لو لم يكن البقاء للأحسن ما قدر لهذا البطل أن يعيش بعد نصف قرن من تعاقب الرحلات والمغامرات.. يحتفل العالم كله بذكرى ميلاد « ميكي » وبمرور 12 عاما على وفاة « والت ديزني » صانع السعادة.
خرجت شخصية ميكي الأسطورية إلى الوجود قبل عام 1928 وكان « والت ديزني » يقيم فى مدينة «كانزاس» وكان يعمل عند عمه فى جراج وفى حجرته المتواضعة تكونت مستعمرة من الفئران واعتاد ارتياد الحجرة منها فأر صغير يفتك بسلة المهملات بانتظام، وقد ضاق «والت» فى أول الأمر بهذا الفأر، ثم ما لبث أن ألفه وتعود عليه، حتى إنه فى أحيان كثيرة كان يداعب شاربه بطرف القلم، وفى النهاية وصل به الأمر إلى درجة أن دربه على أن يحترم ويتبع حدودًا معينة يخطها له على الأرض.
وكان « والت ديزني » لا يجيد الرسم ولكن فى محاولة أولى خط شكلاً بسيطًا.. دائرتين متداخلتين لهما أذنان وساقان فى نهايتهما حذاء، أما الذراعان فهى رقيقتان للغاية والكفان عبارة عن قفاز بأربع أصابع، وفى النهاية زود الرسم بعينين صغيرتين وذيل صغير عبارة عن شعرة واحدة، ثم تغيرت ملامح هذا الفأر بالتدريج وبعد أن كان شبه عاريًا، أصبح له مجموعة ضخمة ومتنوعة من الملابس التى تليق بنجم حقيقي.
ظهر ميكى فى أول الأمر فى الأفلام الصامتة ونجح نجاحًا كبيرًا ولكن لم يحتل مكانه الحقيقى إلا بعد أن أصبح ناطقا، وكان له صوت مسموع فى وقت انتشار موسيقى الجاز، ومع بداية اكتشاف هوليوود لهذا النوع من الموسيقى بالذات أصبحت تحفة « والت ديزني » هى أول رسوم متحركة ناطقة تركت بصمتها فى تاريخ السينما . . وحتى عصرنا الحديث وبعد أن تدرجت الأصوات من صراخ الحيوانات أو فرقعة السيارات أضاف ديزنى لمسته الأخيرة بأن أعطى صوتا لميكي، وحتى نهاية حياته ارتبط اسم ميكى باسم «ديزني»، وبعد أن تقاعد ديزنى لأسباب صحية أصبح ميكى هو سفيره المتجول.
وكان لـ «ديزني» مثل أعلى هو «الرجل المناسب فى المكان المناسب»، لهذا استعان بكل الفنيين المتخصصين وقام ببناء حديقة كبيرة عام 1955 هى «ديزنى لاند» ثم عالم ديزنى فى عام 1971 فى مدينة فلوريدا، وهى حديقة صناعية مساحتها عشرة آلاف هكتار، أى نصف مساحة سان فرانسيسكو و مدينة ديزنى يخترقها قطار حقيقى يموج ويتلوى بين قصر الجميلة النائمة والخمائل وبلاد العجائب، وقد قدم لهذا المشروع استثمارا بحوالى 400 مليون دولار.
أما الحديقة ففيها معمل خاص لتنظيم وبناء المدن الحديثة وتركيبات تتم تحت الأرض للحفاظ على المناظر الطبيعية ومصنع لبناء الفنادق الجاهزة وببحيرة صناعية مجهزة بآلة لصنع الأمواج الصناعية ووديان من الأسفلت المصنوع من البلاستيك وأسطول من الغواصات وسيارات كهربائية وصالة عرض سينمائية، وعندما توفى «ديزنى» عام 1966 كان قد أتم كل شيء حتى أدق التفاصيل، وبعد أن حقق التعاون والترابط الكامل بين شركاته ومصانعه كلها.
ومع براءة الأطفال انتشر «ميكى» واجتاح أمريكا وأوروبا ثم إفريقيا كلها، «ميكى» هو الطفل الصغير الذى لا يخاف الكبار لأنه فهم وعرف أن سر النجاح هو أن يكون مثال للآخرين وأن يكون له بيت وأصدقاء وأسرة.
ما قبل التاريخ
بعض السطور فى «كتاب الموتى» الفرعونى القديم والذى يرجع إلى عام 1500 ق. م تناولت القصص المصورة وهى أقدم مثال للتاريخ المصور، حيث تتعاقب المشاهد بطريقة منتظمة وبرسوم مركبة والنص عبارة عن رموز قائمة داخل الصورة نفسها وأحيانا تتكرر الشخصية وتقدم على مراحل مختلفة وبمصطلحات حديثة وفقا لصور مختلفة.
واستخدمت القصص المصورة منذ القدم فى أزمنة الفراعنة وكانت رسالتها أن تحكى لحظات الوجود المفضل لشخصية خيالية أو حقيقية محكوم عليها بالحياة فى حاضر خالد.
هذه الأبحاث أعادت الثقة بالقصص المصورة بعد أن تناولتها الحملات التى شنت عليها ومن الجائز أن تكون هذه فرصة لعودة شخصية سندباد التى ظهرت عام 1951 وتوقفت فى 30 يونيو عام 1960 وأن تلاقى نفس النجاح الذى حققه ميكي، فالقصص المصورة هدفها ليس فقط تسلية الأطفال ولكن إضحاك الكبار أيضا، ومن المحال إنكار أهمية الإنسان وعظمته فى هذا النوع من القصص، فقد قال «والت» نفسه: إن «دونالد وميكي» هما خليط من الإنسان والحيوان واستخدام لعالم الحيوان.. ألّفه وخلقه وأبدعه الإنسان صانع الأساطير.
نشر بمجلة أكتوبر فى نوفمبر 1978م – 1398هـ