بعد تخفيفها للقيود على دخول المواطنين الروس.. لماذا تغرد المجر خارج سرب الاتحاد الأوروبي؟

بعد تخفيفها للقيود على دخول المواطنين الروس.. لماذا تغرد المجر خارج سرب الاتحاد الأوروبي؟رئيس الوزراء المجري يصافح الرئيس الروسي

القرار المجرى الجديد بتخفيف قيود تأشيرات دخول المواطنين الروس لأراضيها، لم يكن القرار الأول الذى تغرد به المجر ورئيس وزرائها فيكتور أوربان، خارج سرب الاتحاد الأوروبى ، لتثير غضب بروكسل والعواصم الأوروبية، وإنما سبقته مواقف عديدة أثارت استياء أوروبا وخرجت فيها المجر عن الإجماع الأوربى ما جعلها عرضة للعقوبات الغربية.

القرار المجرى الأخير قوبل بالإدانة من حزب الشعب الأوروبى ورد فعل غاضب من المفوضية الأوروبية، وتحذيرات من تهديد الأمن القومى الأوروبى، وفق صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية.

وحذر مانفريد فيبر رئيس حزب الشعب الأوروبى، أكبر حزب سياسى فى الاتحاد الأوروبى ، من توابع تخفيف قيود تأشيرات دخول ثمانى دول للمجر بينها روسيا وبيلاروسيا، بأنه يفتح الباب أمام الجواسيس ويخلق ثغرات خطيرة لأنشطة التجسس، وربما يسمح لأعداد كبيرة من الروس بالدخول إلى المجر بحد أدنى من الإشراف، مما سيشكل خطراً جسيماً على الأمن القومى، محذرا من أن هذا النظام يمكن أن يسهل أيضاً على الروس التنقل فى منطقة "شنجن" الخالية من الحدود، متجاوزين القيود التى يفرضها قانون الاتحاد الأوروبى، وحض قادة التكتل على اتخاذ "تدابير مضادة عاجلة".

قضية تذليل العقبات أمام المهاجرين الروس، ليست المرة الأولى التى يثير فيها رئيس الوزراء المجرى، فيكتور أوربان، استياء دول الاتحاد الأوروبى، حيث سبق وتسبّب اجتماعه مع بوتين فى موسكو عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأوروبى الشهر الماضى فى حدوث عاصفة دبلوماسية فى الأوساط الأوروبية وزيادة الدّعوات لتجريد المجر من رئاستها وحقوق التصويت، من خلال تفعيل المادة 7 من معاهدة الاتحاد الأوروبى.


المواقف المجرية المثيرة للجدل جعلت العديد من الدول ترفض منذ ذلك الحين إرسال وزرائها إلى الاجتماعات التى تُعقد فى المجر، ما أدى إلى نقلها إلى بروكسل، حيث أتهم أوربان بسوء استخدام المنصب عبر جولاته الدبلوماسية، فى انتهاك لسياسة عزل روسيا، والتى لم يتم تنسيقها مسبقا مع الزعماء الأوروبيين الآخرين.

من جانبها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الامتناع عن القيام بالزيارة الافتتاحية التقليدية إلى المجر للترحيب بالرئاسة المجرية، وهو ما شكل ضربة رمزية لبودابست.

ويتمسك زعماء دول التكتل بأن أى آراء يطرحها أوربان تمثل وجهات نظره الخاصة، ولا تعبر عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى التى يمثلها فى نظرهم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل ويختص بها من الناحية القانونية.

وينظر لرئيس وزراء المجر أوربان الذى يُعرف بموافقه القومية والشعبوية، وأنه أحد أقرب أصدقاء وحلفاء الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، باعتباره أكثر السياسيين تشكيكا فى قوة الاتحاد الأوروبى والزعيم الأكثر تأييدًا للكرملين فى الاتحاد الأوروبى، وفق "بوليتيكو".

وكان أوربان استخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرار بشأن برنامج للاتحاد الأوروبى طويل الأجل لمساعدة الميزانية الأوكرانية بقيمة 50 مليار يورو على مدار أربعة أعوام، وذلك خلال قمة الاتحاد الأوروبى فى بروكسل فى ديسمبر 2023، وعارض أوربان فى ذات السياق، فكرة انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى.

كما انتقد أوربان، فى العديد من المناسبات، العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبى على روسيا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية؛ واعتبرها غير فعالة وتضر بالاقتصادات الأوروبية، بما فى ذلك اقتصاد المجر، كما دعا أوربان مراراً إلى اتباع نهج أكثر واقعية فى التعامل مع العلاقات مع روسيا.

وفى السياق نفسه، خرجت المجر عن الإجماع الأوروبى المؤيد لدعم حلف شمال الأطلسى (الناتو) للقوات الأوكرانية ورفضت المشاركة فى تسليح وتدريب أوكرانيا لمواجهة القوات الروسية.


