وسط انقسامات عميقة يشهدها الاتحاد الأوروبى بشأن عدد من الملفات، تظل قضية الهجرة غير الشرعية واحدة من أكثر القضايا الخلافية بين دول التكتل الـ 27، خاصة بين دول شرق أوروبا وغربها، وعلى الرغم من نجاح الدول الأعضاء فى التوصل أخيرًا إلى اتفاق على سياسة جديدة للهجرة، إلا أن الاتحاد لا يزال منقسمًا بين الدول التى تدعم مبادرات بروكسل لتوزيع المهاجرين بين الدول الأعضاء فى إطار التضامن فيما بينها، وتلك التى تعتبر تدفق المهاجرين يشكل تهديدًا عليها، حتى وإن كانت معارضتهم رمزية لا تستطيع عرقلة الاتفاق الجديد للهجرة، إلا أنها تعكس الانقسام داخل التكتل الأوروبى.
وتمكن سفراء دول الاتحاد الأوروبى خلال اجتماعهم فى الرابع من أكتوبر الحالى فى بروكسل، من الاتفاق حول نص رئيسى لإصلاح سياسة الهجرة فى أوروبا.
ويركز النص، الذى يشكل الآن أساس المفاوضات مع البرلمان الأوروبى لاعتماده قبل الانتخابات الأوروبية المقررة فى يونيو 2024، على تنسيق استجابة مشتركة فى حال تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبى، كما حدث أثناء أزمة اللاجئين 2015- 2016.
ويسمح النص خاصة بتمديد مدة احتجاز المهاجرين على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى لما قد يصل إلى 40 أسبوعا، بينما تتم دراسة طلباتهم للجوء. كما يسمح بإجراء دراسة لطلبات اللجوء بشكل أسرع ومبسط لعدد أكبر من الوافدين (للقادمين من بلدان معدل قبول طلباتهم أقل من 75 بالمائة)، للتمكن من إعادتهم بسهولة أكبر.
ويسمح الاتفاق الجديد أيضًا بتفعيل سريع لآليات التضامن بين الدول الأعضاء فى رعاية اللاجئين، ولا سيما بإعادة توطين طالبى اللجوء أو المساهمة المالية.
وكان النص، وهو الجزء الأخير من «ميثاق اللجوء والهجرة» الأوروبى، واجه اعتراضات من ألمانيا لعدة أشهر، لأسباب إنسانية. وتم التوصل أخيرًا إلى توافق خلال اجتماع وزراء الداخلية فى نهاية سبتمبر، ما جعل من الممكن الحصول على موافقة برلين، لكن إيطاليا أعربت بعد ذلك عن عدم موافقتها. وتركز الرفض الإيطالى على دور السفن التابعة للمنظمات غير الحكومية فى إنقاذ المهاجرين، بحسب تصريحات دبلوماسيين لـ «فرانس 24»، حيث تعتبرها روما «عامل جذب» للمزيد من المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية، وتتهم روما ألمانيا بتمويل العديد من هذه المنظمات والتى ترفع بعض سفنها العلم الألمانى. وطالبت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلونى بأن تقوم المنظمات غير الحكومية التى تنقذ المهاجرين فى المتوسط، بإنزالهم فى البلدان التى ترفع أعلامها على السفن التى تستخدمها، خصوصًا العلم الألمانى، فى حين دافعت برلين عن المنظمات غير الحكومية، معتبرة أن إنقاذ الأرواح فى البحر واجب قانونى وإنسانى وأخلاقى.
وأخيرًا حظى التوافق الذى تم تبنيه فى الرابع من أكتوبر بدعم كل من إيطاليا وألمانيا. ووصف المستشار الألمانى، أولاف شولتز، اتفاق الهجرة بأنه «منعطف تاريخى». وكتب على منصة «أكس» أن الاتفاق «سيحد بشكل فعال من الهجرة غير النظامية فى أوروبا وسيخفف بشكل دائم العبء عن دول مثل ألمانيا».
وعلى الرغم من ذلك، فإن معارضة بعض دول الاتحاد للسياسة الجديدة، وإن كانت رمزية لا تؤثر على الاتفاق، إلا أنها أظهرت عمق الانقسام داخل التكتل الأوروبى، حيث امتنعت كل من النمسا وسلوفاكيا وتشيكيا عن التصويت، وعارضته بولندا والمجر، وبدت معارضتهما واضحة خلال قمة المجلس الأوروبى غير الرسمية فى 6 أكتوبر فى غرناطة بجنوب إسبانيا، حيث منعت الدولتان تبنى إعلان مشترك حول الهجرة فى ختام القمة.
