اعتدت أن أتابع التقارير فى عدد من الصحف والمواقع الأجنبية التي تنشر تقارير أو موضوعات عن مصر ، خاصة أننا نواجه أكبر حرب معلومات تستهدف الدولة المصرية ، ومن خلال المتابعة أصبحت أدرك أن هناك صحفًا بعينها تستهدف الدولة المصرية وتحاول تشويه المشهد دائمًا من خلال مقالات مدفوعة تقدم للقراء على أنها مادة تحريرية صحفية، تمت مراعاة القواعد المهنية فيها، وهي فى الحقيقة سابقة التعليب من قبل محترفي التضليل.
رغم أن تلك الصحف ليست سوى عدد قليل إلا أن قوى الشر دائمًا ما تستخدم المحتوى المنشور بها والمدفوع من قبل عناصره، وتعمل على تسويقه وترويجه على نطاق واسع.
(1)
خلال الأسبوع الماضي قدمت لنا صحيفة وول ستريت جورنال افتتاحية العدد بقلم رئيس الحكومة الإسرائيلية ، وهو أمر غير مستغرب على The Wall Street Journal فخلال تصفّحي للمقال، استوقفتني بعض النقاط فى المقال الافتتاحي والمنشور على الموقع الإلكتروني للصحيفة يوم الاثنين الماضي 25 ديسمبر 2023 ونشر فى العدد الورقي فى اليوم التالي والمعنون بـ «متطلباتنا الثلاثة للسلام»
(Our Three Prerequisites for Peace) الافتتاحية التي بلغ عدد كلماتها 653 كلمة حملت ثلاثة مطالب بحسب زعمه أنها طريق للسلام وهي ليست سوى مخطط يستهدف من خلاله نتنياهو تصفية القضية الفلسطينية ، وهو لا يدرك أنه بما نشره فى افتتاحية وول ستريت جورنال وتناقلته عنها عدد كبير من الصحف العبرية و الصحف الغربية ليس سوى حديث لرجل «خَرف» وهذا اللفظ ليس قدحًا، إنما وصف علمي مستند على مجموعة من المعطيات التي ذكرتها وزارة الصحة الإسرائيلية حول مرض الـ «الخَرَف» وهو أحد الأمراض التي تصيب العقل لدى الأشخاص فوق سن الـ 60 عامًا وعرفته «مرض تتضرر فيه الوظائف الإدراكية (القدرة على التفكير) والعقلية».
بحسب إحصاء نشرته الصفحة الرسمية لوزارة الصحة الإسرائيلية فإن هناك أكثر من 10% مصابين بالمرض داخل إسرائيل بل إن الفئة العمرية التي يقع فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو 74 عامًا بلغت نسبة الإصابة بها 15%.
وبحسب « مايو كلينك » (Mayo Clinic) الأمريكية فإن أعراض المرض تتمثل فى الآتي:
- فقدان الذاكرة، والذي يُلاحظه عادةً شخص آخر.
- مشكلات فى التواصل أو التعبير بكلمات مناسبة.
- مشكلات فى الاستدلال أو حل المسائل.
- صعوبة فى التعامل مع المهام المعقدة.
- صعوبة فى التخطيط والتنظيم.
وهو التوصيف لحالة بنيامين نتنياهو ، فيبدو أن قضايا الفساد التي تطارده جعلته غير قادر على إدراك المسار الصحيح، فهو يواصل تعنته والدفع بالآلة العسكرية لإبادة الشعب الفلسطيني ثم يتحدث عن متطلبات السلام بل إنه حتى لا يعبأ بأبناء شعبه من المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية ، ويصر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية وهو لا يدرك أنها لن تحقق الأمن المزعوم أو السلام الزائف الذي يتحدث عنه.
لقد بات نتنياهو غير قادر على التعامل مع المهام المعقدة، بل إنه يعمل على توريط الدول المساندة له فى تلك الحرب.
لقد تحدث نتنياهو عن أن متطلبات السلام القضاء على حماس ونزع سلاح غزة وإزالة التطرف من المجتمع الفلسطيني، وهو لا يدرك أنها رغم مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على العمليات ضد حماس لم يتم استهداف سوى المدنيين وتدمير المنازل والمستشفيات فى القطاع والضفة، وهو أكبر دليل على أن هذا المطلب ليس سوى ذريعة يتكئ عليها للحصول على دعم من أسماهم بالداعمين فى مقاله وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ثم يتحدث عن أن « إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتقليل الخسائر فى صفوف المدنيين من خلال إلقاء المنشورات وإرسال رسائل نصية واستخدام وسائل أخرى، لتحذير سكان غزة من الأذى وعلى النقيض من ذلك ».
وهو ما ينافى الواقع تمامًا بل إن جيش الاحتلال يستهدف المناطق المدنية التي يوجه إليها الفلسطينيون فى قطاع غزة ثم يقوم بقصفهم، هذه الصورة لم يذكرها نتنياهو فى مقاله لأنه يريد أن يقدم حديثًا للغرب على غير الحقيقة لجلب مزيد من الدعم لتصفية الفلسطينيين.
