ما إن أعلن سيريل رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، الخميس الماضي خلال انعقاد قمة مجموعة «البريكس» المنعقدة فى جوهانسبرج انضمام مصر وعدد 5 دول أخرى إلى المجموعة الاقتصادية الواعدة، حتى طرح البعض على السوشيال ميديا تساؤلاً.. ماذا تستفيد مصر من الانضمام للمجموعة الاقتصادية «البريكس»؟!
في الوقت ذاته تفاعل المصريون بشكل كبير على مواقع التواصل ابتهاجًا بالإعلان عن انضمام مصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عضوًا دائمًا فى ذلك التجمع الاقتصادي الواعد بدءًا من يناير المقبل.
على الجانب الآخر، حاول البعض التقليل من قيمة الحدث متسائلاً عن جدوى القرار.. ومدى تأثيره على الأوضاع الاقتصادية فى مصر، وأيضًا تأثيره على المواطن المصري على المدى القريب.
تلك الحالة سرعان ما قفزت عليها مجموعات الحرب النفسية من جانب قوى الشر وداعميها المستهدفين للشعب المصري، خلال الفترة الحالية، وبشكل منظم.
بدأت صفحات الكتائب الإلكترونية مواجهة حالة الرضا الجمعي لدى المصريين عن تحقق هذا الإنجاز للتقليل من جدوى الإنجاز إما باستخدام صيغ التهكم أو التسطيح خلال التدوينات المنشورة لهم، أو التشويش على كل من يحاول مواجهة تلك المجموعات وتوضيح الصورة الحقيقية لأهمية الإعلان فى ذلك التوقيت عن انضمام مصر للتجمع الاقتصادي الواعد وتوضيح تفاصيل ما حدث، خاصة أنه لم يأت صدفة؛ ولم يكن نتاج رغبة لدى الدولة المصرية فقط فى الانضمام لإحدى أهم المجموعات الاقتصادية التي ستسيطر فى القريب على 50% من حجم الناتج المحلي العالمي 2030.
لكنه جاء نتيجة متابعة ومراقبة من قبل المجموعة الاقتصادية لما حققته مصر خلال السنوات التسع الماضية ورؤيتها للمستقبل وقدرتها على تنفيذ تلك الرؤية وقدرة الاقتصاد المصري على التعافى ومواجهة الأزمات وزيادة حجم التعاون الاقتصادي بين مصر والدول الخمس المؤسسة لمجموعة «البريكس».
لقد استطاعت مصر خلال الفترة الماضية أن تقدم رؤية على أرض الواقع لتعاون يستهدف خلق حالة تنمية حقيقية داخل دول ما يسمى بدول الجنوب.
ودعونا نتوقف عند بعض النقاط المهمة فى ذلك القرار الذي اتخذته المجموعة «البريكس» بشأن ضم الدول الست الجديدة من بينها مصر إليها؛ لنتعرف على الرسالة والدلالات لهذا القرار.
فبعيدًا عن التفاؤل المبالغ فيه بشأن القرار أو التشاؤم الذي يحاول البعض تصديره مبنيًا على معلومات غير مدققة، علينا أن ندرك أن العالم لم يعد يقبل استمرار سيطرة القطب الأوحد، وأن هناك تغيرًا واضحًا على مستوى العالم باتجاه تعدد الأقطاب لتحقيق العدالة.
(1)
ففي 2001 صاغ فكرة مجموعة «بريكس» كبير الاقتصاديين فى بنك جولدمان ساكس، جيم أونيل، فى دراسة بعنوان «بناء اقتصادات عالمية أفضل لدول بريكس».
كان «أونيل» استخدم فى البداية مصطلح «بريك» لوصف «الأسواق الناشئة» فى البرازيل وروسيا والهند والصين.
خلال تلك الفترة وحتى عام 2008، كانت اقتصاديات الدول الأربع المؤسسة (الصين، روسيا، الهند، والبرازيل) قد ارتفعت حصتها فى الناتج العالمي بسرعة، من 16 بالمائة إلى 22 بالمائة، وكان أداء اقتصاداتها أفضل من المتوسط أثناء وبعد فترة الركود العالمي التي ضربت العالم فى 2008.
وفى عام 2011 انضمت إلى التجمع، جنوب إفريقيا فى القمة الثالثة للتجمع.
وبحسب البيانات الصادرة عن البنك الدولي بلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 25.8 تريليون دولار ما يوازي 25.6% من الناتج المحلي على مستوى العالم.
وتسيطر مجموعة بريكس على 17 بالمائة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
تسيطر دول بريكس الحالية على 27 بالمائة من مساحة اليابسة فى العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلو متر مربع.
يبلغ عدد سكان التحالف 3.2 مليار نسمة ما يعادل نحو 42 بالمائة من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع، نحو 800 مليون نسمة.
ومع دخول الأعضاء الجدد إلى مجموعة بريكس يمكن أن تنمو مساحة التحالف بمقدار 10 ملايين كيلو متر مربع، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة.
كما تضم المجموعة كذلك، ثلاث قوى نووية هي: روسيا، الصين، الهند، وأربعة من أقوى جيوش العالم، بصدارة الصين والهند وروسيا.