يضاف إلى ذلك معارضة أوربان لسياسات الهجرة فى الاتحاد الأوروبى، ولا سيما خلال أزمة الهجرة فى أوروبا عام 2015؛ إذ انتقد رئيس الوزراء المجرى نظام الحصص فى الاتحاد الأوروبى بشأن إعادة توزيع طالبى اللجوء بين الدول الأعضاء؛ بحجة أنه ينتهك السيادة الوطنية ويهدد الهوية الثقافية الأوروبية، فى معارضة واضحة ومباشرة للنهج الأكثر انفتاحاً الذى يتبناه الاتحاد الأوروبى فى التعامل مع الأزمة.

هذه المواقف المجرية وغيرها جعلت المفوضية الأوروبية تطلق العديد من التدابير القانونية ضد المجر على مدار السنوات القليلة الماضية، باعتبارها إجراءات تعارض قوانين الاتحاد الأوروبى، وكذلك القيم الأساسية فى الاتحاد، والتى تشمل الديمقراطية، والحق فى المحاكمة العادلة، بالإضافة لقواعد حماية البيانات والسوق الداخلية.

وقالت مصادر قريبة من الأوساط الأوروبية بوجود وثيقة أعدها مسئولون فى الاتحاد الأوروبى وأطلعت عليها صحيفة "فايننشال تايمز"، تتضمن ما يقول إن بروكسل حددت استراتيجية اقتصادية مضادة للمجر.

وتستهدف هذه الاستراتيجية "تعريض العملة المجرية (الفورنت) للخطر"، والتسبب فى انهيار ثقة المستثمرين بها، فى محاولة للإضرار "بالوظائف والنمو الاقتصادى" فى حال رفضت بودابست التخلى عن استخدام حق النقض ضد المساعدات المقدمة إلى كييف، كما أعلنت بروكسل فى هذه الوثيقة، أنه فى حال عدم تراجع فيكتور أوربان عما أعلنه من توجهات وقرارات، فإن رؤساء بلدان الاتحاد الأوروبى سيكونون مدعوين إلى التعهد علانية "بوقف تمويل الاتحاد الأوروبى لجميع المشروعات المقرر تنفيذها فى بودابست بشكل نهائى، والعمل من أجل إثارة الشكوك والمخاوف لدى المستثمرين الأجانب؛ بهدف إبعادهم عن المجر، والتخلى عن الفورنت، ورفع كلف الإقراض"، من أجل الإضرار باقتصاد البلاد وتقليل جاذبيتها الاستثمارية.


كما فرضت محكمة العدل الأوروبية مؤخرًا غرامة قدرها 200 مليون يورو على المجر وغرامة قدرها مليون يورو لعدم اتباعها قوانين اللجوء الخاصة بالتكتل وترحيل المهاجرين بشكل غير قانونى.

وفى هذا السياق، وضع محللون سيناريوهات لمصير المجر داخل الاتحاد الأوروبى، السيناريو الأول: يرتبط بإمكانية تصعيد الاتحاد الأوروبى عقوباته ضد المجر، وربما حجب المزيد من الأموال وفرض عقوبات أكثر صرامة على عدم الامتثال لقوانين الاتحاد الأوروبى؛ مما قد يؤدى إلى زيادة عزلة المجر داخل الاتحاد، وهو سيناريو يظل مرتبطاً بمستوى العلاقات الروسية المجرية خلال الفترة المقبلة، وطريقة تعاطى أوربان مع تصاعد الضغوط الأوروبية تجاهه.

السيناريو الثانى: قد يسعى أوربان، فى إطار مواجهة أية ضغوط أو عواقب اقتصادية مُحتملة من الجانب الأوروبى، إلى إعادة النظر فى المقاربة المجرية مع الاتحاد الأوروبى، واختيار الحلول الوسط بشأن قضايا رئيسية مثل: استقلال القضاء، والفساد، وملف التمويل الأوروبى لبودابست، وذلك لإظهار حسن النية للأوروبيين، وفى الوقت ذاته الحفاظ على علاقات مع الجانب الروسى تحكمها المحددات الاقتصادية والجيوستراتيجية.

السيناريو الثالث: وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً؛ إذ ينصرف إلى تعقد الخلافات بين الطرفين إلى مستوى غير قابل للتسوية؛ ومن ثم تتحول المجر بشكل واضح نحو التحالفات الشرقية؛ مما يعزز علاقاتها مع روسيا والصين بما يشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية، وبذلك سيؤدى هذا السيناريو إلى تقلص الدور المجرى داخل الإطار الأوروبى، بل وربما الخروج من الاتحاد الأوروبى اعتماداً على أوجه وأطر الدعم التى ستقدمها دول مثل: الصين و روسيا للمجر فى تلك الحالة

أضف تعليق