محلل أمريكى: سيناريوهات التصعيد لحرب إقليمية فى الشرق الأوسط تبدو أقل احتمالا
محلل إسرائيلي: تل أبيب تخشى حدوث مواجهة شاملة فى ظل تورطها فى غزة ولبنان
تقارير: التعليق المحدود ل إيران على الهجوم الإسرائيلى يشير إلى أن طهران لا تخطط للانتقام
بعد أيام قليلة من الهجمات الإيرانية على إسرائيل، جاءت الضربة الإسرائيلية على إيران، والتى استهدفت قاعدة للقوات الجوية بالقرب من مدينة أصفهان فى عمق البلاد على مقربة من المنشآت النووية دون إحداث أى أضرار، ردا على الهجوم الذى شنته إيران على إسرائيل فى 13 إبريل الحالى بمئات الصواريخ والمسيّرات والذى جاء هو الآخر ردا على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق فى الأول من إبريل بقصف إسرائيلى، مما أدى إلى مقتل ضباط إيرانيين كبار، وهو ما يطرح عدة تساؤلات عن المدى الذى ستصل إليه سياسة الرد والرد المضاد بين طهران وتل أبيب؟
من جانبها، امتنعت إسرائيل عن التعليق رسميا على الهجوم المنسوب إليها فى إيران، فجر الجمعة 19 إبريل، رغم تأكيد وسائل إعلام أمريكية، نقلا عن مسئولين إسرائيليين وأمريكيين، أن تل أبيب ردت بهذه الضربة على الهجوم الإيرانى غير المسبوق قبلها بأيام.
واعتبرت تقارير إسرائيلية وأخرى أمريكية، أن الضربة الإسرائيلية كانت محدودة وكان الهدف منها توجيه رسالة إلى طهران تفيد قدرة تل أبيب على مهاجمة إيران حتى داخل أراضيها، كما لم تستبعد إمكانية أن يكون الرد المحدود محاولة لطى الحادث، مع سعى الحكومة الإسرائيلية لإعطاء الأولوية لاستمرار الحرب فى غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين من القطاع.
فى هذا السياق، أجمعت تقديرات محللين عسكريين ومسئولين إسرائيليين سابقين على أن إسرائيل اختارت الصمت وعدم الإعلان رسميا عن أنها تقف وراء الهجوم الذى تعرضت له إيران، لتجنب أى رد إيرانى واسع بالعمق الإسرائيلى، من شأنه أن يلحق دمارا شاملا بالجبهة الداخلية الإسرائيلية بالكامل، ويجر المنطقة إلى حرب إقليمية لا تعرف تل أبيب كيف سيكون سيرها وتطوراتها.
الصمت الإسرائيلى حول تفاصيل الهجوم، قابله فى الجانب الإيرانى رد خافت لم يتضمن أى توعد بالرد المضاد، وهو ما أكد عليه مسئول إيرانى كبير من أن طهران ليس لديها خطة للرد الفورى على إسرائيل، وقال "لم نتأكد من المصدر الخارجى المسئول عن الواقعة، لم نتعرض لأى هجوم خارجى والنقاش يميل أكثر نحو تسلل وليس هجوم".
واعتبر محللون أن التعليق المحدود ل إيران على الهجوم الإسرائيلى، يشير إلى أن طهران لا تخطط للانتقام، وهو رد بدا أنه يهدف إلى تجنب نشوب حرب على مستوى المنطقة.
وأوضحت تقارير صحفية، أن تقليل وسائل إعلام ومسئولين إيرانيين من حجم الهجوم عندما أشاروا إلى أنه هجوم من قبل "متسللين"، وليس من قبل إسرائيل، مما يجنبها الحاجة إلى الانتقام، يظهر الرغبة فى إيقاف "دورة الردود الإنتقامية" بين إيران وإسرائيل.
وتؤكد تحليلات نشرتها صحف "واشنطن بوست"، و"وول ستريت جورنال"، و"نيويورك تايمز"، أن الضربات التى تنسب لإسرائيل فى إيران، كانت "أصغر من المتوقع"، وهذا ما يقلل فرص التصعيد الفورى بين البلدين.