وتشير بيانات صندوق النقد الدولي، إلى أن حجم اقتصاد الصين، يفوق 6 اقتصادات من مجموعة (G7)، وهي ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة.
فى عام 2014، أطلقت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد (NDB) برأس مال أولي قدره 100 مليار دولار؛ والذي انضمت إليه مصر فى مارس الماضي، ليعمل كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يوفر التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.
كما أنشأت دول بريكس ترتيب احتياطي الطوارئ (CRA)، وهي آلية سيولة مصممة لدعم الدول الأعضاء التي تواجه صعوبات فى الدفع، ويعد منافسًا لصندوق النقد الدولي.
وتُظهر هذه المبادرات، نية التكتل، فى إنشاء مؤسسات تمثل مصالح الاقتصادات الناشئة، وتوفر بديلاً للمؤسسات المالية العالمية الحالية.
وهنا تكمن الرسالة أن تكتل بمثل هذه القوة الاقتصادية يعد الانضمام إليه إنجازًا كبيرًا فى ظل حرص العديد من دول العالم على الانضمام إليه والاستفادة من قدراته كسوق واعدة لمنتجات الدول الأعضاء أو كشريك قوي قادر على تقديم الدعم.
كما أن قبول عضوية مصر لم يأت من فراغ فهناك دول أخرى كانت قد تقدمت للتحالف للانضمام لعضويته إلا أن طلباتها تم إرجاؤها، لمرحلة مقبلة، فى ظل حرص التكتل على التوسع لمواجهة حالة الاستحواذ والهيمنة من قبل الغرب.
(2)
كما أن لهذا القرار مجموعة من الدلالات:
ثقة دول التكتل فى قدرة الدولة المصرية على مواصلة النمو كأحد الاقتصاديات الناشئة والقادرة على التطور ومواجهة التحديات.
تحرص دول التجمع (البريكس) على كسر هيمنة الدولار فى مواجهة العملات المحلية، من خلال العمل على زيادة حجم التبادل التجاري بين دول ال بريكس بالعملات المحلية مما سيسهم فى تخفيف أزمة الدولار على الاقتصاد المصري، مع زيادة التبادل التجاري والاتجاه نحو التسوية بالعملات المحلية، كما يسهم فى فتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة، ويتيح خفض تكلفة التحويلات، بجانب تيسير فرص الحصول على تمويلات ومزايا تجارية واستثمارية.
بحسب شركة الاستشارات البريطانية Acorn Macro Consulting، فإن مجموعة بريكس تعد أكثر تطورًا صناعيًا من مجموعة السبع الكبار، وهو ما يؤكد أن قوة أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على كتلة اقتصادية عالمية مهمة وبالتالي نفوذ عالمي جديد، الأمر الذي سيجعل مصر قادرة خلال الفترة المقبلة على النجاح فى تحقيق أحد أهم الأهداف لرؤيتها الاقتصادية وهو توطين الصناعة من خلال التعاون مع دول المجموعة، وقد كانت هناك خطوات تحققت على الأرض خلال الفترة الماضية هو قياد كل من الصين وروسيا بتنفيذ مدن صناعية خاصة بهما فى منطقة شرق بورسعيد ومحور قناة السويس.
إن انضمام مصر لل بريكس سيؤثر إيجابيًا على القطاع السياحي المصري خلال الفترة المقبلة؛ من خلال زيادة الوفود السياحية من الدول الأعضاء نتيجة للتسهيلات المقترحة من المجموعة لزيادة التبادل السياحي.
رغم أن الصين ليست داعمة للفكرة حتى الآن؛ إلا أن التجمع الاقتصادي يطمح إلى إطلاق عملة مشتركة بين الأعضاء تنافس الدولار وتضغط روسيا بقوة فى سبيل تنفيذ هذا المقترح الذي من شأنه أن ينعش الاقتصاد المصري ويخفف من وطأة الدولار عليه، كما يساعد روسيا على تفادي بعض العقوبات الاقتصادية والسياسية التي يفرضها الغرب.
إن مراهنات قوى الشر على استخدام أزمة الدولار لضرب الاقتصاد المصري ووقف طموح الدولة فى التنمية ستبوء بالفشل وستصبح بالفعل أزمة الدولار قريبًا من أزمات الماضي، وستستكمل الدولة المصرية استراتيجيتها المستهدفة نحو تحقيق حجم نمو للناتج المحلي.
إن العالم يشهد الآن إعادة هيكلة لمراكز قواه وتحوله من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، و مصر فى قلب هذا التحول.
إن الهيمنة الغربية على العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ستنتهي خلال عدة أعوام فى ظل تشكل تكتل اقتصادي وسياسي جديد ينافس التكتل الأمريكي الأوروبي.
لكن ما سبق يستوجب منا جميعًا العمل وزيادة الإنتاج خلال الفترة القادمة من أجل زيادة حجم الصادرات فى ظل سوق واعدة تفتح أبوابها أمام المنتجات المصرية، وعلينا أن نحرص على تقديم منتج قادر على المنافسة من حيث الجودة والسعر، وهو ما سيجعل من انضمام مصر لل بريكس بوابة للانتقال بالاقتصاد المصري إلى مصاف الدول الكبرى