ثم يحاول الاستدلال لتبرير ما يقوم به جيش الاحتلال من عمليات ضد حماس وهو استدلال خاطئ، لأن ما يحدث فى قطاع غزة لا يستهدف عناصر حماس إنما يستهدف الشعب الفلسطيني بأكمله هو وصمة عار فى جبين المجتمع الدولي يجب أن يحاسب إسرائيل عليه.
أما المطلب الثاني وهو أن تكون غزة منزوعة السلاح؛ وهو مطلب للاستهلاك الإعلامي، وتقديم صورة على غير الحقيقة؛ فقطاع غزة منطقة منزوعة السلاح بالفعل ولم تسمح إسرائيل لها من قبل بالسلاح وإذا كانت المقاومة الفلسطينية لديها سلاح خفيف فعلى تل أبيب أن تراجع قضايا الفساد داخل جيشها والتي تحدثنا عنها فى مقال سابق بالتفصيل.
ثم جاء فى النهاية ليكشف عن هدفه الأساسي وهو فرض السيطرة على القطاع وتهجير سكانه.. وهو الأمر الذي قد يكون بمثابة تصفية كاملة للقضية ولن يقبله الأشقاء الفلسطينيون مهما قدموا من الشهداء والمصابين فهم أصحاب الأرض ولن يتنازلوا عن أرضهم.
أما المطلب الثالث وهو إزالة التطرف من المجتمع الفلسطيني فقد نسى نتنياهو أن حكومته و جيش الاحتلال هم من يخلقون التطرف والغضب لدى أبناء الشعب الفلسطيني ، فكيف لأطفال فقدوا كل أفراد عائلاتهم أن يؤمنوا بالسلام ويجعلوه واقعًا مع قتلة آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم.
إن إسرائيل بما تقوم به من اعتداءات هي من تخلق التطرف والإرهاب.
والحديث عن أنها نجحت فى عقد سلام مع 6 دول عربية هو ليس سوى سلام بروتوكولي لا تؤمن به الشعوب ما دام ليس واقعًا فى الأراضي الفلسطينية وما دام جيش الاحتلال يواصل الاعتداءات والإبادة بدم بارد لكن كل ذلك لن يخلق أمنًا أو سلامًا للشعب الإسرائيلي.
إن ما يروج له نتنياهو ليس مسارًا للسلام كما يزعم، بل هو مسار لمزيد من التوتر وإشعال لنار قد يصعب إخمادها.
وعليه أن يتذكر أن الشعوب لن تتنازل عن أوطانها ولن تسمح مهما حدث باستعادة سيناريوهات تم محوها.
إن على رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يدرك أن تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم لن يكون فقط تصفية للقضية، بل سيكون بمثابة انتحار لدولة الاحتلال ، ولن تنعم بعده بالأمن أو الاستقرار لحظة واحدة.
(2)
منذ بداية ديسمبر 2023 وحروب المعلومات الزائفة تشهد موجة متصاعدة مستهدفة الوعي الجمعي لدى الشعوب خاصة الشعب المصري الذي دائمًا ما يأتي فى مرمى الهدف لتلك العمليات القذرة؛ والتي لم تتوقف منذ عام 2004 وحتى الآن، فعندما بدأت عملية التمهيد للشرق الأوسط الجديد فى بحث نشرته مؤسسة «كارينجي للسلام الدولية» كجزء من الأعمال التحضيرية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية لقمة مجموعة الثماني فى يونيو 2004؛ بدأ معها العمل نحو صعود ودعم مجموعات لا تبالي بالأوطان، ففي مصر تم دعم تنظيم الإخوان وعدد من المجموعات والمنظمات والحركات التي اعتبرت نفسها فى ذلك الوقت معارضة للنظام، وهي فى الحقيقة تقوم على تنفيذ مسار لا يستهدف إسقاط النظام فحسب بل إسقاط الدولة الوطنية.
واستمر المشهد يتصاعد حتى يناير 2011 بعدها كان ما شهدناه جميعًا وعاشه الشعب المصري من محاولات لهدم الدولة الوطنية وتفكيك مؤسستها، عندها أدرك الشعب الخطر فهبَّ ليغير المشهد كاملاً، وهو ما ذكره الرئيس السيسي موجهًا حديثه للمصريين قائلاً (أنتم غيرتم الدنيا كلها) بالفعل استطاع المصريون إفشال مخطط هدم الدولة.
وخلال الأشهر القليلة الماضية شهدت مصر موجة من الشائعات وترديد الأكاذيب علت وتيرتها خلال الانتخابات الرئاسية لكنها تحطمت، وتحطمت معها أحلام صنّاعها؛ بالمشهد الرائع للمصريين فى الداخل والخارج.
