من محمد عبده إلى الفيلسوف ليف تولستوي: آراؤك ضياء يهتدي به الضالون "3_2"

من محمد عبده إلى الفيلسوف ليف تولستوي: آراؤك ضياء يهتدي به الضالون "3_2"محمد عبده وليف تولستوي

في مسار موازٍ من تساؤل طرحه تولستوي بشأن البهائية و البابية على الإمام محمد عبده، أثار التساؤل جدلاً واسعًا بشأن توقف الرسائل بين إمام المجددين والفيلسوف الروسي وبين تباين الآراء بين محمد عبده و تولستوي حول البابية والبهائية.

ما هي البابية والبهائية؟

دين مُخْتَرعٌ ينسبه البعض للإسلام، أنشأه وأظهره حسين علي الملقب بـ"البهاء "أو "بهاء الله"، والذي ادعى النبوة، وزعم أن شريعة الإسلام قد نسخت بمبعثه.

الميرزا حسين علي الملقب بـ"البهاء" ولد في قرية "نور" بنواحي "مازندران" بإيران، سنة 1233هـ.

التقى البهاء بأحد مدعي النبوة، واسمه "الباب"، وأصبح البهاء من أتباعه إلى أن مات، وتنازع هو وأخوه "صبح الأزل" خلافة الباب بعد موته حتى افترقا جسدًا وفكرًا، ثم ادعى البهاء النبوة، ولم يكتف بها بل تجاوزها إلى ادعاء الألوهية، وأنه القيوم الذي سيبقى ويخلد، وأنه روح الله، وأنه هو من بعث الأنبياء والرسل، وأوحى بالأديان، وزعم أن "الباب" لم يكن إلا نبيًا مهمته التبشير بظهوره.

نبذة تاريخية عن البابية ووليدتها البهائية

بدأ ظهور البهائية سرًا في إيران وبعد ذيوع الأمر وبلوغه السلطات في إيران، فقامت بالقبض على زعيمها "الباب" وسجنته سنة 1263هـ - 1847م، إلا أن أتباعه وجدوا طريقة للالتقاء به في السجن، والتشاور معه حول سير دعوتهم، ثم تحوّل البابية في أسلوب دعوتهم – بعد انكشاف أمرهم- من السر إلى الجهر، فدعوا إلى عقد مؤتمر يجمع أقطابهم، فاجتمعوا في صحراء "بدشت" بإيران في رجب سنة 1264هـ، وقرروا نسخ الشريعة الإسلامية، لأن "الباب" قد أبطل العمل بها.

وكان من أشد أنصار هذه الفكرة - إلغاء الشريعة - والمتحمسين لها، حسين علي نوري، والذي استطاع أن يتميز في ذلك المؤتمر ويخرج بلقب "بهاء الله"، تمهيدًا لما يخطط إعلانه من أنه خليفة "الباب".

واشترك "البهاء" في محاولة اغتيال الملك "ناصر الدين" شاه إيران، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، وكشف الفاعلون، ففر "البهاء" إلى سفارة روسيا التي قدمت له الحماية الكاملة، ولم تسلمه إلى السلطات الإيرانية إلا بعد أن أخذت وعدا منها بعدم إعدامه.

ولم تكتفِ بذلك بل ساعدت على إخراجه من إيران، فنفي "البهاء" وأخوه "صبح الأزل" إلى بغداد في جمادى الآخرة 1269هـ الموافق إبريل 1853م، ومن بغداد إلى اسطنبول في ذي القعدة 1279هـ الموافق إبريل 1863م، ومن اسطنبول نقلا إلى أدرنة، ومكثا هناك نحو أربع سنوات ونصف السنة، اختلف خلالها الأَخَوَان، وتنافسا المناصب والألقاب، وقام "البهاء" خلالها بنشر دعوته بين عامة الناس، فتبعه طائفة سموا "البهائية" وتبع طائفة أخرى أخاه فسموا "الأزلية" أو "البابية".

معتقدات وأفكار البهائية
بالرغم من تشابه بعض الأفكار في جوهرها للمبادئ الإسلامية مثل الإيمان بوحدانية الله وترك التعصبات بكل أنواعها تركًا كليًا، سواء كانت مبنية على أسباب دينية، وطنية، قبلية، عنصرية، أو طبقية، إلا أن هناك بعض الصفات لا تمت للعقيدة الإسلامية بأي صلة، مثل:

1. الإيمان بحلول الله في بعض خلقه، وأن الله قد حلَّ في "الباب" و"البهاء".
2. الإيمان بتناسخ الكائنات، وأن الثواب والعقاب يقع على الأرواح فقط.
3. الاعتقاد بأن جميع الأديان صحيحة، وأن التوراة والإنجيل غير محرَّفين، ويرون ضرورة توحيد جميع الأديان في دين واحد هو البهائية.
4. يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس.
5. يؤمنون - موافقة للنصارى - بصلب المسيح.
6. ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار.
7. يحرمون الحجاب على المرأة، ويحللون المتعة، ويدعون إلى شيوعية النساء والأموال.
8. ينكرون أن محمداً - خاتم النبيين - مدعين استمرار الوحي بعده.
9. يؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين بدلاً من المسجد الحرام.

