عيد الميلاد تحت الأنقاض

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم ب عيد الميلاد المجيد وتضاء أشجار عيد الميلاد في المنازل والساحات وأمام الفنادق والمتنزهات في كل دول العالم.. تُظلم أرض السلام ومهد السيد المسيح، وتتحول الأفراح والاحتفالات إلى حزنٍ وآلام، وترتفع صرخات المصابين والأمهات الثكلى والأيتام على من فقدوهم جراء العدوان الغاشم.

تنطفئ الأنوار فى أرض السلام لعدم توافر الوقود، وتختفي أشجار عيد الميلاد لتستبدل بأكوام من ركام المنازل المهدّمة فى قطاع غزة وأطلال البيوت التي كانت قبل ثلاثة أشهر مضت مفعمة بالحيوية تستعد وتنتظر أعياد الميلاد لتتزين الشوارع والطرقات والميادين.

مضى أكثر من 93 يومًا على الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة ردًا على أحداث 7 أكتوبر الماضي، والذي اتخذه جيش الاحتلال ذريعة لاجتياح قطاع غزة بحجة القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتصفية حماس.

المشهد الدموي وحالة الدمار وعملية الإبادة الجماعية والضغط على الشعب الفلسطيني للخروج من أرضه مستمرة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما حذرت منه مصر وتواصل تحذيراتها من خطورة تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، واستمرار العدوان، لأنه لن يحقق السلام الذي تتحدث عنه إسرائيل؛ بل سيخلق مزيدًا من العداء والكراهية، بل سيكون بمثابة ذريعة لجماعات التطرف والإرهاب لصناعة عناصر لا تؤمن سوى بالقتل والدمار.

(1)
ففي ظل استمرار العدوان وسط عجز دولي وعدم القدرة على وقف آلة الحرب الإسرائيلية أو استصدار قرار أممي بذلك ومع مواصلة الولايات المتحدة الأمريكية مساندتها لإسرائيل ومنع صدور أي قرار أممي أو من مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار فى الأراضي المحتلة.. يظل الشعب الفلسطيني وما يواجهه من حرب إبادة وصمة عار فى جبين المجتمع الدولي.

93 يومًا مضت ولا تزال آلة القتل والدمار الإسرائيلية تواصل غيّها ضد شعب أعزل وسط عبارات تنديد عالمية لا تجد لها أثرًا على أرض الواقع، فى ظل موقف يتسم بالمكاييل المتعددة من القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تدين استمرار العدوان، لكنها تقف حائط صد فى مواجهة أي قرار يوقف نزيف الدم الفلسطيني حتى فى أيام السلام (أعياد الميلاد).

لقد اتخذت كنيسة المهد فى احتفالاتها بأعياد الميلاد هذا العام تمثالاً يعبّر عن حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من القتل والدمار وعمليات الإبادة الممنهجة.

فبدلاً من وضع شجرة عيد الميلاد وإضاءتها، التي تعد رمزًا للاحتفال، أقيم مجسم فني يجسد المأساة التي تحياها أرض ميلاد المسيح عليه السلام، نفذه الفنان الفلسطيني طارق سلسع، وهو عبارة عن مغارة الميلاد على شكل منزل مدمر كتب عليه «الميلاد تحت الأنقاض»، وهو عبارة عن بقايا أحجار مرصوصة على الأرض ومحاطة بأسلاك شائكة، تمثل الدمار الذي لحق بقطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي.

المشهد الفلسطيني يؤكد أن القوى الدولية المتحدثة عن رعايتها للسلام لا يتعدى الأمر لديها سوى التصريحات أما التحرك باتجاه سلام حقيقي على أرض الواقع يستلزم مجموعة من الإجراءات، التي إن لم تتخذ فى الوقت المناسب فبالتأكيد العواقب ستكون كارثية على استقرار المنطقة؛ بل ستؤثر على الاستقرار والسلم فى مختلف دول العالم.

لقد حذرت مصر مرارًا من أن حل القضية الفلسطينية وإعلان الدولتين هو الحل الأمثل نحو تحقيق السلام والاستقرار.

ففي ظل استمرار العدوان ستتطاير شظايا الحرب وقد تنتقل آثارها إلى مناطق أخرى مما يهدد السلم والأمن الدوليين.

بل إن استمرار حكومة الاحتلال الإسرائيلية فى مسارها من استخدام للقوة الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني لن يحقق لها الأمن والسلام.. بل سيؤجج من مشاعر العداء والكراهية.

