التوازن قانون الحياة

التوازن قانون الحياةرجب البنا

الرأى2-7-2021 | 15:31

كل النباتات تعيش عليها حشرات صغيرة تتغذى برحيقها، وتسوق الرياح إليها حشرات أكبر حجما فتأكلها وتتغذى عليها، ويحدث ذلك فى كل الأحياء، فالضفادع تبحث عن هذه الحشرات الكبيرة فتأكلها، ويبتلع الضفدع ثعبانًا أو حية، ويصطاد الثعلب الثعبان حين يجده، وحين يواجه الثعلب نمرًا أو أسدًا فإنه يصبح فريسته، والعصافير تتغذى عليها الحيوانات والزواحف.. إلخ

هذه هى الحياة.. كل كائن يعيش على حياة كائنات أخرى، والحكمة أنه لو عاشت الحشرات و الحيوانات بدون أن تتعرض لخطر فإن الكون سوف يمتلئ ب الحشرات و الحيوانات المفترسة.. وهل يمكن أن يؤدى ذلك ويسود قانون البقاء للأقوى وتنقرض الحشرات والطيور والكائنات الصغيرة وينفرد الكبار والأقوياء بالكون؟ الحكمة الإلهية أن الكائنات الصغيرة تتكاثر بسرعة وبأعداد كبيرة (مثل النمل وغيرها) وهى التى تتعرض لمخاطر تهدد حياتها أكثر من غيرها، بينما الكائنات القوية (مثل الأسد، والفيل، وكذلك مثل الإنسان) فإنها تتكاثر بأعداد أقل، ولضمان التوازن فى حياة الإنسان نجد أن إنتاج الحبوب كبير، وتكاثر الدجاج والأرانب والحمام كبير وذلك لكى تكفى حاجة «الإنسان».

ومن يتأمل فى خلق الله يجد أن الكائنات فى هذا الوجود تعتمد بعضها على بعض من أجل البقاء والحفاظ على الحياة، والطفيليات تقوم بدور فى القضاء على الأعداد التى تزيد زيادة تخل بالتوازن، فالأمراض والأوبئة تحقق هذا التوازن، ولو تصورنا أن الأسود والنمور والفيلة وسائر الحيوانات تكاثرت دون تهديد، وصار كل نوع من هذه الكائنات – بما فى ذلك الإنسان – يملأ الكون، فلن تجد ما يكفيها من الطعام، وهذا ما جعل علماء الاجتماع والسياسة يقولون إن الحضارة الإنسانية أصبحت سلاحا ذو حدين، فهى توفر للإنسان الصحة والراحة والعمل والتسلية والثقافة، ولكنها من ناحية أخرى تسرف فى صناعات الأسلحة المدمرة، وبعد أن كانت الحروب بالسيوف والخناجر وكان الضحايا فرادى، ظهر البارود والمدفع والطائرة والغواصة فأصبح الضحايا بالملايين كما حدث فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وازداد الخطر على الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية بظهور القنابل الذرية والهيدروجينية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية فأصبحت كل مظاهر الحياة ضحايا لهذا التقدم الحضارى بوجهه القبيح، ويستمر الخراب لعشرات السنين، كما حدث باستعمال الولايات المتحدة القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكى فى اليابان، وهكذا أصبح أعدى أعداء الإنسان هو الإنسان نفسه، تصديقا لقول الله تعالى: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ» (البقرة – 25)، والخطر الذى يهدد البشر يهدد المخلوقات الأخرى أيضا، وكما أن نقص المحاصيل يهدد الحياة، فإن زيادتها بأكثر من اللازم يمثل تهديدا، فإذا تكدس الزرع فى الأرض فإنه يتعرض للفساد، ولو تكدست الثمار فى الأشجار فإن ذلك خطر يهدد الشجرة والثمرة، ولو تكدس الجراد و الحشرات أو الطيور فإن ذلك خطر على البشر، وعندئذ تظهر الأمراض والميكروبات لتحصد أعدادًا من هؤلاء وهؤلاء، ويعود التوازن..

والعوامل الطبيعية تحقق هذا التوازن أيضا، ومنها الأعاصير والزلازل، والبراكين، والأمراض، مع ما فيها من أضرار ظاهرة إلا أنها وسائل لضمان استمرار الحياة متوازنة، وتصحيح أى خلل فى هذا التوازن.. ويشير العلماء إلى التوازن بين القوة والضعف، كما يشير رجال الدين والإصلاح الاجتماعى إلى التوازن بين الخير والشر، وبين الفقر والغنى، وبين السعادة والشقاء، وبين الحياة والموت.. وهكذا.

وكما يقول الدكتور عبد المحسن صالح العالم الراحل فإن الأسد – وهو أقوى المخلوقات فى الغابة – تمكنه قوته من الهجوم على الحيوانات الأضعف منه ويأكلها، ولا تمكنه قوته من التخلص من الحشرات على جسمه مثل القراض، والبراغيث، التى تنقل إليه المرض من حيث لا يدرى، وهذه الحشرات على أجسام الحيوانات تقضى عليها ديدان تعيش معها، وهذه الديدان تقتلها كائنات دقيقة جدًا ذات خلية واحدة، وهى الأخرى تقتلها البكتيريا، وأخيرًا فإن الفيروسات تعيش على الميكروبات و الحشرات والنبات وعلى الإنسان.. وبذلك يتم التخلص تلقائيًا من كل زيادة تخل بالتوازن.

الحياة قائمة على الصراع بين الكائنات، وتعيش بعضها على بعض، الحيوان يأكل النبات والإنسان يأكل الحيوان والنبات.. ويتحقق التوازن فى الكون فى كل نواحى الحياة.. توازن تستمر به الحياة.. «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» (النمل–88) وسبحان الله الخالق ومدبر الكون القائل: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (القمر – 49).

أضف تعليق

أصحاب مفاتيح الجنة

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2