طالت تداعيات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية طرفيها على حد سواء خلال الأشهر الماضية نتيجة لتضرر الأوضاع الاقتصادية والأنسأنية والمجتمعية وارتفاع التضخم والبطالة ما خلق مشاعر متفاوته على صعيد "حالة الرضاء العام" بين مواطنى البلدين، ويعبر ما يعرف بـ"مؤشر التعاسة البؤس" في أوكرانيا خلال شهري أبريل ومايو الماضيين وصلت إلى 90% وكذلك ارتفع المؤشر في روسيا في أبريل الماضي إلى 1ر21% قبل أن يتراجع بعض الشئ في مايو الماضي مسجلا 20% المائة.
واستنادا إلى أوضاع البطالة والدخل الحقيقي والفقر يعكس هذا المؤشر حالة الرضاء العام ومستوى السعادة لدى الشرائح الدنيا الأقل دخلا في أوكرانيا و روسيا حيث يعتمد المؤشر على حساب مستويات البطالة والتضخم والفقر وارتباطهما بحالة الرضاء العام أو الشقاء العام لابناء الفئات الأدنى دخلا في المجتمع.
فبحسب تقرير أصدرته شبكة البلقأن الإخبارية -المتخصصة في شئون شرق أوروبا و البلطيق- تعاظم شعور المواطن الأوكراني بـ"البؤس" بنسبة 30% بعد مرور أقل من شهر على بدء العمليات الروسية في فبراير الماضى وهو ما اوضحه تقرير الشبكة الذى حلل اسباب " تفاقم مشاعر البؤس بين الأوكرأنيين مقارنة بالروس.
على صعيد الأوضاع في أوكرانيا، أدت الحرب الأوكرانية إلى تفاقم حالة بالفقر بين الأوكرانيين إذ ارتفعت مستويات التضخم لتسجل 4ر16% في أبريل الماضى قبل أن تتراجع إلى 9ر12 في المائة في مايو الماضى نتيجة اغداق الغرب للمساعدات المجأنية للأوكرأنيين دعما لصمودهم ، و بنهاية مايو الماضي سجل مؤشر التعاسة لدى الأوكرانيين ارتفاعا نسبته 24% وهو المؤشر الذي صعد بنسبة 30% بعد مرور أيام على أندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي إلى أن وصل صعوده إلى 90% بحلول منتصف يونيو الجارى نتيجة استمرار الحرب الروسية و نزوح الأوكرأنيين عن ديارهم، برغم ذلك ظلت الضغوط التضخمية "الرهيبة" جاثمة على كافة شرائح الشعب الأوكراني وهو ما دفع بنك أوكرانيا المركزى إلى رفع سعر الفائدة الاساسى من 10 إلى 25 في المائة في محاولة للجم التضخم ، لكن الخبراء قالوا أن هذا الرفع المفاجىء وربما الصادم للفائدة سيكون سلبى الأثر على نمو الاقتصاد الأوكراني على المدى القصير وهو الاقتصاد الذى من المتوقع له اصلا الأنكماش بنسبة 30 في المائة على الاقل بحلول نهاية العام الجارى بسبب استمرار الحرب .
وبالنسبة لروسيا، كشف المؤشر عن ارتفاع مستويات الفقر في روسيا نتيجة حالة الكساد الممتد الذى عاناه الاقتصاد الروسي خلال الربع الاول من العام 2022 وهو ما انعكس في نمو عدد المواطنين الروس ممن يعيشون تحت مستوى خط الفقر بنسبة 69 في المائة وهى النسبة التى صدرت عن مؤسسة الاحصاءات الروسية المركزية / روسستات / مطلع يونيو الجارى .
كما بلغ عدد الروس ممن هم تحت خط الفقر 9ر20 مليون فرد بحلول يونيو الجارى مقابل 4ر12 مليون فرد في يونيو 2021 ، و بحسب وكالة الاحصاءات الروسية " أنضم 5ر8 مليون روسى إلى قائمة الفقراء خلال الربع الاول من العام الجارى فقط " .
وقياسا على مستويات التضخم و القوة الشرائية ، يشكل الرقم 12 ألفا و 916 روبل شهريا /26ر221 دولار أمريكي/ هو حد الكفاف بالنسبة للروس و الخط الفاصل بين فقرائهم و أغنيائهم وهو الرقم الذى كان 765 دولارا أمريكيا شهريا خلال الربع الأخير من العام الماضي.
قبل الحرب الأوكرانية كان مستوى الفقر في روسيا يعادل 5ر14 في المائة من اجمإلى مواطنيها وهى النسبة معقوله اذا قورنت بمعدل الفقر السائد لدى دول الاتحاد الأوروبي ( 7ر21 في المائة ) و الولايات المتحدة ( 9ر12 في المائة ) إبان ذروة اشتداد الازمة الاقتصادية العالمية التى خلقتها جائحة كوفيد – 19 .
ووسط توقعات ارتفاع مستويات التضخم و الغلاء في روسيا من 8 إلى 15 وربما 22 في المائة بنهاية العام الجارى و تراجع معدلات نمو الاقتصاد الروسي جراء كلفة فاتورة الحرب الأوكرانية ، فمن المتوقع نمو مستويات الفقر بين الروسيين بصورة اكبر ، وهو ما استعد له الكريملين بحزمة دعم لهم بقيمة 4 تريليونات روبل .
