كتبت: د. نسرين مصطفى
أصدر الاتحاد العام لأدباء والكتاب العرب، برئاسة الشاعر المفكر د. علاء عبد الهادى، بيانَا شأن تصريحات الرئيس الفرنسى إمانويل ماكرون.
وجاء نص البيان: "إذ يتقدم الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومجلس إدارة الاتحاد العام المشكل من رؤساء ثمانى عشرة هيأة ثقافية وفكرية وإبداعية عربية بوافر التهنئة وأخلصها إلى المسلمين فى العالم أجمع بمناسبة مولد رسول الإسلام، ونبى الرحمة والتسامح، محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه يدين بأشد ألفاظ الإدانة الحادثة التى طُعِنَ فيها أحد المدرسين الفرنسيين، والحادثة التى أسفرت عن هجوم بسكين على أسرة مسلمة مكونة من تسعة أفراد، من مهاجمين يمينيين متطرفين، وسط إطلاق إهانات عنصرية وعبارات نابية عن العرب والمسلمين.
ويؤكد الاتحاد العام أن الحادثتين لا علاقة لهما بصحيح دين تدعو شرائعه إلى السماحة والمحبة والسلام بين جميع البشر حتى مع من لا يؤمنون به. معلنًا تضامنه مع الضحايا جميعًا وأسرهم. ومؤيِّدًا موقف الأزهر الشريف الرافض لعمليات القتل والاعتداء على الأنفس كافة بصرف النظر عن ديانة الجانى والضحية، إيمانًا بأن الكيل بمكيالين سيكون مبررًا لخلق سياق من الاحتراب بين أتباع الديانات على نحو يزيد من تداعيات الإرهاب والإرهاب المضاد بين أصحاب العقائد المختلفة.
ويعلن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رفضه الكامل بأقوى عبارات الرفض للتصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وهى التصريحات التى قوبلت من عدد كبير من الأدباء والمثقفين والمفكرين بالشجب والاستهجان، وأثارت ردود فعل غاضبة فى داخل فرنسا، وفى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي.
ويعتبر الاتحاد العام خطاب الرئيس ماكرون خطابًا متعاليًّا جاءت أصوله من تاريخ كولونيالى مفعمٍ بغطرسة تاريخية عانت منها شعوب عربية وإسلامية كثيرة، نهبت فرنسا الاستعمارية أموالها ومقدراتها، وسعت لسلب هوياتها السياسة وخصوصياتها الثقافية، وما زالت تسعى لفرض ثقافتها الفرانكوفونية عليها فى مختلف بلدانها حتى الآن، وأن ما جاء فى خطاب السيد ماكرون يقوض الجهود الدولية المشتركة التى تستهدف القضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان.
ويؤكد الاتحاد العام أن خطاب ماكرون ومصطلحاته التى أطلقها لم تخل من الزيغ والمغالطة والتناقض، فقد ناقض خطابه أصل ما ادّعى أنه ينادى به من العلمانية التى ترفض مبادؤها تدخل الدولة فى تنظيم الدين، بل ترفض كل ما يعادى حرية المواطن فى اختيار عقيدته وممارستها، وأن تقسيمه الفرنسيين إلى فرنسى ومتفرنس، وانعزالى وغير ذلك، يؤكد ما تضمنه خطابه العنصرى المحمل بالكراهية، هذا الخطاب الذى يحض على إقامة محاكم تفتيش جديدة، بل يعيد إحياء شكلٍ بغيضٍ من الإمبرياليّة الثقافيّة التى سيترتب عليها إجراءات وتشريعات مناهضة لحرية اعتناق العقيدة وممارستها، ومن خلال ممارسات سلطوية مجحفة ضد الفرنسيين المسلمين بعامة، وضد الفرنسيين المسلمين من الأصول العربية السامية بخاصة.
ويؤكد الاتحاد العام أنه لا توجد انعزالية فى العقيدة الإسلامية، حتى لو وُجدَ انعزاليون، وأنه لا يوجد فى أحكام أية ديانة سماوية إرهاب، حتى لو وجدَ إرهابيون يمثلون قلة منحرفة قد تظهر فى أتباع أية عقيدة، و"تعميم الخصوص" لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه استهدافًا لعقيدة دون أخرى، وازدواجا فى المعايير.
كما يؤكد الاتحاد العام أن العقائد لا تعيش أزمات، ومنها العقيدة الإسلامية، ولكن يسدد أصحابها أعباء عقود طويلة من التخلف والمرض والفقر سببه الاحتلال البغيض، وما نهبته الدول الاستعمارية من أموالهم وثرواتهم ومقدراتهم! أما ما يطلق عليه الإرهاب الإسلامي، فلا يوجد إرهاب إسلامى أو مسيحى أو بوذي... إلخ. لأنه لا توجد عقيدة سماوية أو دعوية تبرر الأرهاب، أو تحرّض على العنف، إلا من خلال فهم خاطئ، يقوم على اقتطاع نصوص من سياقاتها تحقيقًا لمصالح سياسية بأعينها، وهو الأساس الذى قام عليه خطاب ماكرون ومضمون ما جاء فيه.
وفى ظل هذه المرحلة التى يشهد فيها العالم تحولا هائلا يضرب أسس الوجود البشرى فى كل أرجاء الأرض بعد جائحة كوفيد 19 بخاصة التى طبعت العالم بطابعٍ موحد أساسه تقاسم الخوف، والشعور بالعجز تجاه تحدٍّ فيروسى مذهل، وغير متوقع، وفى ضوء توجه محمود بين زعماء الدول كلِّها؛ الغنية منها بخاصة، نحو التعاون والتسامح وتشجيع البحوث الطبية من أجل انقاذ البشرية جمعاء من هذا الخطر الداهم، أتى خطاب الكراهية والحض عليها من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، معلنًا موقفه العدائى من الإسلام والمسلمين.
وإذ يدعو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الأدباء والمفكرين والمبدعين والساسة والصحفيين فى أنحاء العالم إلى استنكار خطاب الرئيس ماكرون المعبأ بمشاعر الكراهية والازدراء للدين الإسلامي، ويعتبره إهانة جائرة لحضارة تاريخية كبرى، ولدين عظيم، فإنه يعلن ممثلاً فى هيئاته مقاطعة وزارة الثقافة الفرنسية، والهيئات الثقافية الفرنسية التى أيدت هذا الخطاب العنصري، كما يدعو اتحادات الكتاب فى أنحاء العالم، ومنظمة اليونسكو، والمنظمات الثقافية الإقليمية إلى إصدار بيانات ترفض خطاب الكراهية، والغطرسة الثقافية، وتطالب الرئيس الفرنسى وحكومته بالاعتذار رسميًّا عن هذا الخطاب الشائن، وما تضمنه من إهانات متكررة للإسلام وللمسلمين.