عملية غزة في 7 أكتوبر 2023.. حسابات المكسب والخساره لجميع الأطراف (3)

عملية غزة في 7 أكتوبر 2023.. حسابات المكسب والخساره لجميع الأطراف (3)د. وليد فاروق

الرأى25-11-2023 | 20:41

تعرضنا فى مقالاتنا السابقه لعمليه غزه فى 7 اكتوبر حسابات المكسب والخساره لجميع الاطراف (الجزء الاول – الجزءالثانى) الى محاوله ايضاح وتفسير للأسباب التى ادت لهذه العمليه وبعض من نتائجها وتداعياتها على جميع الاطراف المشاركه فيها سواء بشكل مباشر او غير مباشر .. وبدأنا بالاطراف الفاعله الاساسيه فى هذه العمليه وهى اسرائيل ثم الولايات المتحده الامريكيه الداعم الاول لها ومحركه الاصطفاف الغربى خلف الجانب الاسرائيلى .. وخلصنا الى ان حجم الخسائر الاسرائيليه ضخم للغايه سواء على المستوى الاقتصادى او العسكرى اوالسياسى اوحتى المعنوى وان كان من أهمها عدم قدره الجيش الاسرائلى من خلال هذه العمليه حتى الان على استعاده هيبه الجيش الاسرائيلى الذى اصابها جرح غائر ولا استعادت ثقه المواطن الاسرائيلى فى جيشه التى اصبحت على المحك وبالتالى تلاشى الشعور بالأمان للمواطن اليهودى الذى اصبح يتسائل عن اسباب هجرته الى هذه الدوله اليهوديه وهو غير آمن على حياته فيها هو واولاده .. الامر الذى يرجح بدء موجات من الهجره العكسيه خارج اسرائيل خلال المرحله المقبله .. خاصه فى ظل عزله تامه ل اسرائيل عن محيطها الاقليمى والذى تحول بفعل ما ارتكبته من مجازر فى حق فلسطينيين عزل الى عداء مكتوم تتوارثه الاجيال العربيه والاسلاميه جيل بعد جيال .. وهو امر جد خطير يضرب بقاء الدوله اليهوديه فى مقتل .. هذا بخلاف توقع استهداف كافه المصالح والافراد اليهود فى اى مكان فى العالم سواء بإستخدام العنف او بالمقاطعه الاقتصاديه .. وهو ما يضاعف المعاناه الاقتصاديه داخل الدوله اليهوديه قبل واثناء وبعد تلك العمليه حيث تسببت هذه العمليه فى شلل شبه تام للاقتصاد الاسرائيلى نتيجه تنفيذ خطه التعبئه للاحتياطى اللازمه لها لمده تتجاوز الاربعين يوم.

حتى الان .. الامر الذى سيكلف نتينياهو ووزير دفاعه ورئيس هيئه الاركان الكثير على المستوى الشخصى والمهنى .. خاصه بعد قبولهم تنفيذ هدنه مؤقته يتخللها تبادل للاسرى رغم تأكيد الثالوث السابق ذكرهم مرار وتكرارا انه لا ايقاف للعمليه تحت أى مسمى ولأى سبب .. !! وهو ما يؤكد حجم التخبط والعشوائيه التى تدار بها العمليه واشرنا اليه فى مهدها .. اما الجانب الامريكى فقد اوضحنا فى حينه انه قد اخطأ التقدير تماما فى دعمه المبالغ فيه للجانب الاسرائيلى بحثا عن مصالح انتخابيه ضيقه مما اظهر الولايات المتحده بالراعى الرسمى لانتهاك حقوق الانسان وهو ما يتعارض تماما مع ماتدعيه على مر العقود الماضيه عن انها الحاميه لتلك الحقوق والمدافع الاول عنها بكل السبل .. ؟ بإعتبارها القضب الاوحد فى العالم الامر الذى هدد بعنف مكانتها الدوليه وافقدها المصداقيه وبالفعل حاولت الولايات المتحده مؤخرا تدارك هذا الامر وعدلت سياستها تجاه الاحداث الجاريه فى غزه بنسبه كبيره فنادت بضروره العوده لحل الدولتين وانه لا تهجير قصرى للفسطينيين الى سيناء والاردن كما كان مخططاً .. بل وادانت قتل المدنيين ودعت اسرائيل الى عدم الاضرار بهم عكس موقفها الاولى الداعم ل اسرائيل تحت بند حق الدفاع عن النفس .. !! وهو التصويب الذى سلكته ايضا معظم الدول الاوربيه التابعه لها .. وهوالتراجع والتخبط الذى سيعرض الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطى ( المختطف من الصهيونيه العالميه ) الى عقاب انتخابى قاسى خلال الاستحقاق الانتخابى المزمع له فى نوفمبر المقبل بإذن الله .. وكنتيجه لهذا التخبط فى الموقف الامريكى اثناء عمليه غزه ومع ما سبق من تخبط ايضا فى اداره الملف الاوكرانى تعاظم التيار الدولى المنادى بضروره وجود قوى عظمى اخرى بجوار الولايات المتحده فى إداره العالم التى اصبحت فى نظر الكثيرين غير مؤهله لهذه المكانه كقوه وحيده مهيمنه مما الحق ضرر بالغ بمكانتها على المستوى الدولى واصبح واقع التحول الى عالم متعدد الاقضاب بدلا من عالم احادى القضبيه تديره الولايات المتحده الامريكيه اقرب فى تحقيقه الان من اى وقت مضى ..

