حذر محللون دوليون في شئون الشرق الأوسط، وخبراء وزعماء أحزاب معارضة أتراك، من الأهداف غير المعلنة للتحالف التركي ــ القطري بالتعاون مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، واتفقت جميع الرؤى التحليلية على أن هذا التحالف يستهدف تنفيذ أجندة غير معلنة لمد النفوذ التركي عبر سياسات غير مشروعة تقوم على إشعال الحروب الأهلية في العديد من الدول المستهدفة في الشرق الأوسط وإفريقيا للتحكم في ثروات هذه الدول.
دار المعارف _ صفاء مصطفى
تنفيذًا لهذه السياسات وبموجب هذا التحالف أغرق أردوغان وفقًا لتحليلات الخبراء، تركيا فى سلسلة من النزاعات والخلافات، فى ليبيا وسوريا والعراق، علاوة على محاولة إحداث قلاقل وإضرابات فى اليونان وفرنسا وأرمينيا ودول عربية أخرى، كما تحاول تركيا توسيع نفوذها فى الصومال ولبنان وأذربيجان، ويتم تنفيذ هذه السياسات بتمويل قطرى وفقًا لصفقات وصفها زعماء معارضة أتراك بالمشبوهة والتى تتم تحت غطاء التعاون الاقتصادى، فى ظل أزمات اقتصادية طاحنة تعصف بالاقتصاد التركى، وانهيار الليرة التركية أمام الدولار، وتحذيرات من انهيار شامل للاقتصاد التركى .
تدهور اقتصادي
وأرجع زعماء معارضة وخبراء أتراك أسباب تدهور الاقتصاد التركى إلى التحالف السياسى والاقتصادى بين قطر وتركيا الذى أقامه الرئيس التركى رجب أردوغان مع تميم بن حمد منذ عام 2017 مع انطلاق حملة المقاطعة الخليجية المصرية لقطر، وذلك نتيجة للاختلالات الهيكلية فى اقتصاد تركيا، نتيجة للتسهيلات التى منحها أردوغان لأمير قطر بدعوى إنقاذ الاقتصاد التركى من الانهيار، علاوة على الانعكاسات السلبية لتنفيذ السياسة الخارجية التركية ــ القطرية على الاقتصاد التركى .
ووقعت أنقرة والدوحة مؤخرا، 10 اتفاقيات فى مجالات مختلفة،أثارت غضب القوى المدنية والشارع التركى، وتضمنت هذه الاتفاقيات إنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة، والتعاون فى مجال إدارة المياه، وتعزيز التعاون الاقتصادى والمالى، والتعاون فى مجالات الأسرة والمرأة والخدمات الاجتماعية، علاوة على بيع أردوغان10 % من بورصة إسطنبول لقطر، بدعوى إنقاذ الاقتصاد التركى.
أجندة خفية
وأوضح جورجيو كافيرو المحلل السياسى الأمريكى وخبير العلاقات الدولية، والباحث بمؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ومعهد الشرق الأوسط، أن قطر هى الحليف الأكثر صلابة وموثوقية لتركيا، على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موضحًا أن التحالف القطرى التركى يتبنى أجندة غير معلنة لتمويل عمليات مشبوهة تخدم المصالح التركية وأهدافها التوسعية فى الشرق الأوسط وإفريقيا.ل
وأضاف أن التحالف التركى القطرى فى إطار هذه التوجهات أشعل الحرب الأهلية فى ليبيا وسوريا، وساعد أيضًا على صعود الأحزاب المختلفة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين فى حقبة ما بعد 2011 بهدف مد نفوذهم الإقليمى، مستطردًا: ومن هذا المنطلق فمن غير الممكن على وجه الإطلاق فهم التحالف القطرى التركى على أنه مجرد تحالف بين دولتين تجمعهما رؤى مشتركة لمجريات الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ اندلاع أحداث الربيع العربى، وتعززت العلاقات بينهما بسبب أزمة دول مجلس التعاون الخليجى، حيث ساهم الدعم التركى للدوحة بشكل كبير فى قدرة القطريين على مواجهة الحصار الاقتصادى، الذى يفرضه الرباعى العربى السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، دون الاستسلام لمطالب الدول المحاصرة، والتى تضمنت إغلاق القاعدة العسكرية التركية فى قطر، وتابع أن الوجود العسكرى التركى المتزايد فى قطر يعد مكونًا مهمًا لهذا الدعم الذى تلقته الدوحة من أنقرة منذ بدء الحصار.