لكن يبدو أن استمرار حكومة نتنياهو فى مسارها نحو تصفية القضية هو إحدى محاولات الفِكاك من المحاكمة التي باتت تنتظره هو وعدد من أعضاء حكومته، بعد أن ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية الاثنين الماضي، تشريع «تقليص ذريعة حجة عدم المعقولية» الذي دفعت به حكومة بنيامين نتنياهو فى الكنيست وتم إقراره العام الماضي، والذي حدَّ من الرقابة القضائية على الحكومة، فى قرار هو الأول من نوعه فى تاريخ إسرائيل، بأن تلغي المحكمة قانون أساس سنَّه الكنيست.

وهو أهم قوانين ما تسمى بأجندة «الإصلاح القضائي» لحكومة نتنياهو والوحيد الذي كان قد تم إقراره حتى الآن.. وصوَّت ثمانية من قضاة المحكمة لصالح إلغاء القانون، بينما صوَّت سبعة لصالحه.

ويشكل هذا الحكم سابقة قانونية لادعاء المحكمة العليا بأن لها، فى ظروف محدودة، الحق فى إلغاء القوانين الأساسية، على الرغم من كونها أساس سلطة جميع مؤسسات الدولة، بما فى ذلك المحكمة.

وهو ما أثار حفيظة وزير العدل الإسرائيلي «ياريف ليفين» وهو مُهندس عملية ما يسمى بالاصطلاحات القضائية وأحد أشرس المدافعين عنها، لأنها تحمي نتنياهو وحكومته من المحاكمة.

وقال ياريف غاضبًا، «إن قرار المحكمة العليا بإبطال «تقليص ذريعة عدم المعقولية» يُخالف روح الوحدة المطلوبة أثناء الحرب الجارية على قطاع غزة».

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن جفير، وهو زعيم حزب «العظمة اليهودية»، إن إلغاء القانون المُتعلق بالحد من إشراف المحكمة على الحكومة والوزراء «خطير ويضر بالمجهود الحربي» على حد تعبيره.

ففي الـ24 من يوليو الماضي، صوّت «الكنيست» الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة، على مشروع قانون تقليص ذريعة عدم المعقولية، ليصبح بذلك قانونًا نافذًا رغم الاعتراضات الداخلية الواسعة.

وكان هذا القانون - الذي تم إلغاؤه - يمنع المحاكم الإسرائيلية بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يُعرف باسم «معيار المعقولية» على القرارات التي يتخذها المسئولون المنتخبون.

الأمر الذي جعل نتنياهو وحكومته يحاولون إطالة أمد الحرب على غزة لاتخاذها ذريعة للهرب من المحاكمة، وكذا توسيع رقعة الصراع، الذي اتجه إلى الشمال مع لبنان فى الوقت الذي يوصل فيه القصف والتدمير لشمال وجنوب قطاع غزة وبعض مدن الضفة الغربية.

إن ما يحاول نتنياهو وحكومته فرضه على أرض الواقع من تصفية للقضية على حساب الغير لن تكون نتائجه إيجابية على الشعب الإسرائيلي بل ستكون أكثر سلبية، فقد يحرق شعبه بنيران الغضب الفلسطينى.

(2)
منذ الخامس عشر من نوفمبر الماضي وبعد مرور 38 يومًا على القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، أعلنت جماعة أنصار الله «عبدالملك الحوثي»، أن «عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية»، ردًا على الحرب فى غزة، قبل أن توّسع عملياتها تجاه «كل السفن» المتوجهة لإسرائيل.

وقد هاجم الحوثيون عدة سفن بالقرب من باب المندب، وصادروا سفينة «جالاكسي ليدر»، التي قالوا إن ملكيتها تعود لرجل أعمال إسرائيلي، ولا تزال السفينة وطاقمها المكون من 25 شخصًا محتجزين فى اليمن، كما منعت الجماعة أيضًا سفينتين قالت إنهما إسرائيليتان من المرور وهما «نمبر ناين، ويونتي إكسبلورر».

فيما اعتبرت إسرائيل أفعال الجماعة بمثابة تهديد لأمن الملاحة على المستوى العالمي، وتوعّدت بالرد عليها بقوة فى عدة تصريحات رسمية.

وأيضًا جاء رد الولايات المتحدة بمواجهة تلك العمليات لحماية الملاحة الدولية، وفق ما أعلنه، لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته لتل أبيب فى تلك الأثناء، ومنذ ذلك التاريخ والتحركات الشيطانية فى جنوب البحر الأحمر ترتفع وتيرتها بحجة تأمين الملاحة الدولية ومواجهة الحوثيين، والحقيقة ليست ذلك، كما أن حديث الأخير (الحوثي) عن قيامه بمثل تلك العمليات للضغط على إسرائيل وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني، ليست سوى تصريحات جوفاء وتحركات لم يأتِ لها صدى على أرض الواقع.

