أردوغان يحاول اختراق الدستور التركي

أردوغان يحاول اختراق الدستور التركيأردوغان يحاول اختراق الدستور التركي

غير مصنف23-2-2021 | 21:20

في حيلة جديدة لتجميل المشهد السياسي التركي،  لجذب انتباه الداخل بعيدًا عن الانهيار الاقتصادي، والأزمات الاجتماعية المتلاحقة الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتهاج استراتيجية جديدة، لإصلاح العلاقات الخارجية التركية مع القوى الإقليمية والعالمية، أعلن الرئيس التركي أردوغان مبادرة لإجراء تعديلات دستورية، مؤكدًا أنها تستهدف صياغة دستور مدني جديد  يخدم كافة طوائف الشعب التركي، إلا أن هذه المبادرة لم تلق قبولاً من الموالين للرئيس التركي ورفضتها  أحزاب المعارضة  جملة وتفصيلا. دار المعارف _ صفاء مصطفى وجه خبراء وسياسون أتراك، وقيادات حزبية  انتقادات حادة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بعد إعلانه، مؤكدين أنها مجرد حيلة جديدة  لكسب مؤيدين فى الداخل، واسترضاء الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية لتصحيح أخطاء السياسة الخارجية التركية على مدار السنوات الماضية.

دستور غير ملزم

تأتى هذه المبادرة بعد مرور 4 سنوات فقط على التعديل الأخير والذى أعطى لرئيس الجمهورية سلطات كبيرة ساهمت فى زيادة قدراته للحصول على قرارات تتعلق بالتحرك العسكرى فى الخارج. وبعد أيامٍ من إعلان الرئيس التركى، أكد حزب «الشعب الجمهورى» المعارض رفضه للتعديلات الدستورية المطروحة، وكذلك حزب «الشعب الديمقراطى» المؤيد للأكراد، حيث أعلن قادة كلا الحزبين أن «أردوغان لم يلتزم بالدستور الحالى، فكيف يضع دستورًا آخرًا جديدًا للبلاد؟». ويقترح الرئيس التركى تعديلات تتعلق معظمها بقانونى الانتخابات والأحزاب وبهيكلية «المحكمة الدستورية العليا»، وهى أعلى هيئة قضائية فى البلاد. ولتحقيق ذلك يحتاج إلى موافقة 400 نائب فى البرلمان التركى من أصل 600. ويدعمه فى هذا التوجه حليفه الوحيد فى الداخل دولت بهجلى الذى يقود حزب «الحركة القومية» اليمينى، لكنهما معًا لا يمتلكان أكثر من 337 مقعداً فى البرلمان.

التلاعب بالمعارضة

ومرت أحزاب المعارضة، بتجربة مريرة مع التعديلات الدستورية الأخيرة التى أجراها الرئيس أردوغان، وذلك عندما طرح حزب العدالة والتنمية مسودة الدستور المدنى، فى عام 2007، وبفضل وعده بأنه سيقوم بوضع دستور جديد مدنى تمكن من حصد 327 مقعدًا برلمانيًّا، والحصول على 50%  من الأصوات فى انتخابات 2011. وعقدت لجنة المصالحة الدستورية، التى تأسست بعد الانتخابات، فى عام 2013 من قبل جميل تشيتشاك الذى كان يشغل رئيس البرلمان التركى فى تلك الفترة، وكان تابعا لحزب العدالة والتنمية، إلا أنه تم حل اللجنة بحكم الأمر الواقع عندما أبلغت لجنة المصالحة الدستورية الأحزاب السياسية فى رسالة أنه لم يعد من المفيد تولى رئاسة اللجنة، وفى الوقت الذى وافقت لجنة المصالحة الدستورية على 60 مادة، لم يقبل حزب العدالة والتنمية مطالب المعارضة بتمرير هذه المواد من قبل البرلمان، وتم إقصاء المعارضة.