جدير بالذكر أن كل تلك المعتقدات تتنافى مع أساسيات وثوابت الشريعة الإسلامية؛ الأمر الذي دفع كبار رجال الدين الإسلامي و دار الإفتاء في الأزهر الشريف عام 1982 بارتداد أصحاب المذهب البهائي عن الإسلام.


دار الإفتاء ترد على البهائية
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالبهائية فرقة مرتدة عن الإسلام، لا يجوز الإيمان بها، ولا الاشتراك فيها، ولا السماح لها بإنشاء جمعيات أو مؤسسات، وذلك لأنها تقوم على عقيدة الحلول، وتشريع غير ما أنزل الله، وادعاء النبوة، بل والألوهية، وهذا ما أفتى به مجمع البحوث الإسلامية في عهد الشيخ جاد الحق، وأقره المجمع الحالي.

يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق – رحمه الله: "و البابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات وأديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل وُضح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونحل ابتليت بها الأمة الإسلامية حربًا على الإسلام وباسم الدين".

لذلك يتبادر إلى أذهان البعض السؤال، لماذا سأل تولستوي الإمام محمد عبده عن البهائية والبابية؟

فى 17 سبتمبر 1894، تسلم تولستوى رسالة من أولجا لبيدوفا - مترجمة مؤلفاته من اللغة التركية إلى الروسية - تخبره فيها عن «إيمان الباب وبهاء الله»، ومن يومها وهو يجمع معلومات عن البهائية حتى عام 1909 وهو العام الذى أعلن فيه تعاطفه مع البهائية، ومعنى ذلك أن تولستوى منذ عام 1894 وهو فى طريقه إلى التعاطف مع البهائية.

كان يريد من سؤاله الذى وجهه إلى محمد عبده أن يعرف مدى تعاطف محمد عبده، لكن حدث ما لم يكن متوقعًا وهو اختفاء رد تولستوى تماماً منذ عام 1904، وقيل تفسيرًا لذلك إن تولستوى لم يرد، وبالتالى ليس ثمة اختفاء لأنه لم يكن ثمة رد. لكن حدث ما لم يكن متوقعًا وهو أننى عندما رحلت إلى موسكو أستاذًا زائرًا، ذهبت إلى متحف تولستوى وهناك عثرت على جميع الرسائل التى أسهمت فى خلق علاقة بين محمد عبده وتولستوى، كما عثرت على صورة من رد تولستوى بخط يده وباللغة الفرنسية، لأنها اللغة الأجنبية الوحيدة التى يعرفها محمد عبده.

وبناءً عليه، فإن القول بإن تولستوى لم يرسل ردًا هو قول باطل قصد به إزالة التوتر الذى أحدثه سؤال تولستوى ل محمد عبده عن البهائية، وربما أن هذا التوتر مردود إلى تعاطف محمد عبده مع البهائية على نحو ما ورد فى كتاب «تجاهل الله» لمؤلفه شوقى أفندى، الملقب بالحارس على الإيمان البهائى وصاحب السلطة فى تفسير النصوص الدينية البهائية.

ومع اختفاء رد تولستوى، تم بتر العلاقة بين تولستوى و محمد عبده أو بالأدق بين الغرب والعالم الإسلامى، وحدث هذا البتر مرة ثانية عندما حذر الطهطاوى من قراءة شذرات التنوير التى ترجمها هو نفسه عن الفرنسية، حرصاً منه على سلامة الإيمان، وتم البتر مرة ثالثة عند ترجمة كتاب المستشرق الإنجليزى "و.س. بلنت" صديق محمد عبده، وعنوانه «الأفغانى ومحمد عبده».

وذكر فى نهاية كتابه، أن محمد عبده كتب رسالة إلى تولستوى منشورة فى «الملاحق» مع رسائل أخرى، ومع ذلك حذفت «دار الهلال» الرسالة من الملاحق، وهى الدار التى أصدرت الترجمة، وأخيراً جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 فأصبح البتر بين الغرب والعالم الإسلامى مشروعًا للمستقبل.

أضف تعليق