د. ناجح إبراهيم يكتب: يركض إلي الصعيد

د. ناجح إبراهيم يكتب: يركض إلي الصعيدد. ناجح إبراهيم يكتب: يركض إلي الصعيد

* عاجل21-8-2019 | 22:04

أغراها طول أجازة العيد مثل الجميع فأرادت زيارة أسرتها  في الصژعيد،لم تجد تذكرة فقد نفذت قبل 12 يوماً من موعد القطار,طمعت أن تجد مكاناً في قطار VIP,صدمت حينما رأت العربات مكتظة,بعضهم يقف في الطرقات أو يفترش الأرض أو مخزن الحقائب وبين العربات. كلهم دفع التذكرة مع الغرامة,لم تجد سوى الحمام ملجأ لأولادها الأربعة,والغريب أنهم دخلوا في سبات عميق وكأنهم علي سريرهم,حسنا أنهم تركوا حماماً آخر لمن يريد الوضوء أو قضاء حاجته. عند وصولهم لمحافظتهم جمعوا شملهم متأخرين وأيقظوا الأولاد,لكنهم نسوا أحدهم نائماً لا يريد الاستيقاظ,كاد القطار أن يتحرك دونهم,ظاهرة نوم الصعيدى بعمق وهو في طرقات القطار أو بين العربات أو في الحمام أو في مخزن الأمتعة أو علي أرفف قطار الدرجة المميزة,أو وهو علي الباب والقطار يتحرك تحتاج لتفسير. ذهاب الصعايدة من الإسكندرية والقاهرة للصعيد في أول العيد مأساة وعودتهم فى نهايته مأساة أخرى لا تقل هواناً عن الأولى. الجميع يشيد بانخفاض أسعار التذاكر بالمقارنة بوسائل المواصلات الأخرى. الصعيدى يحب السفر بالقطارات رغم صعوباتها,وينسي هوان الرحلة وعذاباتها بعد أن يصل إلي أسرته الكبيرة ووالديه أو يزور قبرهما في أول الإجازة وينسى ذل رحلة العودة بعد أن يصل سالماً لأسرته الصغيرة. في الدرجة الأولى المكيفة فى الأعياد تجد عدد الواقفين أكثر من الجالسين,تأسى حينما تجد امرأة حاملاً تقف بالساعات دون أن تجد موطناً لقدميها تريحها أو تستند علي شيء. وقف كفيف كبير السن في طرقة العربة مع عصاه وولديه الصغيرين,تأمله بعض الركاب حزنوا لمنظره الأليم,ذهب ليستأذن من شاب جامعى ليجلس علي طرف كرسيه فقام منه وتركه له في شهامة نادرة فالمسافة طويلة جداً,جلس الكفيف وأجلس علي طرف الكرسي ولديه,ناموا فوراً. قلت له:لماذا تركب القطار وهو بهذه الصورة وأنت بهذا الحال؟قال الكفيف:السكة الحديد تعافى المكفوف من التذاكر,وقد أكرمنى الكمسارى بترك ولدى,رغم تشدده مع الركاب. قلت له:هل سينتظرك أحد من أشقائك الذين ستزورهم,قال:لا,قلت وكيف ستذهب إليهم,قال:لن نعدم من أهل الخير الذين يرشدوننا ويوصلوننا,حزنت علي أنه وهو كفيف يذهب إلي شقيقه وهو الأولى بالزيارة والعطف,عجبت للحياة وغرائبها وكيف تفعل بالفقير والضعيف. جلس الشاب الجامعى علي حروف المقاعد بين والدته وشقيقته الصغرى التى تفوقت ودخلت كلية الطب,فقرر الأب مكافأتها والأسرة برحلة من طهطاً إلي الإسكندرية. تذكرت الأيام التى دخلت فيها كلية الطب,وكيف كان فرحتى وفرحة أسرتى باللقب الجميل القادم,تأملت سير الأطباء وكيف نفعوا وخدموا أسرهم,فكرت في هذه الطالبة وجدت والديها وأجدادها من رجال التربية والتعليم,فمعظم طلبة كليات القمة من أولاد رجالات التعليم المخلصين,وهذا حدث في أسرتى أيضاً فالذين دخلوا الطب من أسرتنا من أبناء رجالات التعليم,علموا أولاد الناس فكافأهم الله في أولادهم وأحفادهم. كلما اقترب القطار من القاهرة ازداد ازدحاماً,هذا في الدرجة الأولى فما بالنا بالثانية،قال لى وافد منها:أنها كاللحم المتلاصق,فالطرقات وكل بقعة مكتظة بالذين يفترشون الأرض وغلبهم النعاس,لا تستطيع التحرك منها إلي العربات الأخرى,هذا في القطارات المكيفة أما المميزة فحدث ولا حرج. وهكذا وصل القطار بعد 17 ساعة كاملة من الركض علي القضبان،عندما يصل الصعيدى إلي محطته النهائية ذهاباً وعودة في الأعياد يدرك أنه ولد من جديد وكتبت له الحياة مرة أخرى بعد عذاب وهوان. ارحموا أهل الصعيد يرحمكم الله،فكل ما فيه بؤس وعوز وحاجة وطرق متهالكة ويكفى الطريق الزراعى الذى يحصد الأرواح يومياً بلا شفقة ولا رحمة.

    أضف تعليق

    إعلان آراك 2