ماجد بدران يكتب: علاج مجتمع مُنفلت «3»

ماجد بدران يكتب: علاج مجتمع مُنفلت «3»ماجد بدران يكتب: علاج مجتمع مُنفلت «3»

*سلايد رئيسى7-3-2020 | 14:24

تناول فلاسفة اليونان القدامى مسألة الضبط الاجتماعى لكنهم استخدموا مصطلحات أخرى كالقانون أو الدين أو الأخلاق. وأشار ابن خلدون فى مقدمته إلى الضبط الاجتماعى فى قوله: «إن الاجتماع للبشر ضرورى ولابد لهم فى الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه، وحكمه فيهم إما يستند إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثواب والعقاب عليه، أو إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليه ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم». واعتبر ابن خلدون قضية الضبط الاجتماعى ضرورة ملحة يجب أن تتوافر فى أى مجتمع لضبط سلوكياته وأفعاله وتنظيم حياته وفرض الاستقرار والتوازن، كما يُعتبر الضبط الاجتماعى وفقًا لما ذهب إليه عالما الاجتماع الأمريكيان «بارك وبيرجس» هو الأساس لحل كافة المظاهر التى يمارسها المجتمع للسيطرة على سلوك أفراده، وكافة الإجراءات التى يتم بمقتضاها استقرار المجتمع وتماسكه. وتتعدد وسائل الضبط الاجتماعى ومن أهمها الأعراف الراسخة فى المجتمع، وهى من أهم الطرق التى توجدها الحياة الاجتماعية، وتتطور وتزداد رسوخًا وتأصلاً مع الزمن، ويخضع لها كل أفراد المجتمع، لأنها تستمد قوتها من الأفكار والعقائد وظروف الحياة المعيشية. وعُرف أى جماعة هو أخلاقياتها المغروسة لدى أفراد المجتمع، ويمارسونه حتى يصبح مقدسًا، أما العادات فهى ظاهرة اجتماعية تشير إلى كل ما يفعله الناس، وتعوّدوا فعله بالتكرار، وهى ضرورة اجتماعية، وهى تلقائية، لأن أبناء المجتمع يتعارفون فيما بينهم على ما ينبغى أن يفعلوه وذلك برضاهم، أما التقاليد فهى خاصية تتصف بالتوارث من جيل إلى جيل، وتنبع الرغبة فى التمسك بها من أنها ميراث من الأسلاف والآباء. والاختلاف بين العادات والتقاليد يتمثل فى أن العادات الاجتماعية أنماط سلوكية ارتضاها الناس على مر الزمن ويسيرون على هديها ويتصرفون بمقتضاها بدون تفكير فيها وتختلف من مجتمع إلى آخر، والسلوك لكى يصبح عادة اجتماعية يجب أن يتكرر وينتشر، فيصبح نمطًا للسلوك فى مجتمع معين، أما التقاليد فهى أنماط سلوكية ألّفها الناس ويشعرون نحوها بتقديس ولا يفكرون فى تغييرها. وتعتبر عملية التنشئة الاجتماعية من أهم وسائل الضبط الاجتماعى، فهى التى تعلم الطفل قيم المجتمع، وتعده للحياة الاجتماعية المقبلة التى سيتعامل فيها مع آخرين خارج نطاق الأسرة، ويتأثر الطفل بوالديه بالتقليد والمحاكاة، فيبدأ ببناء شخصيته، وللمدرسة دور كبير فى تنشئة الطفل وتربيته، فيتعلم فيها احترام نفسه واحترام الآخرين، كما يتعلم ضبط نفسه. وفى المدرسة يجد النمط التالى لنمط والديه، متمثلاً فى المعلم، فيطيعه ويتعلم منه عادة الطاعة والاحترام، وهكذا تصبح التربية أداة أخلاقية فى يد المجتمع لضبط أبنائه. أما القانون فهو أعلى أنواع الضبط الاجتماعى دقة وتنظيمًا، ويتميز عن بقية الضوابط بكونه أكثرها موضوعية وتحديدًا، وينطوى على العدالة التى لا تفرق بين أبناء المجتمع، فالثواب والعقاب صنوان فى القانون، وهو فى العقاب بمثابة الردع، أو منع وقوع جريمة أو ارتكاب خطأ. ويعتبر القانون سياجًا على الحريات، ويحدد القانون العقوبات وفقًا للخطر الذى يمثله الخارجون عليه، ويعتبر كضابط اجتماعى يجمع كل الآليات التى تمنع الانحراف، وعقاب المنحرف نظرًا لقوته الإلزامية ونصوصه الواضحة والمحددة والتى توقع الجزاء على من يخالفه. وفى بلدنا تركت الطبيعة التقليدية التى عاش فيها المصرى على ضفتى النيل بصماتها على شخصيته فى صورة ميل إلى الوداعة والطمأنينة.. شخصية مزيج بين المرح وروح الفكاهة والسخرية، والميل إلى الحزن، وحب الأسرة والتدين، القناعة، اللامبالاة، المحاباة والنفاق أحيانًا. لكن مع التحولات المتسارعة والظروف الاقتصادية الصعبة بدأت تطفو على السطح ظواهر سلبية تتواجد فى المجتمع بشكل لافت، ضربت بل زلزلت جذور الشخصية المصرية، فانهارت القيم والأخلاق، وطفت ظواهر تكاد تعصف بالمجتمع، هذا المجتمع الذى يعتبر كيانًا واحدًا يتأثر بعضه ببعض، ويمكن تخيل الظواهر السلوكية الاجتماعية السلبية كالإدمان الذى يقضى على رجل قوى.. وللحديث بقية.
أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2