وطالما رفضت بولندا والمجر استقبال طالبى اللجوء الذين دخلوا دولًا أخرى أعضاء فى الاتحاد الأوروبى. ويتهم وزير الخارجية المجرى بيتر زيجارتو بروكسل بالتصرف وكأنها مغناطيس للمهاجرين غير الشرعيين.
وتزايدت الضغوط من أجل التوصل إلى اتفاق للهجرة بين دول الاتحاد الأوروبى، بسبب الارتفاع الحاد فى عدد اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا هذا العام، حيث وصل ما يقرب من 190 ألف شخص إلى شواطئ جنوب أوروبا، بما فى ذلك 133 ألف شخص فى إيطاليا، بزيادة قدرها 83٪ مقارنة بالعام الماضى، فيما نزل الباقون فى اليونان وإسبانيا وقبرص ومالطا، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، بينما يعتقد أن 2500 شخص على الأقل لقوا حتفهم بين يناير و24 سبتمبر، أثناء عبور البحر المتوسط، فى زيادة كبيرة عن 1680 شخصًا قتلوا أو فقدوا خلال الفترة نفسها من عام 2022.
وليس البحر الأبيض المتوسط فقط هو الذى يشهد ارتفاعا فى عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبى، حيث تقول سلوفاكيا إن ما يقرب من 40 ألف شخص عبروا حدودها، معظمهم من أفغانستان والشرق الأوسط، ما دفع بولندا والنمسا وجمهورية التشيك إلى فرض ضوابط على حدودها مع سلوفاكيا مؤخرًا، كما فرضت الحكومة السلوفاكية ضوابط مؤقتة على معابرها مع المجر.
يأتى هذا فى الوقت الذى تتزايد فيه النبرة والسياسات المعادية للهجرة فى بعض بلدان الاتحاد الأوروبى قبل انتخابات البرلمان الأوروبى التى تجرى فى يونيو المقبل.
وفى ظل توافد أعداد هائلة من المهاجرين غير الشرعيين إلى جزيرة لامبيدوزا، أعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ فى أبريل الماضى لمدة 6 أشهر، كما اتخذت بمفردها الشهر الماضى ومن دون انتظار رد أوروبى، إجراءات جديدة تهدف إلى الحد من وصول الوافدين، من بينها إنشاء المزيد من مراكز الاحتجاز المخصصة للمهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم، وزيادة المدة القصوى لهذا الاحتجاز من 4 إلى 18 شهرًا.
ومن إيطاليا إلى فرنسا، تضاعفت أعداد الذين يسافرون شمالاً فى الأشهر القليلة الماضية، لكن السلطات الفرنسية تحتجز المهاجرين غير الشرعيين وتعيدهم، بعد أن قامت بإعادة فرض الضوابط على حدودها مع إيطاليا، وتعليقها لبنود من اتفاقية شنجن لتسهيل الانتقال بين الدول الأعضاء بها، حسب ما ذكرته «بى بى سى».
وقال وزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانان لإذاعة «أوروبا 1» وقناة «سى نيوز»، قبل زيارة إلى روما الشهر الماضى لتمرير رسالة «حزم» فى مواجهة الهجرة غير الشرعية، إنه «لا يمكن توجيه رسالة إلى الأشخاص الذين يأتون إلى أراضينا مفادها أنه سيتم الترحيب بهم مهما حدث».
وأضاف: «علينا تطبيق القواعد الأوروبية، إذا كان هناك طالبو لجوء مؤهلون لنيل اللجوء ويتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية، فبالطبع هم لاجئون، وفى هذه الحالة، يمكن لفرنسا، كما فعلت على الدوام، استقبال هؤلاء الأشخاص».
لكنه أشار إلى أن 60% من الحالات تعود إلى أشخاص «يأتون من دول مثل ساحل العاج وغينيا وجامبيا»، حيث «لا ظروف إنسانية» تتطلب لجوءهم إلى الخارج.
كما يدعو رئيس حزب «الجمهوريون» اليمينى الفرنسى إريك سيوتى إلى إجراء استفتاء عام حول استقبال بلاده للمهاجرين، مطالبا بإلغاء كامل الحقوق التى يحصل عليها المهاجرون غير الشرعيين فى فرنسا، حيث إنهم، حسب رأيه، «أتوا إلى فرنسا بشكل غير قانونى، منتهكين ميثاقنا الجمهورى، ويجب ألا يحصلوا على أى حقوق».