ونظرا لسخونه الأحداث وسرعه تطورها نستكمل معا تداعيات هذه العمليه على سائر الاطراف الفاعله ومنها بالطبع الجانب الفلسطينى ونعنى بالجانب الفلسطينى كلا من حماس وفتح معا .. بإعتبارهما الفصيلين الاكثر تاثيرا فى الحياه السياسيه والاقتصاديه والامنيه للفلسطينيين (يوجد ما يقارب 12 فصيل للمقاومه المسلحه داخل فلسطين ) وقبل الإنخراط فى تحليل المكاسب والخسائر للجانب الفلسطينى علينا اولا ضبط العديد من المصطلحات والمفاهيم الاساسيه حتى نتمكن من الحكم الموضوعى على الامور كما اعتدنا عزيزى القارئ .. ونبدأ بالتساؤل الاكثر ترديدا وهو لماذا تطلق على مقالاتك عمليه غزه وليس حرب غزه كما يرددها الاسرائيليون والامريكان .. ؟ والاجابه من وجهه نظرى ان تعريف كلمه حرب فى معظم المراجع العلميه المتخصصه هى صراع مسلح بين دولتين او اكثر ..قوتين مسلحتين او اكثر ..بهدف تغير الواقع الجغرافى والسياسى والامنى .. اما مايحدث من الجانب الاسرائيلى تجاه سكان قطاع غزه لا يرتقى ابدا الى مصطلح حرب ..بل هى عمليه اباده لشعب اعزل وفى اقل تقدير عمليه ترويع وإجبار لشعب اعزل على مغادره منازلهم تحت تهديد السلاح واستخدام الاسلحه الثقيله ضد مدنيين عزل لا يمكن ابدا ان يكون حرب بل هو جريمه حرب .. اما استخدام نتنياهو ووزير دفاعه لمصطلح حرب غزه هو فى الاساس لمخاطبه الداخل الاسرائيلى لتبرير فشلهم وامتصاص غضبه شعبهم .. ولا يجب علينا مجاراتهم فيما يرددون من اكاذيب ..

