سمي اليهود السفر الأهم في التوراة "سفر الخروج"، وسموه في أدبياتهم "الخروج الكبير"، وتناولته السينما العالمية في أكثر من عمل، وأصبح رمزًا أدبيا لكل طرد يشمل مجموعة من الناس من مكان ما والحقيقة أنهم كانوا صادقين مع أنفسهم في تسميتهم الأدبية لخروجهم من مصر بأنه الخروج الكبير،لأنهم تعرضوا لآلاف "الخروجات"، بعد ذلك وعلى مدار التاريخ فلم يكد قرن من التاريخ ينتهى وإلا وقد احتوى"خروج" أو "خروجين" أو "ثلاثة خروجات" لليهود من مكان ما ففيهم خروجات صغيرة وخروجات متوسطة وكان الكبير من مصر قبل نحو ألفي عام .
والغريب أنهم لم يطلقوا على أي من أسفارهم سفر "الدخول" لأنهم في الغالب يدخلون البلاد متسللين أو لاجئين واحدًا تلو الآخر وفي تجمعات متكررة يمتهنون مهنًا نوعية، فلا تجد في المدينة الواحدة تجار ذهب أو فضة إلا اليهود وحول تلك المهن يضاربون على الأموال ويقرضون الناس بالربا خاصة في المجتمعات التي تحرم الربا، لأن هذه بالنسبة لهم فرصة استثمارية كبيرة لا ينافسهم فيها أحد من أهل البلاد وكذلك فعلوا في البلاد الإسلامية التي يحرم الدين فيها الربا وفعلوا الشئ نفسه في طول أوروبا وعرضها التي تحرم الكاثوليكية فيها الربا.
وبعد أن يمصوا بلا رحمة دماء الشعب الذي آواهم عند "الخروج الأخير" يبدأ أهل البلاد في الانتباه إلى أنثي العنكبوت التي منحوها تأشيرة الدخول فقتلتهم جميعا، فيقوم أهل البلاد بسن قوانين خاصة لليهود كحظر حركتهم بين المدن أو منعهم من التعليم أو فرض التعليم الإجباري عليهم كما حدث في روسيا القيصرية قبل الثورة البلشفية التي قادوها باقتدار، أو فرض شارة خاصة يلبسونها أثناء تجولهم حتى يعرف الناس أنهم يهود كما فعل ملك فرنسا لويس التاسع بتغريم كل يهودى لا يضع الشعار الأصفر على ثيابه بدفع غرامة قدرها عشرة فرنكات فضية أو السجن، ليكون هذا الشعار شكلا مميزًا وتعريفًا للناس ب اليهود المقيمين فى البلاد وهى إشارة مستمدة من لون البقرة التي أمرهم موسى بذبحها، أو منعهم من ممارسة مهن معينة خاصة المهن المالية وتجارة الذهب والفضة.
ثم يبدأ اليهود في الاحتيال على تلك القوانين المستحدثة ضدهم وينجحون في ذلك بذكاء مشهود لهم به، وعندما يدرك أهل البلاد الحيل اليهودية الجديدة للالتفاف على تلك القوانين التمييزية لا يجدون مناصًا من إعمال آلة القتل فيهم وقد أعيتهم الحيل في التعامل معهم، فتبدأ رحلة "الخروج" من جديد، وهكذا لا تنتهي رحلاتهم بوطن أبدًا فهم "يدخلون" من أجل أن "يخرجوا"، وأقاموا دولا وممالك استمرت قرونًا ثم انتهت بخروجهم في كل مرة، حتى أنه لتكرار الحدث فقد أصلوا له فقهًا توراتيًا فقالوا إن الله حرم علينا إقامة دولة كما حرم الميتة وزواج الأخ من أخته.
يقول الحاخام "ديفيد وايز"، الذي يقول إن إقامة الدولة هي كفر وأن الله قد فرض عليهم عقوبة هي التيه وعدم الاستقرار وهى أمور ذكرت بالفعل في التوراة إلا أن ظهور الحركة الصهيونية كحركة قومية علمانية تجاهلت النصوص التوراتية كعادتهم واستغلت الظرف الدولي الذي بدا بعد الحرب العالمية الأولى تواقًا لخلق قضية كبيرة تشغل العرب عن قضية الاستقلال يستفرغون فيها جهدهم وينفقون عليها أموالهم.
