في مدينة لاهاي ب هولندا ، وداخل مقر محكمة العدل الدولية، على مدى ساعتين و52 دقيقة وقف المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية والذي يرأس فريق الدفاع لدولة الاحتلال، أمام محكمة العدل الدولية ينثر أكاذيبه وادعاءاته ليُكمل حديث إفك متجذر لدى بني جلدته، للتنصل من الجريمة التي ارتكبتها حكومة نتنياهو الإجرامية؛ ففي اليوم الثاني من نظر المحكمة لقضية الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل فى قطاع غزة والتي تقدمت بها جنوب إفريقيا ، واصل فريق دفاع الشيطان موجة التضليل أمام أعلى محكمة فى العالم للتهرب من جريمة الإبادة الجماعية، وهي الواقع الذي لطخت بدمائه كل قادة الاحتلال، فلسنا ببعيدين عن المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني فى دير ياسين ، ويافا والسرايا القديمة فى حيفا التي قامت بها الهجانة الصهيونية فى 48 للاستيلاء على الأحياء العربية فى حيفا وكانت إحدى مراحل حرب التطهير العرقي فى فلسطين.
واصل الكيان المحتل عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لتصفية القضية الفلسطينية وسط صمت دولي لم يكن له تأثير على أرض الواقع سوى مجموعة من القرارات غير القادرة على النفاذ.
ففي كل مرة يخرج المحتل بحزمة ضخمة من المساعدات والدعم من المجتمع الدولي، بعد أن يقدم صورة مضللة ويصبغ الكذب بصبغة زائفة يدعي من خلالها المظلومية، وأنه الكيان الموجود وسط محيط مليء بالكراهية تجاهه، ويستهدف القضاء عليه، وبتلك الرواية المضللة تُفتح له كل قنوات الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي واللوجيستي، وهو فى الحقيقة لا يستهدف من تلك الرواية سوى الحصول على مزيد من القدرات لمواصلة سلوكه الإجرامي فى المنطقة، من أجل تحقيق حلمه التوسعي الذي تفطن إليه قادة وشعوب المنطقة، وتدرك حجم المؤامرة، التي ترفض تمامًا السماح بحدوثها، كما أنها لن تتنازل عن قضيتها المركزية وهو تحرير القدس وإعلان وعاصمتها القدس الشرقية.
أعود إلى محكمة العدل الدولية التي استمعت الخميس قبل الماضي لفريق الدفاع ل جنوب إفريقيا الذي يضم نخبة من أساتذة القانون الدولي.
والذي قدم مجموعة من الأدلة على قيام الاحتلال الإسرائيلي بعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية.
واعتمدت مرافعة فريق الدفاع من جنوب إفريقيا على الأدلة التي تم الحصول عليها من شهادات دولية وتصريحات لمسئولين إسرائيليين أعلنوا عن خطة إسرائيل لتفريغ قطاع غزة من الفلسطينيين، والتوسع فى بناء المستوطنات، وجاء على رأس هؤلاء نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير التراث الإسرائيلي، الذي دعا إلى ضرب غزة بالقنبلة النووية وهو ليس التصريح العنصري الوحيد للوزير الإسرائيلي العنصري الذي تعددت تصريحاته، لتكشف عن الوجه الدميم لعناصر حكومة الإفك الإسرائيلية.
ظلت المرافعة لفريق الدفاع ل جنوب إفريقيا أمام المحكمة أكثر من ساعتين فى اليوم الأول لنظر القضية، وفى اليوم الثاني جاء فريق الدفاع لدولة الاحتلال يترأسه مسئول الشئون القانونية بوزارة الخارجية الإسرائيلية «بال بيكر» صاحب حديث الإفك أمام المحكمة يعاونه «مالكوم شو» (Malcolm Shaw) وهو محامٍ بريطاني من أصل يهودي، درس القانون فى الجامعة العبرية ب القدس ثم انتقل إلى بريطانيا.
