم ... وستسارع برامج التوك شو، كل ليلة، في استضافة كل مدعي الخبرة، لتحليل ذات الهزيمة ... وستتبارى الأقلام الرياضية، وغير الرياضية، في سرد مقالات تعبر عن وجهات نظر أصحابها ... وسيتقدم عدد، لا بأس به، من المحاميين برفع القضايا ضد اتحاد الكرة، بشأن "صفر روسيا"، وللتحقق من صحة ما تداولته وسائل الإعلام عن المجاملات في سفر الاتحاد، ومن سافر ومن تم منعه، فلجأ للتهديد بفضح الاتحاد، فإذا به يسافر، فلا نعلم لما مُنع، ولم سافر. وللتحقق من بيع تذاكر المباريات الخاصة بأسر اللاعبين في السوق السوداء، وأسباب إقامة المنخب القومي في الشيشان، وحقيقة سفر الفنانين، وإقامتهم في مقر إقامة المنتخب، على نفقة إحدى الشركات المملوكة جزئياً للدولة، وما الجدوى التسويقية أو المالية من سفر هؤلاء الفنانين، في ظل ما تحققه تلك الشركة من خسائر. وسيخرج علينا الأخ علاء الأسواني، وغيره، لإلقاء اللوم على سياسة الدولة، والتي كانت سبباً في الهزيمة.

وبينما تظل كل تلك التساؤلات مشروعة، وتستلزم الشفافية في الرد عليها، ومحاسبة جميع المسئولين عن تلك الفضيحة، إلا أنها تظل سيناريو متكرر، في كل أزمة تمر بها مصر، ومعظم دول العالم العربي، إن لم يكن جميعهم.

تذكرت مقالاً مطولاً كتبته في جريدة الأهرام، بتاريخ 15 ديسمبر 2017، تحت عنوان "كيف تم اتخاذ قرار القدس في البيت الأبيض؟"، تخيلت فيه كواليس ليلة اتخاذ الرئيس ترامب قراره بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، حيث صورت الرئيس الأمريكي جالساً في مكتبه البيضاوي، في البيت الأبيض، ومعه وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية، آنذاك، ريكس تيلرسون، ورئيس أركان الجيش الأمريكي جو دانفورد، ورئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA مايك بومبيو، الذي أصبح وزيراً للخارجية حالياً، ومستشار الرئيس للأمن القومي هيربرت ماكمستر، وبالطبع، بحضور نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ​صورت الرئيس ترامب يعرض القرار على الحاضرين، فاعترض بشدة وزير الخارجية، آنذاك، تيلرسون، قائلاً بأن حساب رد فعل العالم العربي، بشأن مثل ذلك القرار، لا يمكن إغفاله، فرد الرئيس ترامب قائلاً "يا عزيزي أنت تفهم في البترول فقط، ولكني سأطلعك على رد الفعل المنتظر"، ووجه الكلمة لمستشار الأمن القومي، الذي توقع أن معظم الحكومات العربية ستدين ذلك القرار، وسيتظاهر البعض من شعوبها ضده، وستتصدر الإدانة جميع منشيتات الصحف العربية، وستتناوله جميع برامج التوك شو في كل البرامج العربية للتنديد بالولايات المتحدة، ومساندتها لإسرائي. أما في داخل غزة والقطاع فستبدأ المظاهرات والهتافات وحرق العلم الإسرائيلي، وقصف جنود إسرائيل بالحجارة، وهو ما اعتادت إسرائيل على التعامل معه، وإذا تجرأت أي جهة بإطلاق صواريخها على المستعمرات الإسرائيلية، فإن الرد الإسرائيلي سيكون قاسياً، مؤكداً أن كل ذلك لن يطول لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير، فالدول العربية لا تحتاج لأطول من تلك المدة لتفريغ شحنات الاحتجاج والنقد، وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها.

تذكرت ذلك المقال في الصباح، بينما اطمئن على حال حفيدي الصغير، أحمد، وتساءلت إن كان أحمد قد نام بفعل المهدئ، فمن يعطي ملايين المصريين حقن التهدئة؟ وأتنبأ، ولا أتمنى، أن ينتهي النقاش حول تلك الفضيحة، في غضون ثلاثة أسابيع، دون حساب حقيقي، والاكتفاء بتسليم كبش فداء. بل وسوف ننساها تماماً بنهاية شهر يوليو، لنبدأ في مناقشة مباريات الدوري القادمة بجمهور أو بدون جمهور، ونناقش تنقلات اللاعبين الذين أصابوا مصر بالعار، وقصة النادي الذي اشتراه رجل الأعمال السعودي، لتعود الحياة إلى طبيعتها في بلدنا الحبيبز

لكني تعلمت ألا أدع حفيدي يشاهد مباراة لمنتخب مصر مرة أخرى، لأن دموعه أثمن ممن ألحقوا العار بمصر في هذه المباريات .. لك الله يا مصر.

    أضف تعليق

    تدمير المجتمعات من الداخل

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2