توجه عدائي
وقال كافيرو، إنه فى مقابل هذا الدعم التركى، قدمت قطر العديد من حزم المساعدات المالية المعلنية وغير المعلنة للنظام التركى، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال، عندما استهدفت واشنطن تركيا بالعقوبات فى عام 2018، التى أحدث هزة كبيرة فى العملة التركية على خلفية أزمة القس الأمريكى أندرو برونسون، الذى كان ينفذ أحكاما قضائية فى تركيا، أنقذت الدوحة نظام أردوغان بتخصيص نحو 15 مليار دولار أمريكى من الاستثمارات المباشرة فى تركيا لدعم اقتصادها، علاوة على توقيع مصرف قطر المركزى اتفاقية مقايضة عملات بسعر ثابت بقيمة 3 مليارات دولار أمريكى مع البنك المركزى التركي، مما عزز احتياطيات أنقرة من العملات الأجنبية المستنفدة بشدة .
وتوقع المحلل السياسى الأمريكى استمرار الدبلوماسية التركية القطرية المعادية للدول العربية، وخاصة لمصر والمملكة العربية السعودية، موضحًا أن أنقرة والدوحة، تتبنيان استراتيجية عدائية للمحور السعودى الإماراتى المصري، بالاعتماد على القوة العسكرية لتركيا والموارد المالية لقطر .
حرب باردة
وحذر أنتونينو أوكيوتو المحلل السياسى الإيطالى وخبير العلاقات الدولية والباحث فى شئون العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبى ودول مجلس التعاون الخليجى، فى تقرير تداولته وسائل إعلام إيطالية من مخاطر حرب باردة جديدة يديرها التحالف التركى القطرى بالتعاون مع التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن هذه الحرب تدور رحاها فى العديد من أركان العالم الإسلامى (فى بلاد الشام، البلقان، والقرن الإفريقى، والمغرب العربى، وآسيا الوسطى، والقوقاز)، مشيرًا إلى أن أنقرة والدوحة، تلجأن إلى طرق زعزعة الاستقرار إلى حد كبير فى مصر والسعودية والإمارات، بهدف مد النفوذ التركى القطرى وتحقيق أهدافهما التوسعية .
سلاح الاستثمارات
فى سياق متصل، انتقدت سيفدا إردان كيليتش البرلمانية التركية المعارضة عن حزب الشعب الجمهورى، توسع الاستثمارات القطرية فى تركيا، مشيرة إلى أن الاستثمارات فى تركيا لا تأتى إلا من قطر، مما يكشف النقاب على أن هناك أزمات اقتصادية كبيرة يعانى منها اقتصاد بلادها.
وأوضحت أن القطريين يمتلكون عقارات فى تركيا بحجم مدينة «يالوفا» التركية غرب البلاد، مطالبة أردوغان بالكشف عن أسباب هذه الامتيازات الممنوحة للدوحة.
وأشارت المعارضة التركية إلى أن التسهيلات التى منحها أردوغان لقطر هى ثمن لحصوله على الأموال، وخاصة الاستثمار فى شركات قطاع عام، ضاربة المثل بـ «فايننس بنك، تورك تيلكوم، بانفيت، ديجى تورك، بى إم سى، وأراضٍ حول مشروع قناة إسطنبول»، وبيع أسهم مول أستينا بارك لمستثمرين قطريين، فضلًا عن أن قطر أصبحت شريكا فى مشروع القرن الذهبي، وكذلك بيع ميناء أنطاليا لقطريين، ما يهدد الاقتصاد التركى بصورة غير مسبوقة .
اتفاقية خاسرة
ومن جانبه، انتقد مراد باقان المتحدث باسم لجنة البيئة فى حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، اتفاقية المياه التى وقعتها تركيا مؤخرًا مع قطر، متسائلًا: «كيف نبرم اتفاقية مياه مع قطر التى تعانى من الجفاف؟».