وعلى نفس المنوال يجب ايضاح ما تنشره اسرائيل عبر وسائل الاعلام من انه يجب على الفلسطينيين مغادره شمال غزه فورا .. فما هو المقصود بشمال غزه تحديدا ..؟ هل هى محافظه شمال غزه( البالغ مساحتها 61 كم مربع ..تمثل 17% من اجمالى مساحه القطاع .. يقطنها 388 الف فلسطينى ) بالطبع لا .. المقصود طبقا للمفهوم الاسرائيلى هو مغادره الفلسطينيين قاطنى شمال القطاع المنطقه حتى شمال وادى غزه ..وهوما يعنى استقطاع مسافه طوليه تقدر ( 19 كم طول) من اجمالى طول ل قطاع غزه بالكامل (41 كم ) ومثلها على الساحل ..بما يعنى استقطاع نصف مساحه قطاع غزه فعليا واخلاءه من سكانه ( 1,1 مليون نسمه ) أى نصف سكان القطاع (2,3 مليون نسمه) وهو ما يمثل كارثه انسانيه بكل المقاييس فكيف لنصف مساحه الارض ان تستوعب ضعف عدد السكان الموجود حاليا .. !! ومن المعروف ان قطاع غزه فى الاصل وقبل بدء العمليه من اكثر القطاعات السكانيه كثافه على مستوى العالم .. بل هو اكثرها على الاطلاق وهو ما دفع بالرئيس المصرى يوم امس الى التصريح بأن عمليه الضغط من اجل التهجير مازالت قائمه فعليا .. وعلى مايبدوا ان القاده الغربيين و اسرائيل (نتيجه للضغط الاقليمى والدولى التى مارسته مصر والاردن ضدهما ) قد اتفقوا على تأجيل عمليه التهجير الشامل لسكان القطاع واستبدالها بعمليه تهجير على مرحلتين .. المرحله الاولى هى ماتتم حاليا من خلال زياده معاناه السكان وضغطهم فى رقعه صغيره يستحيل العيش فيها ثم تاتى المرحله التانيه فى توقيت آخر ..ربما تكون القيادات الوطنيه القويه الحاليه فى مصر والاردن قد تم ابعادها باى شكل من الاشكال واتى بديلا لها ( لا قدر الله ذلك ) قيادات اكثر خنوعا وتساهلا لتنضم الى طابور الهروله العربيه نحو برنامج التطبيع والارضاء المجانى الجارى العمل به حاليا .. اما ثالث المصطلحات الهامه التى يجب ضبطها هو مفهوم الانتصار فى المواجهات عسكريه .. الانتصار يعنى فرض اراده طرف على الآخر بإستخدام القوه المسلحه وتحقيق مكاسب سياسيه وجغرافيه وامنيه واضحه ..

وبالتالى فعدد الشهداء وخسائر العتاد ليست بالضروره هى المقياس الوحيد فى حسابات المكاسب والخسائر ولتحديد من هو المنتصر لكن فرض الاراده السياسه لطرف على الآخر وتغيير الواقع الجغرافى والسياسى والامنى هو المقياس الاكثر شمولا والاعلى تقييما .. ومن ثم فأن ما يردده الكثيرون من ان صفقه تبادل الاسرى والافراج على المعتقلين الفلسطينيين هو بمثاباه نصر مبين هو للاسف قياس خاطئ بكل المقاييس لاسباب عديده اهمها ان من افرج عنهم اليوم قد يتم اعتقالهم بعد اسبوع مره اخرى ومعهم ذويهم وداعميهم ..!! وان كنا نتفهم الفرحه الفلسطينيه بذلك حيث انها المره الاولى تاريخيا التى يتم فيها تبادل كل اسير اسرائيلى بثلاثه فلسطينيين ففى عام 1983 تم تبادل 4500 فلسطينى ب ( 6) اسرائيلين – وفى عام 1985 تم تبادل 1150 فلسطينى ب(3) جنود – وتبادل 450 فلسطينى برفات (3) جنود من جنوب لبنان فى نفس العام ...بل ان الجندى جلعاد شاليط تم مبادلته ب1027 فلسطينى ...!!! ومن ثم فقد اعتبر الاخوه فى فلسطين الصفقه الحاليه نصر مبين ..وماذا عن الارض التى تكاد تفقد .. وماذا عن مخطط التهجير الجزئى الذى تم جزء كبير منه .. وماذا عن 15 الف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين .. وماذا عن تدمير البنيه التحتيه 30% من مبانى القطاع وهل فعلا نجحت المقاومه الفلسطينيه فى فرض ارادتها على اسرائيل وتحرير مزيد من الاراضى او اجبارها على التفاوض فى مقابل حل الدولتين واعلان ذلك رسميا .. هذا ما سوف تجيب عليه الايام المقبله .. فالتقييم النهائى مازال مبكرا حتى اللحظه وان كنت اظن عزيزى القارئ انك اصبحت الان قادر على القياس الموضوعى للامور دون تهويل او تهوين من خلال ما استعرضناه من ضبط للمصطلحات .. لكن لابد لنا ان نشير الى ان مانجحت فيه المقاومه حتى الان هو تصدير الشعور بعدم الامان لكل اسرائيلى ويهودى داخل اسرائيل .. بل وخارجها .. وهو ما نتوقع ان يكون له دور سلبى كبير فى مستقبل الدوله اليهوديه خلال العقد الحالى خاصه مع افول نجم الولايات المتحده المتوقع والذى بدأت ارهاصاته الآن.

وللحديث بقيه .. بإذن الله.

أضف تعليق