إصلاحات وهمية

ويرى يافوز آجار، المحلل السياسى التركى، أن إعلان الرئيس أردوغان عزمه إجراء تعديلات دستورية جديدة، تستهدف صياغة دستور مدنى جديد للبلاد، يندرج ضمن سياسة المراوغة التى يتبعها أردوغان، لتهدئة غضب الشارع التركى فى الداخل، والتودد إلى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العلاقات الخارجية التركية ، وشدد أجار أن هذه المحاولات مصيرها الفشل، فى ظل  إدراك دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، أن الإصلاحات القضائية والاقتصادية التى تحدث عنها أردوغان مجرد إصلاحات وهمية، ولا تتعدى كونها حبرًا على ورق، موضحًا أن ذلك دفع الرئيس التركى هذه المرة إلى خدعة جديدة يحاول من خلالها إقناع الغرب بإخلاصه وصدقه فى التصالح مع الغرب، وذلك بكتابة دستور جديد يزعم أنه سيكون وفق المعايير الغربية للديمقراطية وحقوق الإنسان.

غياب الثقة

فيما يؤكد كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهورى، أن ثقة الأحزاب وجموع الشعب التركى منعدمة فى الرئيس أردوغان، مرجعًا ذلك إلى خروج الأخير عن نصوص الدستور التركى وأنه لم يف بالدستور الذى أقسم عليه، وأنه من هذا المنطلق هناك حالة من التشكك الشديد فى مبررات الرئيس أردوغان لصياغة دستور جديد. وشدد على أن الأوضاع فى تركيا تتطلب الخروج من المناخ الاستقطابى وأزمات البطالة والفقر والانتحار، وتغيير العقلية الحاكمة أولا، قبل صياغة دستور جديد، مؤكدًا على أنه كان يجب على أردوغان الالتزام بنصوص الدستور الحالى الذى أقسم اليمين على الالتزام به قبل إطلاق المبادرات  بطرح موضوع صياغة دستور جديد. وتساءل كيليتشدار مستنكرًا: «كيف نؤمن ونثق بوعد أو دعوة قدمها شخص لا يطبق الدستور الحالى؟».

هيكل الدولة

وعلى الجانب الموالى للرئيس أردوغان أكد عبد القادر سيلفى المفكر والمحلل السياسى، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار فى تركيا،  والمعروف أيضا بقربه من حزب العدالة والتنمية، أن الرئيس أردوغان أمامه خطوط حمراء فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية التى يقترحها الحزب الحاكم وقيادته السياسية لصياغة دستور مدني،  مشيرًا إلى أن هذه الخطوط الحمراء أهمها خطان الأول: نظام الحكم  الرئاسى، والثانى: الهيكل الموحد للدولة التركية، فى إشارة منه إلى عدم إمكانية اجتزاء أراض تركية لضمها إلى أراضى دولة كردستان المستقلة المحتمل قيامها فى المنطقة.

حشد الأصوات

وأكد المحلل السياسى الموالى للنظام التركى أن الرئيس أردوغان لجأ إلى مبادرة تعديل الدستور لجذب انتباه الشعب التركى بعيدًا عن الأزمات الاقتصادية، بهدف الانخراط فى النقاش حول إعادة صياغة الدستور معتبرًا إياه ورقته الرابحة لحشد مزيد من الأصوات، والحيلولة دون مزيد من النزيف الداخلى فى حزبه، لافتًا أنه على الرغم من أنه يحكم البلاد منذ عقدين لم يجر أية تغييرات تذكر فى الدستور رغم مطالبات الأطراف الديمقراطية والليبرالية منذ سنوات، مستنكرًا مبادرات الرئيس أردوغان لتعديل الدستور، إذ رأى  أن حزب العدالة والتنمية الذى شغل الرأى العام بكتابة دستور مدنى من 2007 إلى 2013، وضع البنود المتفق عليها مع الأحزاب المعارضة جانبًا، وأعاد الحديث عن الدستور المدنى بعد أن اتضح زيف حزمة الإصلاحات الاقتصادية والقضائية التى أعلن عنها قبل بضعة أشهر. وأضاف أنه رغم طرح حزب العدالة والتنمية الدستور المدنى مجددًا كبطاقة رابحة جديدة، إلا أن الخط الأحمر لرئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان فى الدستور الجديد هو النظام الرئاسى الذى جعله الرجل الأوحد الذى يقرر كل شيء دون حسيب أو رقيب.

