" عادل مش عادل ".. السذاجة والسماجة والفبركة

" عادل مش عادل ".. السذاجة والسماجة والفبركةمحمود عبد الشكور

الرأى25-2-2024 | 20:37

فكرت كثيرًا ألا أكتب عن هذا الفيلم لتواضع مستواه، فهو من تلك الأفلام العابرة، التي تشهد علي مزيج عجيب من السذاجة والسماجة والفبركة، والتي تؤكد أن نقطة الضعف المحورية في الفيلم المصري هي الاستسهال، خصوصًا في الأفلام الكوميدية ، التي يظن الكثيرون من صنّاعها أنها أقرب إلي التهريج، وأنها لا تحتاج إلي بذل أي جهد في عمل حبكة أو بناء، ولا تحتاج إلي الاهتمام بالتفاصيل، بينما كان شارلي شابلن، أستاذ الكوميديا الكبير، يري العكس تماما، فلا يوجد شيء في رأيه يتطلب الاهتمام والوعي واليقظة مثل كتابة الأفلام الكوميدية .

ربما لن يضيف فيلم " عادل مش عادل "، الذي كتبه أدهم سعد وحسام جمال، وأخرجه أحمد يسري، الكثير إلي موسم 2024، ولن يضيف أي شيء إلي مسيرة بطله أحمد الفيشاوي ، أو إلي رصيد مخرجه أحمد يسري، ذلك الرصيد الذي يضم خليطا غريبا من الأفلام متفاوتة المستوي، لكني فكرت أن الكتابة عن كوارث هذا الفيلم في السيناريو تحديدا، يمكن أن يعطي صورة لمشكلات الفيلم الكوميدي عموما، وربما يدفع ذلك إلي مراجعة الكثير من السيناريوهات المعدة للتصوير، والتي تحتاج إلي ضبط وتعديل، بل ربما حقق هذا المقال نوعا من الاهتمام لدي المتفرج نفسه، والذي عليه أن يتأكد أن الكوميديا دراما متكاملة العناصر، مثل أي نوع من أنواع الدراما، بالتالي فإن الضحك في مشهد أو مشهدين لا يكفي للحديث عن فيلم كوميدي متميز، حتي لو كانت البطولة لنجمك المفضل، الذي تركت منزلك لكي تراه.

شاهدتُ " عادل مش عادل " في ليلة باردة ممطرة، وأسعدني قبل المشاهدة أن تمتلئ حفلة الساعة السابعة مساء بجمهور معقول، معظمهم من الشباب صغير السن، جاءوا لمشاهدة فيلم بطولة نجمهم أحمد الفيشاوي، لكني أشفقت عليهم بعد المشاهدة، وأشفقت علي الفيشاوي الصغير، لأنني مؤمن بموهبته، وأراه ممثلا طموحا، يريد أن يصنع شيئا، ولولا طريقته المتعثرة في نطق الحروف، مما يستلزم دروسا في الإلقاء السليم للحروف العربية، لكان الأفضل بين أبناء جيله، ما يثير الشفقة أيضا أنه يفتقر إلي القراءة الجيدة للسيناريوهات التي تصل إليه، أو بمعني أدق، أراه يهتم بدوره وطرافته، أكثر من اهتمامه بالبناء والتفاصيل، وفيلم " عادل مش عادل " نموذج جيد لتوضيح ذلك.

لعل الفيشاوي فتن بشخصية البطل عادل الأمين (ولاحظ سذاجة دلالة الاسم)، وهو محام يحترف الشهادة الزور، ولا تسألني بالله عليك ما الذي يجمع بين أن تكون محاميا، وشاهدا للزور؟!! الحقيقة أن شخصية شاهد الزور جذابة، وفيها الكثير من الثراء الدرامي، لكن من لديه وقت ليدرس أو يفحص، المهم أن تري عادل وهو يقلب قضايا رأسا علي عقب، ويشهد علي آخرين، دون أن يوقفه أو يراجعه أحد، بل إننا نراه يغير رأيه أكثر من مرة أمام القاضي، بعد أن دخل زوج وطليقته مزادا لشراء ذمته بالفلوس، ولا يتوقف الفيلم أبدا أمام سوء سمعة عادل مثلا، ولا تكرار ظهوره في المحاكم كشاهد زور، ولا سبب احترافه لهذه المهنة، مع أنه يمكن أن يكون محاميا ناجحا، إذ يفترض أنه ذكي وحاضر البديهة، ولديه فكرة عن ثغرات القانون.