وبينما يتحدث اليهود دائمًا عن فكرة يهودية الدولة يتجاهلون تمامًا نصوصًا تحرم هذه الدولة وتمنع قيامها بالكلية لهذا يبدو واضحا أن الكيان اليهودي في فلسطين ليس كيانًا دينيًا وإنما هو ملجأ كملاجئ الحروب تقيهم بطش الأوربيين الذين لم يترددوا أبدا في قتلهم وطردهم.
والحقيقة أن الدولة التي حكمها نبي الله داوود لم يرد لمكانها ذكر في القرآن الكريم فلم نعرف من القرآن موقعها ولا حتى من التوراة وقد بحث اليهود في كل شبر في أرض فلسطين لعلهم يجدون ثمة عملة تحمل اسم داود أو سليمان أو يوشع أو أي رمز أو كلمة يهودية فلم يجدوا وعندما احتلوا سيناء عام ١٩٦٧، لم يبقوا فيها حجرًا على حجر إلا وبحثوا تحته لعلهم يجدون ثمة شيء يوحى بأنهم كانوا هناك وجلبوا البعثات العلمية من أوروبا وأمريكا بعدتها وعتادها فلم يجدوا أي شيء يشير إليهم أو إلى موسى عليه السلام ولا حتى حجرًا عليه ثمة نقش يقول أن هؤلاء مروا من هنا وأقاموا بضع سنين، وهنا ملأوا الدنيا كلاما بأنهم هم الذين بنوا الأهرامات" الأهرامات مرة واحدة " فلماذا إذا لم تبنوا ولو هرمًا صغيرًا بارتفاع عشرة أمتار في البلاد الجديدة التي خرجتم إليها؟ أين رسومكم الهندسية؟ هم ليسوا أهل حضارة ولا أهل بناء إنهم فقط أهل تجارة ومال بل إن هناك نظريات حديثة لها ما يعززها تقول بأنهم لم يدخلوا فلسطين أبدا وأن مملكة داوود وسليمان كانت في اليمن، هم دائمًا يشيرون إلى باطن الأرض تحت المسجد الأقصى ويقولون هنا فقط "هيكل سليمان"، لأنهم يعلمون أن المسلمين سوف يقاومون فكرة هدم المسجد الأقصى وهم يعلمون يقينا أنه لا تحت المسجد الأقصى هيكلا ولا هياكل من الأصل في أي مكان آخر فتضاريس التوراة ليست موجودة في القدس ولا في بيت لحم، فليس في القدس جبال تحيط بها من كل جانب كما ورد في التوراة ثم إن كان هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى فأين بنايات الملوك الذين جاءوا بعده ؟ ألا توجد قطعة معدنية واحدة في الدنيا تشير إليكم وأنتم أهل الذهب والفضة والأموال؟.
إن هؤلاء يعيشون في حروب وهمية مع الشعوب التي لم يعرفونها ولم تعرفهم، يحاولون خلق تاريخ من الخرافات والأحلام وجغرافيا من المغالطات والعدوان، زعموا أن التوراة كتبت بالعبرية وهى بكل تأكيد كتبت بالهيروغليفية التي تحدث بها يوسف وتحدث بها إخوته مع عمال يوسف من المصريين عندما" أذن مؤذن أيتها العير ‘نكم لسارقون، قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون، قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم، قالوا لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين " (سورة يوسف).
وقد أكد ذلك الدكتور فؤاد حسنين في كتابة "التوراة الهيروغليفية"، ثم عاشوا في مصر أربعمائة سنة تكلموا فيهن اللغة المصرية القديمة جيلًا بعد جيل حتى بعث فيهم موسى يتحدث بلغتنا التي كانت هي نفسها لغة مدين التي جاء إليها موسى هاربًا من فرعون وملئه، ثم خرجوا وكذلك خرجوا من كل بلد دخلوه من بعد ذلك لعنة من الله لعبادتهم العجل ورفضهم أوامر الله التي يهذب بها مالياتهم ويطهر بها أموالهم ويزكي بها تجاراتهم، واليوم وبعد أن أقاموا دولتهم في فلسطين الحبيبة ومضى عليهم فيها ما مضى جاء وقت الخروج الذي يرى أغلب اليهود أنه يحدث بعد ثمانين عامًا من عمر الدولة وبينما هم يخرجون يريدون أن يخرجوا سكان غزة من بيوتهم التي يسكنون فيها من بعد نوح عليه السلام وقبل أن يأتي إبراهيم واسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام، يريدون أن يجعلوا الخروج خروجين خروجهم وخروج أهل غزة.
إذن فهو ليس خروجًا كبيرًا فقط، إنه خروج "إكس إكس لارج".