وثيقة التنازل عن عرش مصر صيغت بغرفة السنهوري باشا بقصر الأميرة فوقية من ثلاثة قضاة

وثيقة التنازل عن عرش مصر صيغت بغرفة السنهوري باشا بقصر الأميرة فوقية من ثلاثة قضاةالمستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى

تفتح الجمهورية الرابعة في عهد الرئيس السيسي، كنوز السيادة الوطنية لقضاء مجلس الدولة، لتحكي دوره الوطني الغائب ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم ثورة 23 يوليو 1952، وفي دراسته التوثيقية التاريخية الوحيدة لتاريخ مجلس الدولة للمفكر والمؤرخ القضائي المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، في مؤلفه بعنوان: (الغائب في التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة في السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصري)، وهي الدراسة الي حظيت بالاهتمام الوطني للدولة، ونعرض الجزء الذي يخص ثورة 23 يوليو لأهميته التوثيقية المتفردة في حياة تاريخ الأمة المصرية.

وثيقة التنازل عن عرش مصر صيغت بغرفة السنهوري باشا بقصر الأميرة فوقية من ثلاثة قضاة
يقول الدكتور محمد خفاجى: "بمناسبة ثورة 23 يوليو 1952 أنه ثقة في وطنية قضاة مجلس الدولة فإن وثيقة التنازل عن عرش مصر صيغت بغرفة السنهوري باشا بقصر الأميرة فوقية مع وكيلي المجلس المستشار سليمان حافظ وعبده محرم، وهو ما يعبر عن مدى ثقة الدولة المصرية في قضاته الأوائل ووطنيتهم وأن مجلس الدولة صاغ أهم وثيقة في تاريخ مصر الحديث بالتنازل عن عرش مصر".

ويضيف: "والحاصل أن حكومة وزارة علي ماهر باشا الرابعة التي تولاها يوم 26 يوليو 1952 حتى 7 سبتمبر 1952، والكائنة ببولكلي بالإسكندرية، كلفت المستشار سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة، والذي كان يعمل حينذاك مستشار الرأي للحاكم العسكري العام بأن يتولى مجلس الدولة وثيقة التنازل عن عرش مصر، فذهب المستشار سليمان حافظ وكيل المجلس بهذا التكليف -الذي ينم عن تقدير الدولة المصرية لفكر ووطنيه رجاله وقضاته من الرعيل الأول- إلى المستشار عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة، وتم تشكيل لجنة ثلاثية من وكيلي مجلس الدولة (سليمان حافظ وعبده محرم)، برئاسة الدكتور عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة.

ويشير الدكتور محمد خفاجى: "جلست اللجنة الثلاثية في غرفة رئيس مجلس الدولة الذي يقع في الدور الأرضي من قصر الأميرة فوقية بالدقي –القصر الحالي الأن لمقر رئيس مجلس الدولة بصفته– وهم يصيغون أهم وثيقة في تاريخ مصر الحديث ينتقل بها نظام الحكم من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري بفضل عظمة وقوة وشجاعة وإقدام رجال الجيش من الضباط الأحرار الذي لولاهم مع الشعب المصري العظيم لظل نظام الملكية جاثمًا على جسد الأرض الطيبة صاحبة البناء الحضاري الإنساني، تلك الثورة التي غيرت الكثير من تاريخ مصر، ووضعت حداً للفترة الملكية لتبدأ معها الفترة الجمهورية لـ مصر العربية".

مجلس الوزراء يوافق على صياغة الوثيقة، ماذا دار بين علي ماهر باشا و الملك فاروق ب قصر رأس التين بالإسكندرية؟
ويذكر الدكتور محمد خفاجى: "بعد أن فرغ المستشار عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة، وكل من المستشارين (سليمان حافظ وعبده محرم) وكيلي مجلس الدولة، في كتابة وصياغة وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش لإبنه الأمير أحمد التي تمت داخل عبق الماضي الجميل للمجلس في غرفة رئيس مجلس الدولة اَنذاك، ذهب بالوثيقة المعدة المستشار سليمان حافظ إلى مجلس الوزراء، الذي كان مجتمعاً في انتظار تلك الوثيقة ووافق عليها على الفور".

ويضيف: "وكان علي ماهر باشا رئيس الوزراء، قد ذهب في صباح يوم 26 يوليو 1952 لـ قصر رأس التين بالإسكندرية، وتحدث إلى الملك فاروق عن رغبة الجيش والشعب معاً إلى تنازل الملك عن العرش، ثم كلف مجلس الوزراء برئاسة علي ماهر باشا والمستشار سليمان حافظ، بالذهاب بالوثيقة إلى قصر رأس التين بالإسكندرية الأثيرة الذي كان محاصراً بالقوات المسلحة، ليوافق الملك فاروق على وثيقة تنازله عن العرش لإبنه الأمير أحمد فؤاد، وكانت تلك اللحظة التاريخية بتاريخ 4 ذي القعدة 1371هـ، الموافق 26 يوليو 1952م، بالأمر الملكي رقم 65 لسنة 1952 بقصر رأس التين".

