استعرضت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في تقرير صادر عنها الأطر الحاكمة ل بناء الإنسان المصري بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي الحالي 23/2024.
وأوضحت الدكتورة هالة السعيد أن جهود التنمية تستهدف تحقيق غاية أساسيّة تتمثّل في بناء الإنسان الـمصري، صحيًا وثقافيًا ورياضيًا واجتماعيًا. ويستند مفهوم البناء علي ثلاث ركائز رئيسة، تُمثّل الأُطُر الفكريّة الحاكمة لأبعاد التنمية، تتعلّق أولها بحق الإنسان الـمصري في التمتّع بحياة كريمة، علي نحو مُستدام ووفق أسس مُتكافئة.
وثانيها بحق الإنسان في التنمية بمنظورها الشامل والـمستدام، باعتباره حق أصيل من حقوق الإنسان، وثالثها بحق الإنسان في تنمية قُدراته وإمكاناته البشريّة، لذلك راعت وثيقة خطية التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة تبنّي الأهداف والسياسات الداعمة لبناء الإنسان الـمصري، وأصدرت في هذا الشأن دليل الإنفاق الاستثماري الـمستجيب لحقوق الإنسان (2023).
والذي استند إطاره علي نصوص دستور 2014، وعلي ثلاث ركائز رئيسة، وهي مواد القانون الـمصري الـمتعلّقة بحقوق الإنسان الاقتصاديّة والاجتماعيّة، واستراتيجيّة التنمية الـمستدامة (رؤية مصر "2030")، ومُؤشّرات وأبعاد تقرير التنمية البشريّة في مصر، وقد تضمّن الدليل وضع مُؤشّرات لقياس مدي الـمُساهمة في تحقيق مُستهدفات الخطة الاستثماريّة علي امتداد كافة مراحل الـمشروعات، ووضع معايير لاختيار الـمشروعات ذات الأولويّة، وصياغة مُؤشّرات أداء للقطاعات الـمختلفة تلتزم جهات الإسناد بقياسها بصفة دوريّة، ومُوافاة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصاديّة لتفعيل عمليّات الـمُتابعة والتقويم.
وأشار تقرير الوزارة إلي أن وثيقة خطة التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة حرصت علي اعتبار استراتيجيّة حقوق الإنسان من أهم الـمُرتكزات التي تتبلوّر حولها الأهداف التنموية للخطة، وما ينبثق منها من سياسات وبرامج في شتّي مناحي الحياة، حيث راعت الخطة توجيه الاستثمارات العامة بما يكفُل تحقيق أهداف محاور الاستراتيجيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان، وبخاصة الـمحورين الثاني والثالث في شأن الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وحقوق الـمرأة والطفل والأفراد ذوي الهِمَم وكبار السن.
ففي مجال الحق في الصحة، أشارت خطة تنمية الخدمات الصحيّة إلي الاستثمارات الـموجّهة للتطبيق الـمرحلي لنظام التأمين الصحي الشامل، ولتعميم الرعاية الصحيّة الأوليّة، ولبرامج تطوير الـمستشفيات والوحدات الصحيّة علي مُستوي كافة الـمحافظات، والـمُبادرات الرئاسيّة والحكوميّة الـمعنيّة بعلاج بعض الأمراض وتوفير اللقاحات والتحصينات الوقائيّة من الأوبئة والفيروسات، بجانب الاستثمارات الـمُوجّهة لتحسين الظروف الصحيّة في الريف الـمصري في إطار مُبادرة حياة كريمة.
وفي مجال الحق في التعليم، حرِصت الخطة علي توجيه استثمارات مُناسبة للنهوض بكفاءة العمليّة التعليميّة وفاعليّة مُخرجاتها، وبصفة خاصة التوسّع في إنشاء الـمدارس والفصول لاستيعاب التلاميذ في كافة مراحل التعليم، وخفض كثافة الفصول، فضلًا عن التطوير التقني للمناهج الدراسيّة، والتوسّع في التعليم الفني علي مُستوي الـمدارس (الـمرحلة الثانويّة) وتطوير التعليم الجامعي والـمعاهد العُليا، وكذلك التوسّع في إنشاء الجامعات التكنولوجيّة والجامعات الأهليّة في التخصّصات الحديثة الـمُواكبة للثورة الصناعيّة الرابعة.
وفي مجال الحق في التنمية الثقافيّة، فقد عنيت الخطة بالبرامج الرامية للحفاظ علي الـموروث الثقافي والحضاري للشعب الـمصري من خلال صيانة الـمواقع الأثرية وحمايتها، وتنمية الوعي الثقافي، والتوسّع في قصور الثقافة والـمتاحف وإقامة الـمُنتديّات الثقافية علي اختلاف أنواعها، ونشر الخدمات الثقافية في مُختلف الأقاليم والـمحافظات علي نحو مُتوازِن.