لكن حبكة الفيلم لا تعتمد فقط علي شهادة محامي الزور، لكنها معقدة دون داعٍ، وتدخل المشاهد في متاهات، لكثرة الشخصيات، وكلها قصص مفبركة وسمجة وعبيطة، لا يمكن قبولها في فيلم، يفترض أنه يستخرج المفارقة من واقع الجريمة والمحاكم، بل إن هناك إسرافا في القبض علي عادل، واتهامه ثم إخلاء سبيله، وحشدا من الجرائم التي يتم توريطه فيها، بعد تنويمه وتغييبه عن الوعي، فمرة يجد نفسه متهما بسرقة بنك، ومرة نراه متورطا في عملية إرهابية، ومرتديا زي مقاتلي طالبان، ومرة نراه متورطا في سرقة للآثار، وكلها حكايات طفولية هزلية كتبت بشكل بدائي ركيك، ولم يستطع إنقاذها مونتاج شريف عابدين، ولا موسيقي أنور عمرو المرحة، وهما أكثر عناصر الفيلم تميزا وأهمية، فلا معني لأي جهد بدون كتابة محكمة، وفيلمنا أبعد ما يكون عن ذلك.

حتي المشاهد الضاحكة قليلة، وتركزت بالأساس علي شخصية الجار أدهم (محمود البزاوي) ، الذي يشك في نشاط عادل، وفي مصدر الأموال التي يحصل عليها، وتركزت أيضا علي أم عادل، التي لعبت دورها بدرية طلبة، والتي تدعو دائما علي الظالمين، وعلي أولاد الحرام، مما يتسبب في إفساد خطط عادل للانحراف.

لا يوجد أيضًا خيال يمكن أن يسعف كتّاب الفيلم، فيكررون حكاية الزوجة الخائنة، مرة مع زوج عنيف (محمد رضوان)، يقرر قتل زوجته (دينا) لخيانتها له، ومرة مع الفتاة التي ذهبت إلي عادل في بيته، فجاء وراءها زوجها الغيور، وقتلها في شقة عادل، ولا يسعف الخيال المحدود السيناريو بأي تفاصيل عن شخصية الصحفية (شيرين عادل)، أكثر من الكليشيهات المألوفة عن السبق الصحفي، مع فشل كامل في إخفاء دورها في المؤامرة علي عادل، وفبركة سبب هذا التآمر العبيط.

عندما نعرف سر حكاية تنويم شاهد الزور المحامي، وتوريطه في عمليات تستهدف إدانته، نشعر حقا بضياع الوقت، وبمدي الفقر الفني والإبداعي، وبمدي الاستخفاف الذي كتبت به الحكاية، وندرك أن أحدا لم يراجع شيئا، ولم يطلب تعديلا، أو حبكة تحترم عقول الناس، وإلا لكان سأل عن كيفية معرفة التخطيط لعملية إرهابية طالبانية في مصر، ومحاولة إقحام عادل فيها، ولسأل عن تفاصيل كثيرة لا يمكن تفويتها، ولو حتي بمنطق الفانتازيا، لكن أحدا لم يهتم، فالمطلوب فقط هو تقفيل الفيلم، وتقديم شخصية طريفة هو شاهد الزور، مع مشهدين ضاحكين، وفيلم يفوت ولا حد يموت.

زمان، وفي عصر أضعف بكثير في الإمكانيات، كان إسماعيل ياسين يطلق علي السيناريو اسم "الخطة"، وكان يسأل أبو السعود الإبياري: "هل جهزت الخطة؟"، ويا له من مصطلح صحيح جدا، فبدون "خطة محكمة"، لن يكون هناك فيلم كوميدي، حتي لو كانت الحكاية بسيطة للغاية، كما في أفلام الأبيض والأسود، وحتي لو كان الكوميديان فائق الحضور، ويقدم في الفيلم "الشويتين بتوعه"، كما يفعل إسماعيل ياسين في عصره الذهبي.

لا كوميديا بدون خطة، وهذا الفيلم خطته ساذجة للغاية، مع أنه يريد أن يوهمنا بالعكس.

إنها في النهاية كوميديا مزيفة عن شاهد زور !!

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2