على مدى أكثر من ساعتين و52 دقيقة استمعت المحكمة خلالها لحديث إفك إسرائيلي يحاول من خلاله «بيكر» أن يزيّف الحقائق ويدفع بأدلة مضللة من أجل الفِكاك من التهمة التي ستلاحق قادة إسرائيل بدءًا من رئيس الحكومة وعدد من أعضاء حكومته والقادة فى الأجهزة الأمنية وجيش الاحتلال.
كانت مرافعة «بيكر» أشبه بـ «الشيطان يعظ» فبدأ بالرد على التصريحات الموثّقة لأعضاء حكومته، والتي جاءت معلنة على ألسنتهم ووثقتها أجهزة الإعلام.
فزعم بأنها كانت مجرد تصريحات مجازية وهو لا يدرك أن العالم شاهد أكثر من 6000 قنبلة ألقيت على قطاع غزة، راح ضحيتها أكثر من 24 ألف شهيد وأكثر من 61 ألف مصاب، عائلات كاملة أبيدت لم يعد هناك شخص واحد يحمل اسم العائلة، إنها أكبر عملية إبادة جماعية فى التاريخ وعملية هدم كامل للأحياء الفلسطينية والمستشفيات والمدارس والمساجد فى قطاع غزة ليتطور الوضع ليشمل الضفة الغربية، وتتوسع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، إنها منهجية الاحتلال منذ وطأت أقدام عصاباته للمنطقة العربية.
لم تكن تصريحات نتنياهو التلمودية المحرّفة التي تدعو إلى قتل الفلسطينيين مجرد كلمات مجازية، لكنها منهجية استخدمها مجلس الحرب المصغر فى تل أبيب من أجل تصفية القضية.
كما لم تكن تصريحات وزير الدفاع «يوآف غالانت» جملاً مجازية فهو ورئيس أركانه من وجهوا بضرب مستشفى المعمداني، كما وجهوا بضرب الممرات التي طلبوا من الفلسطينيين التوجه إليها باعتبارها ممرات آمنة للاتجاه ناحية الجنوب، كما أنه من وجه بضرب المدنيين فى الجنوب ومستشفى الشفاء وغيرها من المستشفيات والمدارس والمنازل بزعم أن حماس اتخذت منها قاعدة لها.
لقد وصف «غالانت» الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية يجب إبادتها، وهو لا يدرك أن ما يقوم به هو وقيادته هو تصرف مجرمي الحروب الذي يجب أن يكون مكانهم الوحيد هو قفص الاتهام لينالوا عقابًا رادعًا على ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية؛ لكنها دماء فى شرايين هؤلاء تورثهم الكراهية والبلطجة وسرقة حقوق الغير فأياديهم جميعًا ملطخة بالدماء وهو ما جعل إسرائيل ترفض الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية للهروب من المحاكمات.
كما لم تكن تصريحات المدعو «عميحاي إلياهو»، وزير التراث الإسرائيلي، مجرد تصريحات مجازية فهو صاحب أكبر عدد من التصريحات العنصرية التي لم ترفضها حكومته اليمينية المتطرفة، بل تنفذ العديد منها على أرض الواقع، فهو من طلب بضرورة ضرب غزة وإبادتها، كما طالب بضرورة طرد الفلسطينيين إلى دول الجوار وعندما استهجنت العديد من القوى الدولية تصريحاته لم يعتذر عما قاله، بل تمادى وكانت آخر تصريحاته قبل عدة أيام بضرورة إعدام الأسرى الفلسطينيين، وهو من قال «إن أحد الخيارات أمام إسرائيل هي إسقاط قنبلة ذرية على قطاع غزة».
لم يتوقف الإفك الإسرائيلي عند هذا الحد، بل حاول مندوبه أمام المحكمة أن يلقي بالتهم زورًا على دول الجوار الفلسطيني خاصة مصر تحديدًا، ليصنع فصلاً جديدًا فى حديث الشيطان المحتل، زاعمًا أن ما يحدث فى معبر رفح من تعطيل لدخول المساعدات إلى قطاع غزة مصر هي المسئولة عنه.