وعلى صعيد البطالة .. استقرت متوسطات البطالة في روسيا عند مستوى 2ر4 في المائة برغم الحرب الأوكرانية التى اضافت 800 الف روسي إلى قائمة العاطلين . ويعد مستوى البطالة الحإلى في روسيا / 2ر4 في المائة / هو المستوى ذاته الذى كان سائدا إبان الحقبة السوفيتية التى كانت تتبنى منهج التشغيل الكامل .
وبالنسبة ل أوكرانيا .. شهد الربع الاخير من العام الماضى معدل بطالة بين الأوكرأنيين بلغ 6ر10 في المائة وهو المعدل الذى يصعب على الخبراء تقديره في الوقت الراهن نتيجة التداعيات السريعة للحرب ، وبصورة عامة فقد اوصدت ثلث الشركات و مشروعات الاعمال في أوكرانيا ابوابها نتيجة الحرب التى طالت نسبه لا تقل عن 90 في المائة من مشروعات الاعمال على مستوى أوكرانيا خلال الايام المائة الاولى التى اعقبت بدء الحرب في الرابع و العشرين من فبراير الماضى .
وبحسب البيانات الصادرة عن الحكومة الأوكرانية توقف 42 في المائة من اصحاب المشروعات في أوكرانيا توقفا كاملا عن العمل في مارس الماضى ، و أنضم اليهم 26 في المائة منهم إلى قائمة المتوقفين عن العمل في أبريل الماضى وهو ما خلق حالة شديدة من البؤس و الفقر و عدم التيقن لدى الأوكرأنيين بما في ذلك اصحاب المشروعات الصغيرة التى شكلت وحدها نسبه 17 في المائة من حجم المؤسسات الموصدة ابوابها في أوكرانيا بحلول منتصف يونيو الجارى .
وعلى صعيد حالة الفقر .. كان فقراء أوكرانيا – وفقا للبيأنات الرسمية– لا يتجازون نسبة 1ر1 في المائة من مجموع السكان قبل نشوب الحرب مع روسيا اواخر فبراير الماضى ، و تصنف حكومة أوكرانيا مواطنيها بأنهم من الفقراء إذا تراوح دخل المواطن الاوكرأنيى ما بين 5ر5 إلى 13 دولار يوميا – 165 إلى 390 دولار شهريا – و تشير الاحصاءات إلى أن متوسط دخول الأوكرأنيين كان قد حقق ارتفاعات متتالية خلال العامين السابقين على الحرب قاربت متوسطات دخول المواطنين الروس تقريبا ( 765 دولار شهريا ) ، وبرغم ذلك تعد أوكرانيا بمفهوم الدخل الحقيقى لمواطنيها المعبر عن قدرتهم الشرائية في ذيل قائمة متوسطات الدخل اذا قورنت بدول الاتحاد الأوروبي .
وبعد أن سجل المستوى العام للفقر في أوكرانيا بنهاية العام 2021 نسبة 27 في المائة من السكان قفزت تلك النسبة إلى 55 في المائة مع مرور الشهر الاول على أندلاع الحرب الروسية ، ويقدر البرنامج الأنمائى للأمم المتحدة UNDP تلك النسبة حاليا بما لا يقل عن 90 في المائة من مجموع الشعب الأوكراني وهو سبب كاف من وجهة نظر شبكة البلقأن الاخبارية في صعود مؤشر البؤس و التعاسة لدى الأوكرأنيين إلى 115 في المائة في الوقت الراهن ، مقتربا من مؤشر تعاسة الروس اواخر الحكم السوفيتى في تسعينيات القرن الماضى و الذى قدره برنامج الأمم المتحدة بنحو 200 نقطة .
أما في روسيا .. فبحسب البيانات الصادرة عن بنك روسيا المركزى سجل متوسط دخل المواطنين الروس في الربع الاخير من العام الماضى تراجعا نسبته 24 في المائة من 47 الفا و 697 روبل إلى 36 الفا و 234 روبل شهريا ، الا أن قيمة الدخل الحقيقى للروس اخذت في التحسن نتيجة سياسات المركزى الروسى لتعزيز قيمة الروبل من خلال خلق طلب اكبر عليها وفق اليات من بينها تسعير بيع النفط الروسى لأوروبا بالروبل بدلا من الدولار .
وبحسب الخبراء فقد اسهمت تلك السياسات في تعزيز العملة الروسية وقوتها الشرائية بنسبة لا تقل عن 30 في المائة برغم الحرب في أوكرانيا وهى الحرب التى اتجهت كل التقديرات إلى أنها ستعصف بقيمة الروبل الروسي.
تجدر الاشارة إلى أن شبكة البلقأن الاخبارية كانت الشبكة قد طورت مؤشرها للرضاء العام قبل عامين بواسطه خبراء محايدون في مجالات الاقتصاد و بحوث قياس الرأى العام استنادا إلى البيانات الصادرة عن مؤسسات روسية وأوكرانية وبيانات أخرى من واقع تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤشراته الخاصة بمستويات الفقر واحتسابها وما إلى ذلك من معاملات ارتباط.