وأضاف أن تركيا تحتل المرتبة 32 من بين الدول التى تعانى من ندرة المياه، ورغم ذلك عقدت أنقرة اتفاقية لإدارة المياه مع قطر التى تحتل المرتبة الأولى فى ندرة المياه، موضحًا أن تركيا من بين الدول التى تعانى من شح مائى، فى المستقبل، وأنها ستكون من الدول الفقيرة مائيا، نظرًا لجفاف وانكماش ما يقرب من 300 بحيرة.
وأضاف باقان أن تركيا لديها 1.3 مليون هكتار من الأراضى الرطبة المفقودة، وهو ما يعادل 3 أضعاف خسارة بحيرة فان، مشددًا أنه فى ظل هذه الأوضاع يجب على الرئيس أردوغان الكشف عن الأسباب غير المعلنة لعقد مثل هذه الاتفاقية لإدارة المياه مع قطر، ليكون الماء من تركيا، والإدارة من قطر.
خيانة الأمانة
واتهم رئيس حزب المستقبل التركي، أحمد داود أوغلو، أردوغان، بخيانة الأمانة، وباع تركيا لصالح قطر، كما شدد على أنه لا يمكن الغفران للرئيس التركى على ما فعل، ملوحا بضرورة محاسبة كل من يضر بالبلاد، وذلك على خلفية بيع 10% من بورصة إسطنبول لقطر، فى محاولة لـ «إنعاش» الاقتصاد الذى دخل «مرحلة حرجة» على حد وصفه.
وتابع أوغلو رئيس الوزراء السابق فى حكومة أردوغان والخبير بكافة الملفات التركية إن بلاده ليست متجرا أو سوقا خاصة يَملكها أردوغان، مُطالِبًا إيّاه بالعودة إلى رشده، قبل أن يلحق بالبلاد مزيد من الدمار.
صفقات مشبوهة
ويتفق الكاتب والباحث السياسى، التركى بركات قار، مع الاتهامات السابقة التى وجهها أحمد داوود أوغلو، للنظام التركي، مؤكدًا أنه يعرف كل الحيثيات بحكم المناصب التى شغلها، ومن ثم فإنه «الصندوق الأسود» لأردوغان.
وأضاف أن الرئاسة التركية تعتمد حاليا على «صندوق الثروة القومية» الذى يرأسه أردوغان، وهذا الصندوق بعيد عن الرقابة والتفتيش، «ولا أحد يعلم أوجه إنفاق أموال هذا الصندوق، مشيرًا إلى أن عمليات البيع والشراء التى تتم فى إطار هذا الصندوق، لا تخضع لأى مناقصات، مما يثير شبهات فساد كبيرة، حول طبيعة العلاقات التركية - القطرية.
وقال بركات قار، إن قطر هى الوحيدة التى تمول تركيا فى الوقت الحالي، وفى المقابل حصلت على أملاك لا أحد يعرف قيمتها، ضمن صفقات مشبوهة، مستطردًا: وهذا التملك لا يقتصر على بورصة إسطنبول فقط، وإنما فى قناة المدينة التى وصفها الباحث بـ «المشروع الجنونى» إلى جانب بعض مصانع الجيش والحدائق الخاصة وبنوك وقنوات تليفزيونية.
الملاذ الوحيد
وشدد الباحث على أن أردوغان يلجأ إلى قطر لأنها باتت الملاذ الوحيد، فى ظل صعوبات الحصول على قروض من الخارج، انعكاسا للمردود السلبى لسياسات أردوغان، مؤكدًا أن ما تقدمه قطر لن يكون قادرا على مساعدة تركيا تجاوز أزماتها الاقتصادية الممتدة، فى ضوء استمرار نفس السياسات التركية خاصة الخارجية.
وأضاف أن من هذا المنطلق فالعلاقات بين أردوغان والدوحة، تهدد استقرار تركيا فى ظل اقتصادها الذى الذى أوشك على الانهيار.
وأكد أن الشعب التركى سيحاسب أردوغان ونظامه، لا سيما أن الانتقادات لم تعد تصدر عن المعارضة فقط، بل عن القوى المدنية والشارع المستاء من الوضع، مشيرًا إلى توقعات بأن تشهد تركيا انتخابات مبكرة، فى ظل هذا المناخ الاقتصادى المضطرب والمزاج الشعبى المتذمر إزاء الفشل السياسى فى إيجاد حلول لتخفيف الأزمة الاقتصادية.