لقد كنا يوم الجمعة 12 يناير الجاري نستمع إلى جلسة كان فيها الشيطان يعظ ودعونا نرد على حديث الشيطان ذلك ليس من تصريحات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات أو التصريحات الرسمية المصرية التي تؤكد منذ اللحظة الأولى على فتح معبر رفح على مدار 24 ساعة منذ يوم 7 أكتوبر الماضي، لتخفيف وتقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين فى القطاع، لكن يبدو أن كشف مصر للمخطط الشيطاني لتهجير الفلسطينيين أصاب المحتل بحالة من فقدان التوازن والعمل على نشر الأكاذيب والتضليل.
فما يحدث بشأن عرقلة وصول المساعدات للقطاع يأتي نتيجة التعنت الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة عند زيارته لمعبر رفح عقد مؤتمرًا صحفيًا عالميًا أشاد فيه بالدور المصري فى تقديم المساعدات وحمّل إسرائيل المسئولية الكاملة لتدهور الأوضاع الإنسانية فى غزة، وهو ما جعل إسرائيل تشن هجومًا إعلاميًا وسياسيًا ضاريًا للفتك بالرجل.
ودعوني أرد على حديث الإفك الذي تبناه «بيكر» أمام المحكمة من تقرير نشرته مجلة « the newyorker» الأمريكية على موقعها الإلكتروني بتاريخ 12 يناير الجاري تحت عنوان «كيف تعرقل عملية التفتيش الإسرائيلية إيصال المساعدات؟!» للكاتب إسحاق شوتينر (Isaac Chotiner) جاء المقال ليكشف حجم التعنت الإسرائيلي لوقف وصول المساعدات الغذائية والطبية للفلسطينيين فى قطاع غزة، فقد حرص كاتب التقرير على لقاء عضوي مجلس الشيوخ الديمقراطيين «جيف ميركلي وكريس فان هولين» عقب زيارتهما لمعبر رفح وإشادتهما بالدور المصري فى تقديم المساعدات للفلسطينيين، فقد وصفا الوضع فى القطاع بأنه مأساوي وأن إسرائيل تحت دعوى تفتيش المساعدات تمنع وصول الغذاء والدواء لسكان القطاع، كما أن عمليات النزوح الجماعي باتجاه الجنوب جاءت نتيجة القصف الإسرائيلي لغزة.
وصف «ميركلي وفان هولين» النهج الإسرائيلي بأنه «تعسفي»، قائلين «من الأمور التي شهدناها شخصيًا وجود مستودع كبير مليء بالسلع الإنسانية التي تم رفضها فى نقاط التفتيش الإسرائيلية، سلع مثل الأدوات الطبية المستخدمة فى ولادة الأطفال، وأدوات اختبار المياه، ومرشحات المياه، ووحدات تحلية المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية، والخيام التي قال الناس إنها ربما أُعيدت لأنها تحتوي على أعمدة معدنية.
إذن مجموعة كاملة من العناصر المرفوضة تبدو تعسفية تمامًا.
وقال عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي أيضًا، «إنه عندما يتم رفض عنصر واحد فى الشاحنة، يتم إرجاع الشاحنة بأكملها إلى الوراء، ومن خلال التحدث مع سائق الشاحنة وآخرين علمنا بأن بعض هذه الشاحنات تستغرق عشرين يومًا للانتقال من نقطة البداية إلى تقديم المساعدة.
شعوري أن الأمور لا تتحسن، سواء فيما يتعلق بالوضع الإنساني فى غزة أو انخفاض المستويات العالية من الضحايا المدنيين، أتابع الضحايا المدنيين عن كثب، لقد ارتفعت بالفعل فى اليومين الماضيين، منذ قالت الإدارة إن الإسرائيليين يقللون من بصمتهم ووتيرتهم، صحيح أن إسرائيل قامت بإزالة بعض قواتها الموجودة فى شمال غزة لأنها سيطرت بشكل أساسي على تلك المنطقة من غزة، لكنها ببساطة ركزت جهودها فى الجنوب، وبالتالي لم نشهد أي تخفيض حقيقي فى ارتفاع معدلات الضحايا المدنيين.
