طلب المحاضر من الطلاب الإنتباه لما سيقوله و بدا الجميع في حالة استماع و تركيز ، قبل أن يلقِ عليهم التحية ، " صباح الخير طلاب الصف الثالث " ـ محاضرتنا اليوم ستكون عن بداية الرحلة ، بداية رحلة حياتكم ، خلال عامين بعد اليوم جميعكم سينهي المستوى الأول ، خلال ثلاثة أعوام ستدرسون في شتى أنحاء العالم ، ستدرسون بتلك الجامعات التي حلمتم بها ، خلال خمس سنوات ستكونون قد بدأتم مسيرتكم المهنية ، العديد منكم سيعملون بأكبر المؤسسات حول العالم ، بعد ذلك و في غصون عشر سنوات ستحظون بالزواج ،و قد تتمكنون من شراء منزلاً - منزل الأحلام الذي تتمنونه! و بعدها ... أي خلال خمسة عشر عاماً بالتحديد سيكون الطريق الذي رسمتموه و الحياة التي حلمتم بها جاهزةً لكم .
أخذ برهةً من الصمت ليرى تأثير ما قاله في عيون الحاضرين ، بدا البعض منهم مندهشاً و بعضهم متسائلاً . و من بين الحاضرين شخص يرفع يده طالباً المداخلة ، ثم هبّ واقفاً و متجهاً إلى الأمام ، ليلقِ عليهم أهّم درس تعلموه في حياتهم ، و قطعاً ستُحظى انت عزيزي القارئ بتعلمه في اللحظات القادمة .
يبدأ ذاك الشاب معترضاً على الطريقة التي عرضت سابقاً قائلاً : " عذراً سيدي ، دعوني أخبركم لماذا قد يفشل ذاك المنهج ؟
أعرف أشخاصاً قد تخرجوا في الحادية و العشرين من عمرهم و لم يجدوا عملاً حتى بلوغهم السابعة و العشرين ، و أعرف آخرين تخرجوا في الخامسة و العشرين و وجدوا عملاً على الفور ـ و أعرف أشخاصاً لم يلتحقوا بالجامعة لكن وجدوا العمل الذي يحبونه عندما بلغوا الثامنة عشر . أعرف أشخاصاً وجدوا عملاً فور تخرجهم ، لكنهم كارهون لعملهم .
و أعرف آخرين كانوا عاطلين لمدة طويلة لكنهم وجدوا هدفهم فيما بعد ، و أعرف أشخاصاً عندما كانوا في السادسة عشر متأكدين تماماً من ما سيفعلونه بالمستقبل، لكنهم غيروا رأيهم في السادسة و العشرين و أعرف أشخاصاً لديهم أطفال لكنهم منفصلون ، و آخرين مرتبطون لكنهم واقعون في الحب مع أشخاص آخرين ، كما أعرف أشخاص يحبون بعضهم بعضا لكنهم ليسوا معاً .
لذا ما وددت توضيحه هو " أن كل شئ بالحياة يحدث وفقاً لوقتنا و ساعتنا ، من الممكن أن تنظر لأصدقائك و تشعر أنهم متقدمين عليك أو قد تشعر بأن البعض منهم متأخراً .لكن كل شئ بالحياة يحدث وفقاً لسرعته الخاصة ، لديهم سرعتهم و ساعتهم الخاصة مثلكم تماماً ، كونوا صبورين .
في سن الخامسة و العشرين كان "مارك كوبان " نادلاً في دالاس . و الكاتبة "جي كي رولينغ" انتظرت حتى بلوغ سن الثانية و الثلاثين كي تنشر روايتها الأولى "هاري بوتر " بعد رفضها من قبل اثني عشر ناشراً ، و أورتيجا أسس علامته التجارية "زارا" بعمر الثامنة و الثلاثين ، أنشأ جاك ما " شركة "علي بابا" حينما كان في الخامسة و الثلاثين من عمره ، شركة virgin " العالمية تم تأسيسها بواسطة "ريتشارد برانسون" حينما كان الأخير في الرابعة و الثلاثين من عمره ، و الممثل الشهير "مورجان فريمان " لم يحصل على فرصته الكبرى حتى بلوغ الثانية و الخمسين من عمره .
لا يزال حصولك عى الشهادة بعد سن الخامسة و العشرين إنجازاً ، لا بأس بأن لا تكون متزوجاً بعمر الثلاثين لكنك سعيداً بحياتك ، لا يزال ممكناَ أن تبدأ بتكوين عائلة بعد سن الخامسة و الثلاثين ، كما لا يزال شراء منزلاً بعد الأربعين أمراُ رائعاً ، لذا لا تدع أحداً يدفعك وفقاً لوقته الزمني ، و كما قال اينشتين : " ليس كل ما يحصى يحتسب و ليس كل ما يهم يمكن إحصاؤه . "
و هذا هو أهم شئ ، أريدكم أن تكونوا قادرين على صناعة حياة ذات معنى و هادفة و مرضية تعيشون بها ، و أن تتعلموا كيف تستفيدوا منها لتتركوا أثراً في حياة الآخرين ، ذاك ... هو النجاح الحقيقي .
* كاتب المقال:
سودانى الجنسية – يدرس بكلية الهندسة قسم الاتصالات – بجامعة جواهر لال نهرو التكنولولجية – بالهند … مهتم بقضــايا الفكر والثقافة. ويسعى لإيقاد شعلة النهضـة فى أمته بسلاح القلم ونور المعـرفة كما يقول فى تعريفه لنفسه.