ويقول جوليان بارنيس- دايسى من المجلس الأوروبى للعلاقات الدولية "يبدو أننا فى وقت يسعى الجانبان إلى الخروج من دائرة التصعيد الحالية إذ نفذت إسرائيل هجوما محدودا للغاية لإظهار الرد على الضربات الإيرانية، بينما سرعان ما قللت طهران من أهمية الحادث حتى لا تضطر إلى الرد عليه".
وذكر مايكل هورويتز، المحلل فى مؤسسة "لو بيك" للاستشارات الأمنية، لـ "فرانس برس"، أن الرد الإسرائيلى "رد محسوب يهدف إلى إظهار قدرة إسرائيل على ضرب الأراضى الإيرانية من دون إثارة أى تصعيد".
هذا ما أكده أيضا المحلل السياسى العسكرى الأمريكى فى معهد هدسون، ريتشارد وايتز، مشيرا الى أن سيناريوهات التصعيد التى قد تنتهى بحرب إقليمية فى الشرق الأوسط تبدو أقل احتمالا، حيث إن معرفة سيناريوهات التصعيد بدقة "يعتمد على مدى الرد الإسرائيلى الذى تنفذه على طهران، وعلى كيفية رد إيران على هذا الرد"، قائلا إنه يرى بأن " إيران وإسرائيل كلا منهما لا يريد الدخول فى قتال مباشر مع الآخر، ولكن من الصعب التكهن بالأفعال وردودها على المدى القريب والمتوسط، إذ قد نرى حربا بالنهاية حتى لو كان الطرفان لا يريدانها".
فى السياق ذاته، أشار تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" إلى أن كلا الجانبين "ربما يسعيان إلى خفض التصعيد" للتوتر المتصاعد، وأن صواريخ إيران ومسيراتها التى أطلقت على إسرائيل لم يكن الهدف منها تحقيق الضرر بشكل أساسى بقدر ما كانت استعراضا للقوة الإيرانية وبأن طهران تظهر قدرا من ضبط النفس لكنها قادرة على مواجهة إسرائيل وجها لوجه إذا لزم الأمر.
والرد الذى حصل فى إيران وتنسبه المصادر إلى إسرائيل، إذا ما تم الاكتفاء بهذا القدر من التصعيد المباشر، قد ينجح فى تجنب تبادل أعمال عدائية "ولو لبعض الوقت" بين الطرفين، بحسب تحليل المجلة الأمريكية.
على الجانب الإسرائيلى، يقول المحلل العسكرى فى موقع "واى نت" الإخبارى رون بن يشاى، إنه أيا كان من نفذ الهجوم فى إيران فقد فعل ذلك على موقع أو مواقع عسكرية تابعة لسلاح الجو فى الحرس الثورى، وكان ينوى السماح للنظام فى طهران باحتواء الحادث، دون الحاجة لجولة أخرى من تبادل الضربات مع إسرائيل.
لكن اتفق محللون إسرائيليون على أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة مفصلية وتتجه نحو حقبة تاريخية جديدة، لكن لن تكون للأفضل.
ولمنع جر منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية، يعتقد المحلل العسكرى فى صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن المجتمع الدولى سيسارع إلى جهود التهدئة تجاه إسرائيل و إيران اللتين تجاوز تبادلُ الضربات بينهما شكل المواجهة فى الماضى، مؤكدا أن الوضع الإقليمى لا يزال خطيرا.
وقدّر هرئيل أن الصمت فى تل أبيب وغياب رواية رسمية عن الهجوم رغم التمادى بالتهديدات خلال الأيام الماضية من قبل حكومة بنيامين نتنياهو، يأتى انطلاقا من إدراك قوة إيران المتزايدة، وتقييم مفاده أن إسرائيل تخشى حدوث مواجهة شاملة بينما هى متورطة فى ساحات القتال فى غزة ولبنان.