فيما يتعلق بالمساعدة، من الواضح أن لديك وضعًا متأزمًا، وقد أشارت كل منظمة دولية تحدثنا إليها إلى أنها تعمل فى جميع أنحاء العالم منذ عقود ولم تشهد أبدًا أزمة أسوأ من تلك، وقالوا إن عملية فض الاشتباك فى غزة معطلة تمامًا، مما يعني أن العاملين فى مجال المساعدات الإنسانية يعرّضون حياتهم للخطر فى كل مرة يخرجون فيها لتوزيع البضائع على الأشخاص الذين يحتاجون إليها، وأن هناك عملية مرهقة وتعسفية للغاية للحصول على البضائع إلى غزة».
لقد ختم عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي حديثهما للصحيفة قائلين، «إن إدارة بايدن لم تمارس نفوذ الولايات المتحدة ونفوذها بشكل كافٍ لتحقيق أهدافنا» يقصدا وقف العدوان الإسرائيلي.
هذه شهادة تدحض ما ذكره بيكر (رئيس الفريق القانوني الإسرائيلي)، بالإضافة إلى ما نشره الكاتب ديفيد ريمنيك بتاريخ 14 يناير الحالي بعنوان «ثمن طموح نتنياهو» فى صحيفة « the newyorker» أكد فى التقرير أن ما يقوم به نتنياهو الابن الذي تجرّع التعصب عن والده «بنزيون نتنياهو» الذي كان يرفض قرار التقسيم ويعتبر ما تم هو اعتداء على أرض زعم أنها ملك لليهود، فقد رفض والد نتنياهو اتفاقية السلام التي استردت بها مصر سيناء.
إنه ابن لأسرة لا تؤمن بالسلام فكانت النتيجة صناعة الدمار للاستيلاء على مزيد من الأراضي لصالح المستوطنات.
إن حديث الإفك الإسرائيلي ومحاولات حكومة نتنياهو الاستمرار فى الكذب لن تستطيع خلق حالة من الأمان والاستقرار للمجتمع الإسرائيلي.
بل هو هروب من المثول أمام القضاء فى قضايا فساد متعددة.
لقد حذر المستشار الدكتور محمد خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، فى مقال له نشره بموقع بوابة دار المعارف، من التلاعب الإسرائيلي والأدلة الاحتيالية التي تحاول بها إسرائيل إبعاد التهمة عنها، مشيرًا إلى أن إسرائيل تتعمد عرقلة العدالة بالادعاء الكاذب على مصر بشكل غير قانوني وبذلك فهى تتلاعب فى الإجراءات القضائية، ونتمنى أن تدلى محكمة العدل الدولية بدلوها لما ينبغي اعتباره إساءة استخدام للإجراءات، خاصة عند استخدام الأدوات أو الحقوق الإجرائية من قبل طرف أو أكثر لأغراض منفصلة عن تلك التي أنشئت لها الحقوق الإجرائية، ولأغراض احتيالية للتسبب فى ضرر أو الحصول على ميزة غير مشروعة للتهرّب من نية الإبادة من ناحية، ومن الإكراه على التهجير القسري من ناحية أخرى.
وأكد المستشار محمد خفاجي، أن الحقيقة السائدة فى العالم اليوم والتى يجب ألا تغيب عن قضاة محكمة العدل الدولية - وهي العلمية - أن الإبادة الجماعية هي جريمة الجرائم، ولا توجد إبادة جماعية دون نفي، وكل إبادة جماعية تحمل بالضرورة نفيها، لذا فإن نفي إسرائيل نية الإبادة الجماعية هو ذاته منسوج بالإبادة الجماعية، ففي نفس الوقت الذي يقوم فيه مرتكب جريمة الإبادة الجماعية بالتحضير لجريمته، يقوم مرتكب جريمة الإبادة الجماعية بالتستر على هذه الجريمة، ومن ثمَّ فإن إنكار الإبادة الجماعية هو امتداد لها، وهذا هو الحاصل من إسرائيل حتى بعد مثولها أمام المحكمة.