وفي محور حقوق الـمرأة والطفل والأشخاص ذوي الهِمَم وكبار السن، تم صياغة أهداف وسياسات وبرامج تُراعي حقوق هذه الشرائح الـمجتمعيّة، مثل تبنّي نهج التخطيط الـمُستجيب للنوع، وآليّات تمكين الـمرأة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وبرامج الرعاية الصحيّة الـمُتكاملة، والتغذية الـمدرسيّة السليمة، وبرامج التوسّع في رياض الأطفال، وإصدار التشريعات الـمانعة لعمالة الأطفال وللإتجار بالبشر، والبرامج الإصلاحيّة للحد من ظاهرة طفل بلا مأوي، فضلًا عن البرامج الـمُوجّهة لتشجيع الابتكار والعمل الحُر للشباب والارتقاء بالصحة واللياقة البدنيّة لجموع الشباب، من خلال زيادة الاستثمارات الـموجّهة لإنشاء وتطوير الأندية ومراكز وبيوت الشباب والـملاعب والـمدُن الشبابيّة، وبخصوص كبار السن، فقد راعت الخطة توفير قدر مُناسب من الاستثمارات للتوسّع في إنشاء دور رعاية الـمُسنين، وتوفير الرعاية الصحيّة الـمُناسبة.
وحول الركيزة الثانية: الاستراتيجيّة الوطنيّة للتنمية الـمُستدامة: رؤية مصر "2030" تضمّنت وثيقة الخطة في القسم الثاني عرضًا للمفاهيم التنمويّة الـمطبّقة، وعلي رأسها مفهوم التنمية الـمُستدامة علي النحو الوارد بالاستراتيجيّة التنمويّة رؤية مصر "2030"، والتي يأتي في مُقدّمة أهدافها "الارتقاء بجودة حياة الـمواطن الـمصري وتحسين مُستوي معيشته".
ويتحقّق هذا الهدف الاستراتيجي من خلال ستة أهداف عامة أساسيّة تتمثّل في القضاء علي الفقر، وتوفير الغذاء، وإتاحة خدمة صحيّة مُتميّزة، والارتقاء بمنظومة التعليم وإتاحة السكن اللائق، وإثراء الحياة الثقافيّة والرياضيّة، وهي من الدُعامات الأساسيّة لحقوق الإنسان كما سبق الذكر، وفي هذا السياق، تضمّنت الخطة برامج عديدة تستهدف مُعالجة التفاوتات النوعيّة بين الفئات الاجتماعيّة وبين أقاليم الجمهوريّة، وتوفير الحماية الاجتماعيّة للفئات مُنخفضة الدخل، وتحقيق الإدماج وتكافؤ الفُرص، وتبنّي برامج التنمية الشاملة للريف الـمصري.
وتتمثل الركيزة الثالثة في أبعاد التنمية البشريّة حيث عمدت الخطة علي تضمين مُكوّنات منظومة التنمية البشريّة عند تناولها لأبعاد التنمية القطاعيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وأبعاد التنمية الـمحليّة والـمكانيّة. وقد رصدت التحسّن الـملحوظ في عديدٍ من مُؤشّرات التنمية البشريّة الواردة بتقرير برنامج الأمم الـمتحدة الإنمائي لعام 2022، ومنها تحسّن الـمؤشّرات الصحيّة بدلالة تراجُع مُعدّلات الوفيّات للأطفال الرُضّع ودون سن الخامسة، وارتفاع مُتوسّط العُمر الـمتوقّع عند الـميلاد، ونجاح مصر في القضاء علي الفيروس الكبدي والحد من انتشار بعض الأمراض كالسُل وفيروس نقص الـمناع الذاتية ... إلخ.
وكذلك رصد التقرير تحسّن مُؤشّرات التعليم، مثل زيادة مُعدّلات الالتحاق بالـمدارس وانتفاء الفجوة النوعيّة في مُعدّلات القيد، وكذلك أظهرت مُؤشّرات التعليم الجامعي تحسّنًا في الطاقات الاستيعابيّة للجامعات الـمصريّة، وارتفاع مُعدّلات القيد الإجمالي في مُؤسّسات التعليم الجامعي والعالي.
وفيما يتعلّق بتطوير منظومة الحماية الاجتماعيّة، أبرز التقرير حِرص الحكومة علي توسيع شبكات الأمان الاجتماعي، وبخاصة برامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للـمرأة، والتركيز علي الـمناطق الجغرافيّة الأكثر احتياجًا.
وقد استهدفت خطة عام 23/2024 مُواصلة هذا النهج التنموي الذي يُركّز علي تحسين مُؤشّرات التنمية البشريّة، كمًا ونوعًا، بتبنّي السياسات والبرامج الداعمة لها، بما يُعزّز استمرار الاتجاه التصاعُدي لهذه الـمؤشّرات.