ودعونا نتوقف عند بعض التفاصيل لما قامت به جماعة الحوثي من استهداف للسفن العابرة لمضيق باب المندب، من ناقلات النفط وسفن البضائع وكذا توجيه طائرات مسيرة بدون طيار باتجاه البحر الأحمر بحسب المتحدث الرسمي لميليشيا الحوثي فى اليمن، إنها تستهدف إسرائيل والسفن المملوكة لشركات إسرائيلية أو التي تحمل بضائع لتل أبيب.

الأمر الذي لاقى رواجًا على الإنترنت وفى ساحات الفضاء الزرقاء، بين من اعتبره عملاً بطوليًا ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن اعتبره أحد أوراق الضغط التي تمارس ضد إسرائيل وحلفائها وبدأت عملية الترويج لمدى تأثير ذلك على الوضع الاقتصادي فى إسرائيل.

لكن الحقيقة أن الأمر ليس كذلك تمامًا، فإسرائيل تتلقى المزيد من الدعم كما أنها تمتلك منفذًا بحريًا على البحر المتوسط، وما يحدث فى باب المندب ليس له سوى تأثير ضئيل جدًا بل قد لا يذكر؛ والدليل عدم وجود رد فعل قوي من جانب إسرائيل و الولايات المتحدة الداعم الأكبر لها وبريطانيا ضد الحوثي.

فما قامت به جماعة الحوثي فى الخامس عشر من نوفمبر الماضي وسبقه استعراض لبعض الصواريخ «بركان 2» وهي صواريخ بالستية مطورة إيرانية منحتها إيران لقوات الحوثي فى اليمن فى إطار عمليات الداعم له، وأعلن الحوثيون فى الأول من نوفمبر الماضي أنه سيستخدم تلك الصواريخ والطائرات المسيرة بدون طيار ضد أهداف إسرائيلية تضامنًا مع فلسطين، لكن الحقيقة أنه لم يستخدم تلك الصواريخ باتجاه إسرائيل فى الشمال، حيث تبعد إيلات عن صنعاء أكثر من 1800 كم، فى حين أن مدى تلك الصواريخ لا يتعدى 1400كم وارتفاعها لا يتعدى 20 كم، الأمر الذي حدا بميليشيا الحوثي لإطلاق طائرات مسيرة بدون طيار لكن لم تستطع تنفيذ المهمة أو التأثير على سير العمليات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة؛ وقد تصدت لها بعض القطع البحرية الأمريكية فى البحر الأحمر وأسقطتها قبل الوصول إلى إيلات؛ بل إن إسرائيل اتخذت من تلك العمليات ذريعة للحصول على مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي من قبل القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

إن ما يقوم به الحوثيون لا يؤثر على إسرائيل إنما يؤثر على التجارة الدولية العابرة للبحر الأحمر مما يرفع من تكلفة النقل البحري والتي قد تصل إلى 167% فى بعض الخطوط الملاحية وهو ما سيؤثر على أسعار المنتجات.

إن المدقق فى المشهد يدرك أنه حال تهديد الحوثيين للمصالح الإسرائيلية كما تتحدث البيانات الصادرة، فقوات الحوثي ستجد رد فعل عنيفًا من قِبل واشنطن على الأرض وهو ما حدث الأسبوع الماضي عندما تم إغراق 3 قوارب تابعة لجماعة الحوثي فى اليمن اعترضت سفينة شحن وحاولت الصعود عليها، بحسب بيان لوزارة الدفاع الأمريكية.

كما أن قوة المهام المشتركة (CMF) (153) هي المسئولة عن تأمين الملاحة فى البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب.. إلا أن واشنطن تحاول استغلال ما يقوم به الحوثي لتكوين قوة أخرى وهو ما وجه برفض كل الدول العربية لذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لن ترونا إلا معًا
ستظل القضية الفلسطينية بالنسبة للدولة المصرية هي قضية القضايا وستواصل مساعيها للوصول إلى حل عادل وشامل يرتكز على إعلان الدولتين، وأن تكون القدس عاصمة لـفلسطين.

ففي الوقت الذي تواصل فيه مصر تحركاتها الدولية لعرض تفاصيل ما يجري فى الأرض المحتلة على المجتمع الدولي، تواصل دعمها للأشقاء الفلسطينيين من خلال تقديم المساعدات عبر معبر رفح الذي لم تغلقه مصر لحظة واحدة من جانبها منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن، لترفع مصر شعار «لن ترونا إلا معًا».

أضف تعليق