نادية صبره تكتب: هزيمة سياسية لأردوغان

نادية صبره تكتب: هزيمة سياسية لأردوغاننادية صبره تكتب: هزيمة سياسية لأردوغان

*سلايد رئيسى11-3-2020 | 14:46

هزيمة سياسية مُني بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو الخميس الماضي عقب إبرام إتفاق وقف إطلاق النار بعد مباحثات استمرت ستة ساعات أسفرت عن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منتصف الليلة التي انتهت فيها مباحثات الكرملين وإنشاء ممر آمن ونشر عناصر من الشرطة الروسية والتركية في دوريات مشتركة بدءاً من منتصف مارس الجاري من مدينة سراقب إلى بلدة الحمرا وحقيقة الأمر أنه لا يعد اتفاقاً بالمعنى المفهوم وإنما هو لا يعدو برتوكول ملحق لتفاهمات سوتشي 2018 الغرض منه هو تجميد الوضع على الأرض. أردوغان اضطر للتنازل عن مطلبه الأساسي وهو إنسحاب الجيش السوري خلف نقاط المراقبة التركية الإثنى عشر، وبذلك خسر الهدف الرئيسي من وقف إطلاق النار لأنه لم يستطع إقناع روسيا بالموافقة على ذلك.. الروس لم يقدموا تنازل واحد أمام أردوغان لأنهم يدركون أن أي تنازل سيأتي بعده تنازلات أخرى تنهي كل نجاحات الجيش السوري وهذا لا يمكن إنطلاقاً من منطق موسكو بأي حال من الأحوال.. فقط أعطوا لأردوغان تأكيدات بعدم استهداف نقاط المراقبة التركية وضمان دوريات في طريق الـ M4 ولم يتطرق الحديث من بعيد أو قريب إلى طريق M5 المسيطرة عليه القوات الروسية مما يشكل هزيمة أخرى لأردوغان... وقد استطاع القيصر بوتين أن ينجح في لعبة الشطرنج الجيوسياسية وأن يحشر أردوغان في الزاوية ويوقف طموحاته وترجيح كفة الجيش السوري الذي استعاد السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية في غضون ساعات مما أعطاه دفعة معنوية.. من الواضح أن أردوغان قد أصبح هامش المناورة لديه ضعيف ولا مناص من الرضوخ للفرائض والمعطيات الجديدة على الأرض في إدلب فلأول مرة تركيا تخوض الحرب مباشرة في سوريا بدون وكلاء.. ولها خسائر من الجنود والعتاد فبأي وسائل سيقاتل أردوغان ويخوض حرب جديدة؟ وإذا خاضها إلى أين سيصل هل سيصلي بالجامع الأموي كما قال؟ أردوغان ليس قائد عسكري ولكنه نصب نفسه في الدستور التركي الجديد ليلعب دور القائد الأعلى للقوات المسلحة وبحسب ما ذكرته جريدة الواشنطن بوست فهو يتدخل في عمل العسكريين الأتراك ويطلب منهم ضرب مواقع بعينها لذلك كان وجه أردوغان ولغة جسده فيها كثير من الضعف والتملق لبوتين الذي استقبله بفتور كما تضمنت الزيارة على إهانات متواصلة كان أولها هو تعمد بوتين ترك أردوغان والوفد الكبير المرافق له المكون من وزيري الدفاع والخارجية ورئيس المخابرات لنحو دقيقتين إنتظار حتى سمح لهم بالدخول وتم تسريب الفيديو من قبل التليفزيون الروسي كما جاء جلوس أردوغان تحت تماثيل رمزية لجنود روس هزموا الإمبراطورية العثمانية عام 1878م ثم تركه الرئيس بوتين فجأة وقام يصافح الوفد التركي الذي جاء جلوسه أيضاً أسفل تمثال إمبراطورة روسيا القيصرية يكاتيرينا التي الحقت قواتها بالأتراك 11 هزيمة... أردوغان حاول حفظ ماء وجهه بأن يعلن أن وقف إطلاق النار كان مراده الوحيد وأن تركيا مستعدة دائماً للرد على الإنتهاكات والهجمات المحتملة من النظام السوري.. للأسف الرئيس التركي مُصر يلعب في ملعب الكبار وهو لا يملك إمكانيات روسيا والولايات المتحدة.. فهو وقع الإتفاق مع روسيا ثم عاد يطلب المساعدة من الأمريكيين وهو يعلم جيداً أن تركيا لن تحصل على الكثير من أمريكا وهو لم يخفي خيبة أمله في الشريك الأمريكي وقال كان بمقدور أمريكا أن ترسل معدات عسكرية إلى إدلب لكن لم نتلقى دعم حتى الآن.. فهناك حالة إرباك سياسي