الرجل الواحد

حذر على باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركى، المعارض، من احتمالية إقدام الرئيس رجب أردوغان على تعطيل الدستور أو تعليق أحكامه الخاصة بالانتخابات، مشددًا أن  نظام الحكم القائم فى تركيا نظام الرجل الواحد. وأوضح أنه عندما يتجاهل النظام الحاكم فى تركيا المحكمة الدستورية، ويتجاهل الدستور نفسه، فإنه لم تعد تركيا دولة قانون، مؤكدًا أنه من هذا المنطلق، وعلاوة على العديد من الاعتبارات الأخرى فإن الديمقراطية فى تركيا تحتضر، إلا أنها لا تزال تتنفس، فهى لم تمت، متوقعًا أن تزداد الأوضاع سوءًا على مدار الفترات المقبلة.

تآكل المؤسسات

من جانبه، اعتبر البروفيسور التركى، أرسين كالايجى أوغلو، أن تعديلات الدستور التى تم الاستفتاء عليها عام 2017 والتى مهدت لنقل البلاد من النظام البرلمانى إلى الرئاسى الحالى، قضت على الديمقراطية فى البلاد بشكل كامل، مؤكدًا أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تعد تلتزم بالقوانين والدستور التركى، وأن السلطة السياسية وإجراءاتها التعسفية هى التى بدأت تملأ الفراغ الناجم عن غياب الدستور. وقال إن إدارة أردوغان حولت أجهزة الدولة ومؤسساتها إلى أجهزة ومؤسسات حزبية، معقبًا أن عدم إلتزام  الحزب الحاكم بنصوص الدستور، يؤدى إلى  تآكل مؤسسات الدولة ودخول البلاد فى مرحلة من الاضمحلال فى نهاية المطاف.

مهمة شاقة

الأزمات الاقتصادية المتلاحقة أنهكت الشعب التركى، مما أدى إلى العزوف الشعبى عن الاهتمام بمساعى الرئيس أردوغان لتعديل الدستور، هذا ما أكده المحلل السياسى التركى إلهان اوزغال، مشيرًا إلى أن هذه القضية، لم تعد ضمن أولويات الشعب التركى. وفى سياق متصل توقع المحلل السياسى التركى أن إعلان الرئيس أردوغان عن إجراء تعديلاتٍ دستورية وربما وضع دستورٍ جديد للبلاد، يؤجج الصراعات الداخلية بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وكافة الأحزاب المعارضة له، مما يخلق أزمات سياسية جديدة  داخل الدولة التركية.

مهمة صعبة

ومن جانبه، أكد سلجوك أوزداغ، القيادى فى حزب المستقبل التركى المعارض، الذى يتزعمه رئيس الوزراء التركى الأسبق داود أوغلو إن أردوغان يسعى لتغيير الدستور بالكامل لتعزيز قبضته على البلاد، مشيرًا أنه يذكر على وجه الدقة المواد التى سيقوم بتعديلها أو إلغائها. وأضاف أن هذه المهمة تبدو صعبة للغاية مما يجعلها شبه مستحيلة مع غياب التوافقٍ بين الكتل البرلمانية الخمسة، التى تشكل أحزاب الكتل النيابية داخل البرلمان التركى، وأكبرها كتلة التحالف الحاكم الذى يضم نواب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وتليها كتلة حزب المعارضة الرئيسى وثالثها كتلة الحزب المؤيد للأكراد، وفى الأخير نواب حزب «الخير» المعارض الذى يُعرف أيضاً بحزب «الجيد».
    أضف تعليق

    مَن صنع بُعبع الثانوية العامة ؟!

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2