لواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي .. (9) الفريق صلاح حلبي

لواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي .. (9) الفريق صلاح حلبيلواء دكتور سمير فرج يكتب: شخصيات في حياتي .. (9) الفريق صلاح حلبي

* عاجل16-1-2019 | 22:35

مهما منحتنا الحياة من مهارات، وخبرات، ونجاحات ... يظل للحظ دوراً، ومكاناً، في حياة الإنسان، لا يمكن أن ينكره. ورغم عدم تمام اقتناعي بالمثل العامي الدارج، "قيراط حظ، ولا فدان شطارة"، لما فيه من تعدي على قيم العمل والاجتهاد، إلا أنني أقر بأن الحظ منحني، في يوم من الأيام، واحدة من أجمل، وأهم الفرص، في حياتي، عندما عُينت مدرساً في معهد المشاة – أعرق المعاهد العسكرية في مصر – وفيه تزاملت مع نخبة من ألمع ضباط القوات المسلحة المصرية، وفخر رجالها، فكان منهم المقدم صلاح حلبي، والمقدم محمد عادل عبد الله، والمقدم إبراهيم الحفناوي، والعقيد طلعت مسلم.
منحني الحظ فرصة أن أكون مع كل هؤلاء العظماء، للتجهيز لتدريس مشروعات تدريب قادة الكتائب في القوات المسلحة، لمدة يومين أو ثلاثة أيام أسبوعياً، كان مقدار استفادتي خلال تلك الأيام، أكثر بكثير من كل ما تعلمته في حياتي، تحت قيادة المقدم صلاح الحلبي، بكل ما حاباه الله به من الذكاء، والعلم، والفطنة، والحكمة، والهدوء، الذي كنا نشبهه بهدوء وصفاء مياه البحر، في شهر سبتمبر.
لقد تولى، صلاح الحلبي، كافة الوظائف القيادية في القوات المسلحة، بدءاً من قائد كتيبة، وقائد لواء، وفرقة، حتى وصل إلى منصب قائد الجيش الثالث الميداني. تخلل هذه الفترات توليه لمنصب مسئول التدريب في وزارة الدفاع، وهو منصب لا يتولاه إلا المتميزين، وأصحاب الخبرة من أبناء القوات المسلحة، كما تولى منصب رئيس فرع التخطيط، في هيئة عمليات القوات المسلحة، تلك الوظيفة التي تعد العقل المفكر للتخطيط الاستراتيجي للقوات المسلحة. وكان آخر المناصب العسكرية التي تدرج إليها سيادته، هي مساعد وزير الدفاع، عندما تم اختياره، اعتباراً من أول يناير 1991، لقيادة القوات المصرية، المشاركة في حرب الخليج الثانية، لتحرير الكويت، والتي أطلق عليها في أروقة القوات المسلحة اسماً "كودياً"، هو "قوات العروبة 90".
تم تعيين اللواء كمال عامر، الرئيس الحالي للجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، نائباً للواء صلاح الحلبي، وكانت القوات المصرية هي ثاني أكبر قوة عسكرية، في التحالف، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بقوة قوامها نحو أربعين ألف مقاتل، وكان الأمير السعودي، الفريق خالد بن سلطان، قائداً للقوات العربية المشتركة في هذه العملية، والذي أعرفه شخصياً منذ تزاملنا في دراسة دبلومة إدارة الأعمال، في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان حينها برتبة العقيد.
كان اختيار القيادة العامة للقوات المسلحة، للفريق صلاح الحلبي، لقيادة القوات المصرية، في عملية تحرير الكويت، سليماً للغاية، وقائماً على أسباب موضوعية، له علاقة بشخصيته التي تتمتع بالهدوء وذكاء، فضلاً عن مؤهلاته القيادية، وخبرته الميدانية في القوات المسلحة المصرية. لم تكن مهمته في منطقة "حفر الباطن"، مقر قيادته بالسعودية، باليسيرة، فقيادة قوات قتالية بهذا الحجم، وبالتنسيق مع قوات مقاتلة، من عدة دول عربية وأجنبية، وصل عددها إلى 33 دولة، ليست بالمهمة الهينة، إلا أن قيادته لها، بمعاونة عدد من القادة المتميزين، كان له عظيم الأثر في نجاحها؛ فإلى جانب نائبه اللواء كمال عامر، كان معه العميد يحيى علوان حرب، قائد الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي، والعميد نبيل الرشيدي، قائد الفرقة الرابعة المدرعة المصرية.
وقد سجل التاريخ، أنه عند بدء مرحلة التخطيط، فإن قائد القوات السورية اعتذر عن المشاركة بقواته، ضمن الأعمال القتالية للقوات المشتركة، وطلب وضع قواته في الاحتياط، بدعوى أن سوريا والعراق دولتي جوار، وأن أي قتال بينهما من شأنه خلق توتر في المستقبل!
كما سجل، في صفحات مضيئة، أن اللواء صلاح الحلبي، قاد قواته بمنتهي الشجاعة، والبسالة، والحكمة، حتى تمكنت من رفع علم الكويت، مرة أخرى، فوق أراضيها، وعادت لها سيادتها، مرة أخرى، وعاد إليها أميرها، وبرلمانها، وحكومتها ... وبعد انتهاء حرب تحرير الكويت، تم تعيين الفريق صلاح الحلبي، رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، وتولى اللواء كمال عامر القيادة من بعده، حتى عودة القوات المصرية الظافرة إلى أرض الوطن، لتحتفل بهم مصر، قيادة وشعباً، في حفل مهيب، بقيادة الجيش الثالث الميداني. لتثبت مصر، كدأبها، أنها السند القوي للأمة العربية بأكملها، برجالها الأوفياء، وجيشها العظيم.
ومرة ثانية، أسعدني الحظ، للعمل تحت قيادة الفريق صلاح الحلبي، وهو رئيساً للأركان، وأنا مديراً لإدارة الشئون المعنوية، فشهدت إدارة الشئون المعنوية تطوراً كبيراً في عهده، لمساندته الدائمة للأفكار الجديدة، بعدما يستمع إليها جيداً، ويفكر فيها بهدوء، قبل أن يتخذ قراره بالموافقة.
وعندما وافته المنية، في أكتوبر 2014، شارك في مراسم الجنازة، الرئيس عبد الفتاح السيسي، تقديراً من سيادته، ومن الدولة، والقوات المسلحة المصرية، لجهود وعطاء هذا الرجل. وتوافد العديد من مسئولي الدول العربية، لتقديم واجب العزاء، وكان منهم سفير دولة الكويت بالقاهرة، تقديراً من بلاده لدور هذا الرجل في حرب التحرير.
إن مصر تعتز برجالها العظماء، من أمثال الفريق صلاح الحلبي، الذي قدم فكره، وجهده، في تطوير القوات المسلحة، وقام هو، ورجال القوات المسلحة المصرية، بالدفاع عن استقلال الدول العربية ... هذه هي مصر ... وهذا هو جيشها العظيم ... والفريق صلاح الحلبي نموذجاً مشرفاً من أبطاله الحقيقيين.
Email: [email protected]
أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2