إسلام كمال يكتب: خطورة أن نترك عرب٤٨
إسلام كمال يكتب: خطورة أن نترك عرب٤٨
موجات الربيع العربي، بالتأكيد لها دور كبير، لكن أيضا البذور، كانت بدأت تغوص في الأرض قبلها، لتنبت شجرتها المشبوهة، التي أرادوها أعداؤنا، ولم نواجهها بشكل كبير، للأسف، كما هو مرغوب، فترعرعت!
حديثى هنا عن الابتعاد الكبير بين مصر وقوى عرب ٤٨، أو فلسطينى إسرائيل، سمهم كما شئت، فالأهم من المسمى، هو مواجهة المخططات الإسرائيلية والإخوانية وغيرها، في هذا الإطار، لخسارة مصر لذراع مهم في داخل إسرائيل، بل والأمر لا يقف عند الخسارة، بل تحول للعداء بشكل كبير في سياقات ما، خاصة وأن إخوان إسرائيل والأموال القطرية والمخططات التركية والإسرائيلية، تلعب في هذا الملف، بصورة كبيرة، وتنجز للأسف.
البعض يعوز تغيير الموقف المصري من عرب ٤٨، بخلاف التغييرات والتأثيرات سابق الإشارة إليها، إلى التجربة المصرية مع المدعو عزمى بشارة، الذي كان يصدر في منتصف التسعينات، من جهات ما خارجية وداخلية، على إنه عروبيا ناصريا وطنيا، اخترق الكنيست الإسرائيلي بمبادئ عربية ثابتة، وبالتالى من المهم التواصل المصري معه، ليكون معبرا عن مصالح ما، وبالفعل كان بشارة ضيفا تقليديا على الإعلام وموائد النقاش الاستراتيجي المصري المعلنة وغير المعلنة، حتى ظهرت حقيقته، وتحول من حليف لعدو تموله قطر، الذي نقل إقامته لها، وأصبحت له ملفات أخرى غير إسرائيل والصهيونية، التى صم آذاننا بخطورتها وضرورة مواجهتها، وأصبح الخطر الأكبر المستهدف لديه، مصر.
ويجب أن نعترف أن هناك شباب من عرب ٤٨ لايزالوا يرون في هذا الخائن، الذي أجادت الموساد في صناعته، عزمى بشارة، بطلا كبيرا، بل ويعتبرونه مجاهدا من الخارج، رغم إنه لا يذكر كلمة إسرائيل على لسانه منذ سنوات، وملايين الدولارات القطرية، لا تجعله يتفوه إلا بكل غثاء عن مصر.
لكن هل بشارة السبب الوحيد للفرقة بين مصر وعرب ٤٨؟!.
أتصور إنه تحليل في هذا الإطار لن يكون دقيقا، بل هناك عمل جهيد من جهات معادية عديدة أوصلتنا لما نحن فيه الآن، بخلاف تقصيرنا، الذي يجب أن نعترف به، لأنه أفقدنا مساحات استراتيجية كبيرة، في هذا الملف، ملأها الإخوان على اختلاف تمويلهم، بالإضافة القوى الغربية على إختلاف تمويلاتها أيضا، ولا يمكن تجاهل أن هناك أجيال تربت على كره، أو على الأقل تحييد مصر والمصريين، ولا ترى فينا سوى منتجعات سياحية خلابة، رخيصة الثمن في سيناء مقابل وجهاتهم بالأجازات في إيلات والجولان وغيرها!
وبالتالى فإن هذا الملف المعقد يحتاج منا وقفة حقيقية، في الجهات المعنية ومراكز الدراسات المختصة، ونحن في مركزنا nvd ، المركز المصري للدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية، نولى إهتماما بهذه المساحة، لتحقيق الاستفادة الأكبر منها، خاصة أن هناك تعاظم ما لقوى عرب ٤٨ بالمجتمع الإسرائيلى، واتحادهم غير المعتاد، حولهم للقوة الثالثة في الكنسيت، ومن المرشح لهم الاستمرار في هذا الإطار لفترة، من خلال إئتلاف القائمة العربية المشتركة، الذي يتمتع بـ١٥ مقعدا في الكنيست الاسرائيلي، ودائما ما تراهم الأحزاب اليمينية والدينية بكل مستوياتها عدو ما، ويجب أن يكون لنا دورا في هذا الإطار، حتى لو غير مباشر، خاصة أن قوى معادية مثل قطر وتركيا وحلفاءها يستفيدون من هذا التواجد، أكثر منا، فعلى سبيل المثال، نائب رئيس الكنيست خلال الفترة الأخيرة، من إخوان إسرائيل!
ومعروف للكثيرين أن القوى السياسية المحركة لأهالينا في عرب٤٨، هم الأحزاب الأربعة المشكلة لإئتلاف القائمة العربية والمشتركة، بخلاف قوى ما أصغر، وهم، التجمع الوطني الديمقراطي، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الحركة الإسلامية - الشقّ الجنوبي (القائمة العربية الموحدة)، والحركة العربيّة للتغيير، ورغم الاختلافات الأيديولوجية، إلا إنهم متحالفين بقيادة أشهر أسماء سياسييهم، أيمن عودة رئيس القائمة، وأحمد الطيبي، المعروف في الذهنية المصرية، بأنه مستشار عرفات!