نص وثيقة التنازل عن عرش مصر
ويذكر أن، نص وثيقة التنازل عن عرش مصر كان أخر قرار ملكي يصدره الملك فاروق حمل رقم 65 لسنة 1952 كالتالي: "نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، لما كنا نتطلب الخير دائماً لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها في هذه الظروف الدقيقه، ونزولاً على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه "صدر ب قصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371هـ الموافق 26 يوليو 1952م، ونشر بالوقائع المصرية في العدد 113 الصادر بذات التاريخ المذكور.

الملك فاروق طلب من علي ماهر باشا أن تكون الوثيقة مثل وثيقة تنازل ملك بلجيكا عن عرشه !
ويوضح الدكتور محمد خفاجى، عن ظروف يوم 26 يوليو 1952 فيقول: "الواقع أن الملك فاروق طلب من علي ماهر باشا عندما التقى به في صباح ذلك اليوم، بأن يحافظ على كرامته في وثيقة التنازل عن العرش، فقام علي ماهر باشا بطمأنة الملك فاروق ذاكراً له أن تكون الوثيقة على غرار الوثيقة التي تنازل بها ملك بلجيكا عن عرشه، وعلى إثر ذلك، اتصل علي ماهر باشا بالدكتور عبدالرزاق السنهوري باشا طالبًا منه تحرير وثيقة التنازل عن عرش مصر، فأعدت الوثيقة وقبل عرضها على مجلس الوزراء عرضت على اللواء أركان حرب محمد نجيب فوافق عليها".

العبارة المضافة من قائد جناح جمال سالم "ونزولًا على إرادة الشعب" بعدها غادر الملك البلاد بحراً على متن "المحروسة"
ويشير الدكتور محمد خفاجى إلى لحظات غاية في الدقة في تاريخ مصر فيذكر أن اقترح قائد جناح جمال سالم إضافة عبارة "ونزولًا على إرادة الشعب"، على صيغة الوثيقة وتم تكليف سليمان حافظ بحمل الوثيقة وتوقيعها من الملك، فاستقبله الملك فاروق بـ قصر رأس التين وقرأها أكثر من مرة -كما يروي سليمان حافظ- ورضى عن الشكل القانوني لها وتناقش في عُجالة مع المستشار سليمان حافظ وقال له أنه يريد إضافة كلمة "وإرادتنا" عقب عبارة "ونزولًا على إرادة الشعب".

ويضيف: "لكن المستشار سليمان حافظ رفض تلك الإضافة وأفهم الملك أن صياغة الوثيقة في صورة أمر ملكي تنطوي على ذات هذا المعنى الذي يعبر عن الإضافة التي يريدها، وأنه لا داعي لتكرارها، كما أفهمه أن تلك الصياغة تمت بصعوبة كبيرة على هذا النحو ولا تسمح بإدخال أي تعديل يطرأ عليها بأي شكل، فغضب الملك فاروق وقتها وكان في حالة عصبية سيئة لا يستطيع معها إعادة النقاش مرة أخرى، وقد بدأ بالفعل يستعد لمغادرة البلاد بحراً على متن يخت "المحروسة" قبل الساعة السادسة من يوم 26 يوليو 1952".

مجلس الدولة حافظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني ودعم الضباط الأحرار من رجال الجيش المصري العظيم
ويختتم المستشار الدكتور محمد خفاجى: "كانت وثيقة التنازل عن العرش لحظة فارقة في تاريخ مصر و الجيش المصري البواسل والشعب المصري العظيم وأيضاً في تاريخ مجلس الدولة، إن إعداد وثيقة التنازل عن عرش مصر يبين كيف كانت الدولة المصرية تثق في قضاته لدورهم الوطني في الحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم الضباط الأحرار من رجال الجيش المصري العظيم".

وينتهي: "كما أن النقاش الهافت السريع فى عمر الزمن الذى تم بين المستشار سليمان حافظ و الملك فاروق يبين قدر عظمة مصر الحضارة في التنازل الاَمن للملك وحرصه أن يضيف عبارة بإرادتنا وحرص المستشار سليمان حافظ على الاكتفاء بإرادة الشعب المقترحة من أحد الضباط الأحرار بالجيش المصرى العظيم".

أضف تعليق