عاطف عبد الغني يكتب: رابطة العنق ليست شرطا للحضور

غير مصنف19-2-2021 | 20:07

(1)

من ضمن الأحلام التى راودتنى منذ سنوات عديدة حلم لم يفارق خيالى، يتجدد مع مرورى بآثار القاهرة التاريخية ومدينة الفسطاط القديمة، وتمنيت لو تتاح لى بالتخصيص مساحة خلف سور مجرى العيون أحد الآثار المتوارثة من مدينة العسكر التى تعود إلى العصر العباسى، وأن أزين "باكية" أو أكثر فى السور ببوابات تراثية تعكس معالم الحقبة التاريخية، والحضارة التى يمثلها هذا السور الأثرى الذى عانى لمئات السنين من الإهمال، وكذا المنطقة المتاخمة له التى شغلتها المدابغ وكانت مثالا للعشوائية والإهمال، قبل أن يتم إخلاء المنطقة منها ونقلها إلى مجمع صناعى فى منطقة الروبيكى.

(2)

وتمنيت لو أقيم فى مساحة خلف سور مجرى العيون مركزا ثقافيا تنويريا يخدم أهالى المنطقة وكل المصريين بالأساس، يقدم كل الأنشطة التى من شأنها أن ترتقى بالفكر والثقافة، وتهذب النفوس والذوق العام، وأن تتاح العروض بأسعار زهيدة تسمح لطلاب المدارس والجامعات قبل الكبار، والأسر الفقيرة قبل الغنية فى المنطقة وما حولها أن يترددوا على المكان ويتمتعوا بخدماته بجنيهات قليلة يمكن أن يوفروها من مصروفهم، أقصد – أيضا- أن يتردد على المكان الفئات الشعبية البسيطة متحررة من رابطة العنق التى تشترطها عروض الأوبرا، وتكون قادرة على دفع تذكرة العرض، التى لا تستطيع أن تدفعها – الآن- الأسرة المصرية البسيطة لو فكرت حتى فى حضور عرض من عروض مسارح الدولة، أو الخروج فى نزهة بريئة ونظيفة.. حلمت بأن نمنح فرصة أخرى لعروض مسرح العرائس، والأراجوز، وفرقة رضا، وفرق الإنشاد الدينى، ونحفز جيوش الشباب المبدع على الحصول على فرصة لتقديم فنه فى عروض تكشف المواهب الجيدة " GOOD TALANT "، نطرد بها الردىء الذى يقدم للناس على أنه فن وهو فى حقيقته ابتذال يسمم الأرواح والعقول.

(3)

الآن أرى حلمى يتحقق فى تطوير منطقة سور مجرى العيون وتحويلها إلى مزار سياحى، وأهم من هذا أن المخطط العام للمشروع يشمل إنشاء مسرح مفتوح ومسارح، وسينمات ومكتبة عامة ومعارض للفنون الشعبية وعدد آخر من الأنشطة التى من شأنها أن تجذب السياح، لتدر دخلا لموارد الدولة ، لابأس، ولا ضير لكن ما نصيب المواطن العادى الذى أؤكد أنه يجب أن يكون هو المستهدف الأول من التطوير، أقول هذا ونحن نردد ليل نهار أننا نريد أن نبنى المواطن، لذلك يجب أن نضيف لأنشطة الفنون، أنشطة تصب فى إعادة بناء ثقافة المصريين، مثل أن تكون هناك أجندة دائمة تشتمل على تنظيم ندوات ونقاشات حوارية يكون حضورها مجانى (أشبه بما يقدم فى المعرض الدولى للكتاب)، ويتاح فيها التفاعل المباشر بين الجمهور والنخب التى تحضر لتقدم حصيلة فكرها وعصارة تجربتها الفنية للجمهور من البسطاء، عصب الشعب المصرى الحقيقى، وأن تقام مسابقات تشمل عروضا حقيقية وغنية لاكتشاف المواهب وتقديمها فى كافة المجالات.

(4)

وأخيرا أتمنى لو تدار هذه الأنشطة بعقلية القطاع الخاص، متحررة من بيروقراطية وزارة الثقافة وسيطرة المتثقفين والحنجوريين، على ألا يكون تحقيق الربح مقدما على أداء الوظيفة وتحقيق المستهدف، ويكفى أن تغطى هذه الأنشطة تكاليفها، ويكون المكان مثالا كبديل لقصور الثقافة التى تعانى من "قصور" الثقافة، فهل أعيش لأرى حلمى يتحقق على يد الدولة المصرية التى تولد الآن من جديد أبهى وأجمل فى الشكل، ولا ينقصها إلا أن تستكمل شخصيتها بالجمال الداخلى المتمثل فى تطوير عقل المواطن والارتقاء بذوقه والسمو بروحه ؟ أتمنى.
    أضف تعليق

    حكايات لم تنشر من سيناء (2)

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2