لكن مستهدفى المنطقة من قوى الشر عقب ذلك المشهد غير المتوقع من جانبهم حاولوا العمل من جديد بصناعة محتوى زائف وإطلاق صفحات زائفة لمسئولين ولمؤسسات تحاول من خلالها تشويه المشهد، بل تم رصد مخصصات مالية ضخمة لدعم تلك الصفحات بعد استغلال بعض الثغرات التكنولوجية والإجراءات التي من الممكن أن تمنح تلك الصفحات الزائفة صورة يخيل للمتصفح غير المتخصص أنها حقيقية.
ولأن الشائعات كانت إحدى أدوات الحرب القذرة التي توجه ضد الدول المستهدفة فقد كان نصيب الدولة المصرية خلال ثلاثة أشهر 53 ألف شائعة وهو رقم يدل على حجم الاستهداف الموجه للدولة المصرية.
ورغم قيام الحكومة بالرد على كل تلك الشائعات وتفنيدها إلا أن الحرب لم تتوقف عند ذلك بل تم إنشاء العديد من الصفحات تحت مسميات فى ظاهرها أنها تدقق المعلومات مثل ما يسمى بـ «صحيح مصر» أو «تفنيد» والتي يقوم على تحريرها عدد من عناصر التنظيم الإخواني فى الخارج، وتحت دعوى أنها تصدر عن مؤسسات غير ربحية يبدأ العمل لتشويه كل ما يحدث فى الدولة المصرية من إنجاز والتشكيك فى كل ما ينشر عن مشروعات داخل الدولة المصرية.. بل تستخدم تقارير تعدها تلك المنصات لتقديمها لبعض المنظمات على أنها أبحاث تمت دراستها فى مصر لتكمل مشهد التضليل.
لم تكن مصر وحدها هي المستهدفة فى ذلك بل استهدف موقعًا مثل «تفنيد» مصر ومنحها مساحة واسعة من النشر المضلل، وكذا العراق وفلسطين والتونس.
والمدقق فى اختيارها للدول المستهدفة يدرك أنها اختارت الدولة المصرية كونها استطاع شعبها إسقاط التنظيم الإرهابي واسترداد الدولة والعمل على بناء الدولة الوطنية والحفاظ عليها، كما أن الشعب المصري نجح فى مواجهة حرب الشائعات الأمر الذي جعل تلك الأبواق الشيطانية تزيد من حجم الشائعات والتشكيك فى كل ما يتم من إنجاز داخل الدولة.
أما ما يعرف بـ«صحيح مصر» الذى وصفه بعض رواد مواقع التواصل بأنها «فحيح» لأن ما تقدمه من محتوى تمنحه عنوانًا عريضًا هو الأبرز «تصريح مضلل، تصريح غير دقيق» تستهدف به رئيس الحكومة والوزراء والمحافظين وعددًا من الإعلاميين وكل من يحاول أن يتحدث عن إنجاز تحقق على أرض مصر.
ولأن تلك المواقع تدرك أن مستخدمي السوشيال ميديا لا يتوقفون إلا عند العنوان وقليل من التفاصيل، بل إن عين القارئ دائمًا ما تلتفت إلى العنوان وهو الذي يترك صورة ذهنية لديه فقد انتهج الموقع هذا المنهج المسموم فى كل ما يقدمه من محتوى.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن تلك العناصر ومموليها قامت بإنشاء صفحات مزيفة لمسئولين بل لرؤساء، فمن قبل تم إنشاء صفحة للرئيس فلاديمير بوتين منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية ، على أنها تقدم محتوى ساخرًا، فى الوقت ذاته تم منع نشر أي محتوى عن الجانب الروسي على السوشيال ميديا .
وهو ما حدث منذ السابع من أكتوبر 2023 فتم حذف أي محتوى يتحدث عن الصهيونية أو إسرائيل أو غزة ، إنها مواجهة على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تؤثر فى الوعي الجمعي للمجتمعات، وهو ما قام به موقع التغريدات X «تويتر سابقًا»، من منح العلامة الزرقاء لصفحات مزيفة تحمل أسماء شخصيات رفيعة المستوى ورؤساء، وتقدم محتوى زائفًا.
منها الصفحة التي حملت اسم « الصفحة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي »، بل إن مسئولي موقع تويتر لم يلتفتوا للبلاغات التي قُدمت ضد الصفحة المزيفة من المستخدمين وتركوا الصفحة لتبث سمومها بدعوى محتوى ساخر.
فالصفحة الرسمية للرئيس السيسي تحمل اسم «الحساب الرسمي للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية» @AlsisiOfficial ويبلغ عدد المتابعين أكثر من 6 ملايين و100 ألف متابع.
فى الوقت الذي يبلغ عدد متابعي الصفحة الزائفة 88 ألف متابع ومشاهدة المنشورات عليها يصل إلى مليون مشاهدة وهو ما يكشف عمليات التمويل الضخمة للترويج لتلك الصفحة التي تنشر محتوى زائفًا.
إننا أمام حرب ممنهجة تستهدف التأثير على وعي الشعوب، وتمارس أكبر عملية تضليل لزعزعة وضرب الثقة بين الشعوب وقادة الدول للنفاذ مرة أخرى لخلق سيناريو الفوضى وتدمير الدول.