في واشنطن وإنقسام في الإدارة الأمريكية بحسب ما ذكره جيمس جيفري الممثل الأمريكي الخاص لشئون سوريا بأنه ليس هناك إجماع على ما يجب القيام به تجاه تركيا وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرتبط بعلاقة خاصة مع أردوغان ولذلك يعرقل العقوبات على تركيا إلا أن هناك غضب في البنتاجون ورفض لتزويد تركيا بصواريخ الباتريوت فهم يرون أن هذا يتعارض مع وجود الـ S400 خاصة وأن أردوغان أعلن أنه سيتم تفعيلها في إبريل القادم... فجنرالات البنتاجون لا يثقون بالأتراك ولن يسمحوا بوجود الباتريوت والـ S400 في مكان واحد ولايمكن للبيت الأبيض الضغط على البنتاجون لذلك فالأمر معقد وأمريكا ليست في عجلة من أمرها ومن مصلحتها الضغط على أردوغان خاصة وأن ترامب سيكون إهتمامه الأكبر بالانتخابات الرئاسية.. وأيضاً لا يوجد أي مكاسب سياسية حققها أردوغان في زيارته لبروكسل فالعلاقة الأوروبية التركية متوترة في الأشهر الماضية بسبب استخدام الرئيس التركي ورقة اللاجئين للضغط على الإتحاد الأوروبي لذا لم يكن مرحباً به فهم يعرفون جيداً أنه قادم للإبتزاز وأنه أكبر الداعمين للإرهاب ويأوي أكثر المطلوبين على الأراضي التركية مثل فلول تنظيم القاعدة التي تعمل تحت ستار جبهة النصرة قبل أن تغيرها إلى هيئة تحرير الشام لذلك تم فرض الأجندة الأوربية عليه، كما أن تصريحات الأوروبيين بالمساعدة في تأمين إدلب لا تعدو تصريحات رمزية لأنها مشروطة بموافقة الطرفان أي روسيا وتركيا وبالطبع روسيا ترفض بأن تكون أوروبا شريكة في الحرب فهي تريد التعامل مع تركيا بدون شركاء... ولذلك رفض بوتين اقتراح تركي سابق بعقد قمة رباعية مع الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فالجانب الروسي لن يسمح بمنطقة آمنة كما يُريد الأتراك والأوروبين.. وكل ما حصل عليه أردوغان هو وعد أوروبي بتطوير اتفاق 2016 الخاص بدفع ستة مليارات دولار كمساعدة لتركيا في تحمل نفقات اللاجئين.. وغير واضح معنى تطوير الاتفاق هل يعني توقيع اتفاق جديد؟ أم بحث الإتفاق السابق حيث تم دفع جزءاً والتنصل من الجزء الآخر؟ وفي كل الأحوال على أردوغان أن يوقف وصول المهاجرين... إن اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي ما هو إلا اتفاق هش ولن يصمد طويلاً فحسابات كل طرف مختلفة عن الآخر أما الدوريات المشتركة فالمقصود منها أن يحمي كل طرف حليفه المحلي.. فروسيا تريد حماية الجيش السوري وتركيا تريد حماية الجهاديين والجماعات المسلحة... لذلك أتوقع أن أردوغان والمسلحين سيتخلوا عن إدلب فالفارق بين مواقع الجيش السوري وحلفاؤه 65 كيلو متر ولا يمكن الدفاع عن مدينة بحجم إدلب فالجيش السوري بمساعدة القوات الخاصة الروسية والطيران الروسي استطاع تحرير مساحات كبيرة من الأرض في درعا وغوطة دمشق وريف حلب الشمالي وحصرت مناطق المعارضة في وسط وشمال إدلب... ويبقى الموضوع الإنساني هو أكثر الموضوعات إيلاماً فما يزيد عن المليون مواطن سوري نزحوا منذ بداية المعارك في ديسمبر الماضي ويقيمون في مخيمات بعد أن تحولت إدلب إلى مسرح للمعارك الشرسة والأزمات الإنسانية الصعبة... كلما رأيت الرئيسين بوتين واردوغان تذكرت المثل الصيني الشهير الذي يقول (إذا أردت الإجهاز على خصمك عليك أن توفر له جسراً للإنسحاب)... فالرئيس بوتين باتفاق وقف إطلاق النار في إدلب يكون قد أعطى أردوغان آخر غطاء يغطي به وجهه القبيح في الخروج من سوريا محترماً، فهل سيخرج أردوغان أم سيظل إرهابياً وداعم للإرهاب والإرهابيين.. هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة...
أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2