ومن المفارقات الإسرائيلية، التى يجب أن نقف أمامها، أن تل أبيب مررت إخوانيا ليصل لمنصب نائب رئيس الكنيست، وهو الدكتور منصور عباس القيادى في الحركة الإسلامية، بشقها الجنوبي، واستكمالا للمفارقة، فقد اعتبرت إسرائيل الشق الشمالى من هذه الحركة الإخوانية، غير قانونى، وألقت القبض على قائدها، رائد صلاح، فيما تركت الشق الجنوبي، حتى وصل قائدها لمنصب نائب رئيس الكنيست، بلا مبررات مقنعة، سوى الاختلاف حول أوسلو، التى قضت عليها إسرائيل نفسها، فيما تركت إخوانها، بل وتصدرهم المشهد، وتفتح لهم المسجد الأقصى لمهاجمة مصر، وكان الأقصى مقرا رئيسيا لمظاهراتهم المعادية لمصر والمناصرة لمرسيهم وإخوان مصر، بعد ثورة يوينو وفض اعتصام رابعة الإرهابي.
وبالطبع، يلعب هذا القطاع جزءا كبيرا في استمرار الانقطاع الاستراتيجي بين المصريين وعرب٤٨، بالإضافة للقوى العروبية الباقية حتى الآن على عزمى بشارة، وطبعا استمرار هذا البرود، هو أجواء ساخنة للأتراك والقطريين بل والخلايجة والإيرانيين، فيما لا تظهر مصر بشكل كبير مؤثر، فأتمنى أن نهتم بهذا الملف، لما فيه صالح الجانبين.
مقالى هذا، يأتى بعد ساعات من مداخلة لى على أشهر راديو بين عرب٤٨، إذاعة الشمس، حيث لاحظت استمرار الأجواء السلبية ضدنا وتواصل الاتهامات لمصر على عدم اهتمامها بالقضية الفلسطينية، واستسلامها للضغوط الإسرائيلية، وتغير مواقفها تجاه التطبيع، ويفرقون بين المواقف الشعبية والرسمية، وكنت غير غاضب لأنى معتاد على هذه الأجواء، حتى من قبل ما يسمى بالربيع العربي، وأكدت لهم على أن مصر هى الأكثر إبقاءا وإصرارا على الثوابت، وأساسها الأرض مقابل السلام، وليس السلام مقابل السلام، كما يريد نتنياهو. والرئيس السيسى أكد مرارا على ترحيب القاهرة بأية محاولات للسلام لتحقيق الاستقرار في المنطقة، من أجل كل الأجيال الجديدة، لكن في ظل الثوابت، والتى أساسها الدولة الفلسطينية، على كل أراضي ما قبل٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفضت مصر بشدة أى إجراء إحادى، من ضم أو استيطان.. ومصر لم تغير أراءها ومواقفها بسبب التحديات التى تتعرض لها من سد نهضة وخلافه، بل باقية على موقفها، وتنفذ ذلك بثبات ودهاء استراتيجي، بدون عنترية وحنجورية، وجهودنا متواصلة في هذا النطاق من رام الله لغزة، ولا تحققوا لنتنياهو ما يريدوا بالوقيعة بينا، ولا تستسلموا ياعرب٤٨ لأى استغلال سياسي يحقق الفرقة بيننا، كما يريد أعداؤنا وحلفاؤها.
طبعا رددت هذه المواقف في أجواء مزعجة، لكننى كنت متفهما ومواجها، بلا حنجورية، لأن حديثى من أرض صلبة، ولم تستفزنى أسئلة تعكس تصدير فكرة الضعف المصري والتراجع أمام الأعداء .. هذه الأحاديث التى لا يتوقف عنها القطريون والأتراك والإيرانيون، وتروج لها الصحف الإسرائيلية، في فائدة متشابكة.. وأكدت على فكرة أن مصر هى الباقية كمدافعة عن الحقوق والثوابت المصرية والفلسطينية والعربية، لكن بدهاء وبتوازن محكوم، فما الفائدة من حرق الصور، كما فعل بعض الفلسطينيين مثلا، الذين يكررون أغلاطهم مع صدام، أو هؤلاء الخلايجة الذين يتطاولون على الفلسطينيين؟!!!
ونبهت بإنه الأهم الآن، هو الحذر من الخطوة التطبيعية الثانية، التى يعتبرها نتنياهو، أهم من الخطوة الإماراتية، بوصفها تؤصل لفكرة أن القضية الفلسطينية أصبحت بالفعل من الماضي، وهذا موقف تدعو مصر للكياسة في مواجهته، والتريث في ركب التطبيع غير الحدودى، أو على الأقل يكون التطبيع على مبادئ المبادرة العربية، ولا تغيب الأطراف الفلسطينية عنه، لأن هذا في غير صالحنا كلنا.
للأسف، مواقفي وكلماتى لم تكن ترضي في الغالب، المذيع محمد والمذيعة سناء، في برنامج هذا النهار، على إذاعة الشمس، وقالوا لى إننا لا نستغل سياسيا، لحساب موقف ما، قلت له بالتأكيد، أنا لا أعمم، لكن الواقع حاكم، ويجب الاعتراف به للتعامل معه بإحترافية، وأكدت لهم في نهاية الفقرة، سعادتى بالتواصل مع أهالينا من عرب٤٨، لنبقي الباب مواربا، فإغلاقه في صالح أعداءنا فقط